إضاءة على نص ” ناي الحياة ” للشاعرة اللبنانية رباب المعوش

سي مختار حمري | المغرب

 

1– مقدمة نظرية :
الغربة عند أحمد المجاطي :
هو شاعر وناقد مغربي تطرق في كتابه ”ظاهرة الشعر الحديث” لتجربة الغربة والضياع في الشعر العربي الحديث فأشار إلى تنوعها في أشعار المحدثين لتشمل :الغربة في الكون، في المدينة، في الحب، في الكلمة
— الغربة في الكون: يميل الشاعر إلى عدم اليقين (الشك) فيما يسمى بالحقائق فينهج التفلسف الوجودي، محاولا تفسير الكون منطقيا والدافع وراء ذلك قلقه واحساسه بالعبث والمرارة ، مثال: نصوص صلاح عبد الصبور، أدونيس، بدر شاكر السياب ، يوسف الخال
–الغربة في المدينة: الإحساس بالضيق في المكان المديني حيث أن المدينة العربية علّبت وشيّأت الإنسان وأضحت بلا قلب ولا روح مثال: قاهرة عبد المعطي حجازي، بغداد السياب، بيروت أدونيس ويوسف الخال
الغربة في الحب: أصبح الحب مزيفا ومصطنعا ذو بريق واهم، يتحول إلى عداوة عند خليل حاوي ، أو يموت عند عبد المعطي حجازي، أو يصاب بالإختناق عند صلاح عبد الصبور
–الغربة في الكلمة : اغتربت الكلمة ذاتيا عن دلالاتها في واقع منحرف صار لا يعرف سوى صدى الكلمات، وتم خنق الكلام الصارخ الذي يجهر بالحقائق ، والذي تحول إلى حجر عند أدونيس ، أو إلى صمت عند البياتي
هناك من الشعراء من يمزج بين لونين من الغربة أو ثلاثة أو بين الأربعة في وحدة شعرية منصهرة ….

2–العنوان :” ناي الحياة ”
الناي: من آلات النفخ الموسيقية، العزف عليه ذو صوت شجي، حزين ، مهموم .
مثل الذي تملكه الهم والغم ، صوت شجي رقيق الوقع في الأذن ، ناعم ، حزين ،مؤثر، مطرب ومحرك للعواطف
بعض الأقوال في الناي:
قال جلال الدين الرومي
–” أنصت إلى الناي يحكي حكايته..ومن ألم الفراق يبث شكايته ..ومذ قطعت من الغاب والرجال والنساء لأنيني يبكون …أريد صدرا مِزّقا مِزّقا برحّه الفراق لأبوح له بألم الإشتياق فكل من قطع عن أصله ..دائما يحن إلى زمن وصله ”
–” الناي صديق لكل من افترق عن أليفه ..ولقد مزقت أنغامه الحجب عنا ..فمن رأى كالناي سما وترياقا ..ومن رأى كالناي نجيا ومشتاقا ..إن الناي يتحدث عن الطريق المليء بالدماء …وعن قصص عشق المجنون ”
جبران خليل جبران :
”أعطني الناي وغني فالغنا سر الوجود ..وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود …
أعطني الناي وغني وانسى داء ودواء .. إنما الناس سطور كتبت لكن بماء ”
نلاحظ من المثالين السالفين أن الناي يحضى بإهتمام بالغ من طرف المتصوفة فهو يعبر عن ألم الفراق والإشتياق لكل من قطع عن أصله، وهو مؤنس وصديق في الوحدة وأنغامه تتحقق بها الكشوفات و هو سم وترياق , داء ودواء …
عند جبران خليل جبران ”نبي الشعراء” فانغام الناي من سر الوجود وأنينه لا يفنى حتى بعد فناء الوجود ويلحق بالمتصوفة في توصيفه بان سماعه ينسي الداء والدواء..وهذه صور شعرية غاية في الروعة تعطي للناي مكانة راقية في الشعر وعند السالكين طرق التصوف ….
الناي من آلات النفخ وإضافة لما كتب عنه ، فعملية النفخ قد تجعله يحضى بدلالات اخرى بالغة الأهمية، فقد جاء في القرآن الكريم
”والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وجعلناها وابنها آية للعالمين” (الأنبياء 91)
الآية تعني مريم وعيسى عليه السلام وخلق آية للعالمين كانت بواسطة النفخ من روح الله عز جلاله وعظمته
”يوم ينفخ في الصور فتأتون افواجا ”( النبأ 18)
الآية هنا تشير ألى النفخ في الصور وهو القرن المعد لذلك (بوق) يصدر منه صوت قوي للنداء للمحشر يوم القيامة ، يوم البعث
وهنا نلاحظ ان الخلق والبعث مرتبط بالنفخ، صفة يمكن أن نسقطها على الناي ولو من باب المجاز. نلمس هنا أن الشاعرة كانت موفقة في صياغة العنوان بالمزج بين الناي والحياة (الكائنات الحية) و بذلك مزجت في اندماج الرؤية الصوفية والشعرية مع ماهو ديني ….
—الحياة : جمع حيوات في اللغة نقيض الموت : حيّ ،يحْيا، ويحيُّ، فهو حيُُّ وللجمع حيُّوا او حيُوا..
تعتبر الحياة حالة تميز جميع الكائنات الحية من حيوانات ونباتات وبشر وجراثيم (بكتيريات وفطريات)و طحالب أولية (دون الدخول في تعقيدات التصنيف الإحيائي)، وتصبح ”الفيروسات” (العاثيات أو الحمات) ذات مظاهر حياتية عندما تكون في استضافة كائن حي .
يتميز كل كائن حي بالقدرة على التكاثر والنمو من خلال الإستقلاب إضافة الى القدرة على التكيف مع وسط عيشه…
أقوال في الحياة :
“تعب كلها الحياة فما أعجب الاّ من راغب في ازدياد ” أبي العلاء المعري
“وحدها الحياة التي يعيشها الفرد من أجل الأخرين هي حياة ذات قيمة ” اينشتاين
“ليس للحياة قيمة إلا إذا وجدنا شيئا نناضل من أجله” سرفاج
السؤال الحقيقي ليس هل هناك حياة أخرى، بعد الموت لكن ، هل كنا حقا على قيد الحياة قبل الموت ؟؟!! أم أننا عشنا حياة كالحيوان لا تليق بالإنسان ..؟
المعنى الأقرب للحياة في النص أفترض أنه:
حياة الإنسان بكل أبعادها: اجتماعية – ثقافية – سياسية – نفسية – فكرية … ويندرج تحت هاته العناوين : الصحة – العمل المدر للدخل – التعليم – العدل -المساواة – الإندماج في المجتمع – حرية التفكير والتعبير – الحب المتبادل مع الآخرين – الإحترام والتقدير، الحق في الحلم والعمل على تحقيقه ….
الحياة الإنسانية لا تقف عند المستوى البيولوجي(الإحيائي)، الحاجيات التي تضمن بقاء الجسد والنوع البشري من أكل وشرب ولباس وإنجاب وصحة وتعليم ــ الحفاظ على الجسد أصبح يتطلب مستوى معين من التعلّم واالمعرفةــ ورفاهية مادية على العموم …الإنسان حياة شاعر، مفكر، فيلسوف ‘رحالة …يطمح إلى الكمال وتحدي الصعاب، كما يقول أبي القاسم الشابي: ”من لم يحب صعود الجبال.. يعش أبد الدهر بين الحفر” وكما يدعو ”نتشه” إلى مايسميه الإنسان الأعلى….
لكن الملاحظ أن جل المجتمعات العربية تعيش على هم الحاجيات البيولوجية من توفير لقمة العيش كما يحلو للبعض تسميتها فمن أين لنا أن نتكلم عن حياة إنسان؟
عندما نعود إلى العنوان “ناي الحياة” فإننا قد نفهم أنه يرمز للخلق بصفة عامة فالنفخ وانغام الناي تتمدد في الفضاء لتسافر بعيدا ، كما قد يرمز إلى حياة الإنسان خلال سنوات عمره وما تخللها من حزن وهم وغم وشجى إما كأفراد أو جماعات يسود فيها الظلم والحقد والصراع والنزاعات القبلية والطائفية و الحروب وهضم حقوق الأقليات والنساء ، وتهميش الرأي والفكر الآخر والتسلط والطغيان والتي شبهتها الشاعرة بالناي وهو الوحيد الحزين المقطوع من غصن في غابة ، هو صوت الحزن الذي يكون عامة صامتا لأن انغامه كما الفن والأدب قد تعبر عن صمت الحزن الدفين في أعماق النفس البشرية منذ الأزل…وكما يصف الكون لوتريامون في أناشيد مالدورور بقوله القاسي جدا ” حزين كالكون جميل كالإنتحار”
ترى ماذا سيعكس لنا النص من هموم هل هي ذاتية (فردية)؟ أم انسانية في شموليتها أم تهم مجتمعا معينا؟! أو نفسية-اجتماعية؟ أو سياسية؟ على ضوء هذه الإسئلة سنحاور النص

3–النص:
يئن قلبي على عزف
ناي الحياة
آه من عزف على وتر
أيام لوعتني
وآه من عزف دمع حزين أبكيه
ويبكيني
دمعة حلم بنار الألم تكويني
كم من جرح سيرديني
آه كم تأوهت روحي
وتمزقت شراييني
من دمعة ألم طالت رحلته
هزتني
استهلت الشاعرة النص ‘بقلب يئن على عزف الناي ” في إشارة واضحة إلى واقع اجتماعي مرير يسود بيئتها الإجتماعية وقد يتمثل في وسائل وظروف العيش مما قد تكون له هزات اجتماعية ومعاناة نفسية عبرت عنها بعزف الناي الذي يرمز إلى الحزن والهم والغم المتولد عن معايشة الوضع ، وتعلن عن تأوهها من العزف على وتر الأيام التي جعلتها في لوعة سببت لها حرقة وألم وهم في القلب
وتصدر ايضا أهات (آه) من عزف دمع حزن يسري بين كل أفراد المجتمع ،فارتفع منسوب الشكوى موحِّدا للكل وهو ما ترمز له الشاعرة ” أبكيه ويبكيني” فهي حزينة وتبكي لشكوى الآخر ، هذا دليل على نوع من الحب والتوافق وربما التكافل بين أفراد المجتمع المتضرر ولو عاطفيا .
حتى الحلم بالأمل صار حارقا يكوي بالنار لأنه خارج دائرة إمكانية التحقق فحتى التفكيرفي الحلم يؤلم ..
وأمام هذا الوضع المزري ازدادت الجراح ، تتساءل الشاعرة ”كم جرحا يرديني”؟ ، يقتلني وهي صيغة نفهم منها أنه قد تجاوز السيل الزبى وماعاد للناس امكانية لتحمل المزيد من الجراح يكفي ما أصابهم
لم تتوقف الجراح عند الجسد أو القلب أو الحرمان من الحاجيات وتأثر العواطف والأحاسيس بل تجاوزت المدى لتصل للروح ولعمق انسانية الإنسان مما نجم عنه تفكك وشائج الصداقة والدم والمواطنة التي تربط بين أفراد المجتمع الواحد وعبرت على ذلك الشاعرة ”تمزقت شراييني” والسبب هو طول رحلة الألم الذي استوطن المكان والكيان لفترة طال أمدها مما جعل الشاعرة تعبر عن سخطها فالأمر يحدث رجة واهتزازا في الأنفس قد تكون لعواقبها اعلان الإنهزام والإستسلام …
جاء في هذا الجزء تكرار لعدة كلملت أو تأوهات : دمعة 3 مرات ، عزف ثلاثة مرات ، آه 3 مرات :
عزف دمع حزين /دمعة حلم /دمعة ألم عزف ناي الحياة /عزف على وتر أيام لوعتني /عزف دمع حزين
آه…من عزف على أيام لوعتني /آه..من عزف دمع حزين /آه تأوهت روحي
ترى ماذا تعني الشاعرة بكلمة دمعة؟ فهي لم تستعمل كلمة البكاء والدموع بصريح العبارة وإن جاء ذلك ففي صورة مسندة إلى شيء آخر لا كما جاء مثلا في قصيدة نزار قباني ”حقائب الدموع والبكاء ” حيث جاء ذكر البكاء 4 مرات
البكاء هو: سيلان الدمع استجابة لحالة عاطفية أو ألم :غضب ، حزن ، سعادة
البكاء لا يكون بدمعة واحدة
دمِع :دمعت العين سال دمعها
دمِع الإناء :امتلأ حتى فاض
الدمع أو الدموع مفردها دمعة
دمعة قد تعني الحزن والألم مرفوقا بالجلد الصابر الذي تأبى النفس أمامه الظهور بمظهر الضعف والهوان فمكانة الشاعرة ووطنيتها وانتماؤها جعلها تتجرع المرارة بصمت وكتمان في قلبها في أوج الصراع بين العاطفة والكبرياء ، روح الأنفة والصبر أمام عاطفة تشتعل نارا ولهذا عبرت بدمعة ”ربما تحجرت في العين” فالدمع والبكاء لا يصلح في هكذا موقف فهو قد يهدا كمسكن لكنه لايفيد في علاج الداء أو إيجاد بديل لوضع في تدهور مستمر كما يبدو..
العزف : صوت العود ، صوت المطر ، صوت الرمال تحركها الرياح ، صوت الناي
عزف على آلة موسيقية : لعب بها فاصدرت لحنا موسيقيا
نلاحظ أن هناك ترابط بين العزف والدمع والحزن والألم ولوعة الأيام (الزمن) ، الدمعة كما اسلفنا ليست بكاء ولا حتى دموعا هي حزن صامت دفين ما عادت اللغة قادرة على اظهاره وحده عزف الناي هو المعبر عن صداه المتمثل في الألم والتذمر والإنكسار والإحباط والمعانات
رؤية شاعرية فاقت كل خيال صمت الجميع ماعاد الكلام يفيد وصار الناي يردد ما أصاب القوم …
آه…(كلمة وظيفية) اسم فعل مضارع بمعنى أتألم ، أتوجع يستعمل مبنيا على السكون أو الكسر أو بالتنوين
نصل إلى خلاصة تجمع ثلاثة عبارات دمعة/عزف الناي /آه …
وكلها تفيد التألم والتوجع والحزن نحن إذا أمام وضع مجتمعي جد متدهور ومتفكك الأوصال لا يفيد فيه لا حوار ولا يسمح بأي ذرة حلم أو أمل انغلق المجتمع على أزمة مزمنة تنذر بخطورة كبيرة …
فلا تسألني عن نفسي
عن عمري عن سنيني
عن غربتي عن وحدتي
مع شجني
عن دمعة صبر زادُ نبضي
وضعفي
آه اعذرني
قد تعبت مني الآه
لا تلومني
فصرختي تؤلمني
اسجنها داخل حزني
تطالعنا الشاعرة ب ”لا تسألني” فهي ما عادت ترغب في الإستفسار ، احجمت عن الإهتمام بنفسها ،ذاتها ، عمرها ، والسنوات التي عاشتها ، الزمن توقف عن الحركة جمُد الفعل والقول بجموده و تمت ازاحة السؤال من التداول عن : النفس /العمر / السنين /الغربة / الوحدة /دمعة الصبر ..وتطلب المعذرة عن ما يصدر منها من تأوهات تعبر عن الألم والوجع وتعلن في نوع من اليأس أن التأوهات تعبت منها ، دليل على عمق وفداحة ما تعانيه فقد امتلأ الباطن و الداخل لدرجة ماعاد متسع للكلام فطغت التأوهات .. وتطالب بعدم الملامة فصرختها المدفونة في الأعماق داخل حزنها تؤلمها و هي صرخة صامتة ناجمة عن دمعة الصبر التي تعتبر زادُ للنبض والضعف فهي مطية لمقاومة قساوة المعاناة والإحباط والظروف العصيبة ..
نلاحظ تردد ”عن” 5 مرات ، وياء المتكلم 13مرة
عن :حرف جر مبني على السكون له معاني متعددة : المجاوزة (التجاوز) ، البدل ، الإستدعاء ،السببية وهنا نفترض أنها جاءت للمجاوزة ، تجاوز ماذا ؟ تجاوز الذات، العمر ، السنين ، الغربة ، الوحدة ، دمعة الصبر هنا تدخل الشاعرة في حوار مع الذات الشاعرة (حوار جواني) فهي تساءل نفسها باسم الآخر في صيغة النفي وتذكر ما تعانيه الذات الشاعرة من غربة في المكان والزمان يجعلها تشعر بالقلق الوجودي وتحس بالعبث والمرارة والغربة في الشعور بالوحدة .. ما يوحي بفراغ المجتمع من قيم الحب والتعاطف والدعم الإنساني لأفراده. تعاني الغربة في الكلام في وسط لا يسمع الاّ صدى الكلمات التي تصبح منزاحة عن دلالاتها فارغة من معانيها ، يخنق الكلام الصارخ ”صرختي ..أسجنها داخل حزني” ..
ياء المتكلم: ضمير متصل مبني على السكون يتصل بالفعل والإسم والحرف وبالفعل المضارع والماضي والأمر.
وهنا الياء جاءت متصلة بالفعل والإسم والحرف :لا تسألني/نفسي/عمري/سنيني /غربتي/وحدتي /شجني/نبضي /اعذرني / مني /لا تلومني/ تؤلمني /حزني
نصل الى أن ياء المتكلم ”أنا” الذات الشاعرة، نُفي كل مايرتبط بها وذلك بتعليق السؤال عن أحوالها و بالتالي تجاوزها إلى الأنوات الجماعية (نحن) اذا نستنتج أن الشاعرة بنكران الذات نجحت في ترجمة الشعور الداخلي الذي يسكن القلب والباطن الذي أنضجه الفكر المتحرر من قيود الأنا ليصبح معبرا عن شعور المجتمع ككل بكلمات ومجازات مفعمة بشعر الحياة ”ناي الحياة ” الشاعرة في تجاوزها لذاتها: لا تسألني عن نفسي /عن عمري /عن غربتي /….هذه العنعنة التجاوزية تجعلنا نلمس بكل تأكيد أن المعْني هو المجتمع أو الإنسان في سيرورة متحررة من قيود الزمان : لاتسألني عن عمري / عن سنيني /عن غربتي / .. .. وعمق المعاناة الداخلية ”تهزني تهزمني ”وكأنها تدرك ملكيتها لروح الفكرة التي يجب ان تتنبأ بما سيحصل و اللازم لتفادي الكارثة ،نبوئة مستقبلية تختمر لتصبح عملية واعية ترشح عن البعد النفسي الباطني ، إنهاتجربة شعرية داخلية-باطنية (جوانية) تفصح عن نفسها باقصاء الذات الشاعرة ” لا تسألني عن نفسي ” واطلاق طاقة الشعور لتعبر عن فعل الحياة بمجتمعها وفي مجتمعها الذي تنتمي إليه وربما المجتمع الإنساني ككل ….
ماذا أقول وعناقيد الحزن
تعصرها كلماتي
سيل دموع يبلل أوراقي
اسمع صمتي أنين حروفي
العليلة
صدى قصيدة كتبتها بروحي
من دم جرحي
الذي ينزف طوال ليلي
السقيمة
الكلمات تعصر عناقيد الحزن المركب المعقد ،العميق والدفين لتكتبها دموعا على الورق لتعبر عن الألم والوجع لتسمع أنينها الصمت الجاثم الناجم عن الوضع المأساوي وهذا الأنين سيكون صدى لقصيدة كتبت بعمق كبير من الروح و بدم الجرح النازف طوال الليالي السقيمة بفعل افكار من ظلام وعاطفة هوجاء لا تبقي ولا تذر خالية من القيم الإنسانية السمحة …
قد هزمتك يا يأسي
بيد دافئة تغمرني
بالحب والحنان تدثرني
ولكن دمعها يسيل
من دمي حين تبكي
فتهزمني
اعذريني
تستجمع الشاعرة شجاعتها وقدرتها على التفكير والتنبؤ للحفاظ على بصيص أو شعاع أمل ولو إلى حين ،فتعلن أنها هزمت اليأس بفضل يد محبة حنونة دافئة امتدت لتغطيها وتحميها لكن هذه اليد بدورها تعيش الألم والوجع وأمام احساس الشاعرة المرهف لم تطق صبرا على ذلك لتعلن عن هزيمتها العاطفية فدمع اليد التي امتدت لها ، من دمها تسيل وبالتالي تطلب المعذرة ..
القفلة توحي بحل قد يعكس بعض النجاح يتمثل في مد الأيدي بين مختلف شرائح المجتمع ليعم التآزر والتعاطف والمحبة واعتبار كل واحد دموع الآخر دم يسيل من جراحه والتضحية في سبيله وكما جاء في القرآن الكريم ”ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة” (الحشر9 ) هذا نوع من الحل الإنساني للخروج من الأزمات وحفظ السلم الإجتماعي …

4–خاتمة :
النص يتدفق سيلا من العاطفة الصادقة في رقة ملهمة رغم عبارات الشكوى والتألم والوجع والحنين لكنها عاطفة مرهفة الإحساس تستوطن القلوب لتغدو قيمة انسانية عالية ..
نص جميل بلغة سلسة عذبة وصور شعرية عميقة المعاني والدلالات حتى وان ظهرت في البدء قبل تأملها عكس ذلك ..
نص ماتع مثقف مستفز لما فيه من قيم انسانية رائعة تثير مشاعر التضامن والتكافل والتآزر والتضحية من أجل مجتمع يسوده العدل والإخاء والسلم
……

النص : رباب المعوش

ناي الحياة

يئن قلبي على عزف
ناي الحياة
آه من عزف على وتر
أيام لوعتني
وآه من عزف دمع حزين أبكيه
ويبكيني
دمعة حلم بنار الألم تكويني
كم من جرح سيرديني
آه كم تأوهت روحي
وتمزقت شراييني
من دمعة أمل طالت رحلته
هزتني هزمتني
فلا تسألني عن نفسي
عن عمري عن سنيني
عن غربتي عن وحدتي
مع شجني
عن دمعة صبر زادُ نبضي
وضعفي تواسيني
آهٍ اعذريني
قد تعبت مني الآه
لا تلوميني
فصرختي تؤلمني
أسجنها داخل حزني
ماذا أقول وعناقيد الحزن
تعصرها كلماتي
سيل دموع يبلل أوراقي
اسمع صمتي أنين حروفي العليلة
صدى قصيدة كتبتها بروحي
من دم جرحي
الذي ينزف طوال لياليّ
السقيمة
قد هزمتك يا يأسي
بيد دافئة تغمرني
بالحب والحنان تدثرني
ولكن دمعها يسيل
من دمي حين تبكي
فتهزمني
اعذريني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى