حديث الغريب.. أصداء الرحلة (5)

سوسن صالحة أحمد | سورية – كندا
تلك المشاهد الغريبة المصحوبة بالذهول العام أضحت سمة الشارع السوري، كلما زاد الحراك والرد عليه، انقسامات وتحزبات ومؤتمرات واجتماعات داخل البلد وخارجها جميعها لم تهدي للسوري ولو أمل بسيط بحقن الدم، وأخذ مجرى الأمور بتعقل من أي طرف أو جهة شاركت هذا البركان، سواء من الداخل أو من الخارج ،كلما سمعنا الأخبار كلما ازدادت ضبابية الصور، وكأنما لا أحد يريد لسوريا خيراً، سوى بسطائها الذين لا حول لهم ولا قوة، الموت بالمجان بلا حسيب أو رقيب، انفلات أمني، تدهور الأخلاق العامة، الانقسام أضحى حتى ضمن العائلة الواحدة، حيث لكل فرد فيها رأي مخالف للآخر، هذا ما كان يظهر في النقاشات التي كانت تتناول الأحداث وأسبابها ونتائجها القريبة والبعيدة، النقاشات التي أصبحت أتجنبها لأني كنتُ أرى أن الحقيقة غائبة في مقاصد السياسة، وضمن كل التداخلات الفاعلة في الحدث كان من الصعب التمييز أو التكهن بأي شئ عدا أنه لو استمر هذا العبث دون حلول سريعة وبيد أهل سوريا وحدهم لن تكون العاقبة إلا شرا مستطيراً ينتظر البلد وأهلها، وهذا ما حدث وما زال يحدث،
الخطر أصبح قريباً من كل حركة أو سكنة لك، ولطالما تعرضت له في عملي، كنتُ أعمل ممرضة في العيادات المتنقلة بسيارات الهلال الأحمر بالاشتراك مع الهيئة الدولية الطبية، قبل الحرب كنا نذهب إلى المناطق التي تحتاج لتلك الخدمات لسبب ما، واستمرينا بعد بدء الحراك، كانت اغلب المناطق التي كنا نذهب إليها قد انخرطت في الحدث، وبات بعضها في يد الجيش الحر، لم نسلم من الأذى وخصوصا المعنوي في أي منطقة ذهبنا إليها سواء كانت بيد الجيش الحر أو بيد النظام، عدا عن تلك المشاهد التي لم أجد لها تفسيراً سوى أن اللعبة أكبر من أي تصور أو هكذا تراءى لي حين رأيت لأول مرة رجلاً من الجيش الحر يصافح رجلاً تابعاً للنظام، وها أنا أبدأ الحديث في حادثات حصلت لي في عملي.
كان الحراك قبل أيام مما سأروي على أشده في مدينة حمص، يومها مقصدنا في العمل كان مدينة قطنا وهي بحوزة النظام، طبعا لم نكن نخرج لأي مكان دون ورقة مهمة رسمية من الجهة التي نتبعها في العمل، رغم أنه من المفروض أن سيارات الهلال الأاحمر أو الصليب الأحمر لها حصانة دولية من المفروض أن تدخل إلى اي مكان دون إذن لأن عملها يصب فقط في مصلحة الناس دون تفرقة بينهم أو حساب انتماءاتهم، لكن كان علينا في كل مرة نذهب فيها إلى اي منطقة أن نبرز ورقة المهمة ونبرر تواجدنا في هذا المكان، عبر رجوعنا إلى أكبر جهة مسؤولة في المنطقة، يومها لم نجد رئيس البلدية فذهبنا إلى مخفر الشرطة وشرحنا لهم طبيعة عملنا وسبب تواجدنا، فوافقوا، أحد العناصر أثناء تحركنا لنتخذ لنا مكاناً في ساحة عامة يراها الجميع نادى بصوت مرتفع وهو يحمل مسدسه في إشارة للإجابة المفترضة.. لو أتاكم واحد حمصي كيف بتعالجو؟! طبعا وهو يلوح بالمسدس.
آلمني كيف تقسمت البشر، وكيف صارت الأحكام عامة لمجرد أنك من المدينة الفلانية أو سواها، هنا يذهب الحابل بالنابل، هنا تموت الإنسانية وينمسخ الضمير، هنا يعلو صوت الشيطان، وتنعدم الرحمة في القلوب، هنا سوريا لما علا فيها صوت الرصاصة وانمحت الأغنيات، وما زالت فيها حناجر الأمهات تحشرج فلا هي تحيا ولا هي تموت.
صديقي العابر للعمر
سوسن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى