أُعْلِنُ قلبي مِنْطَقَةً مَنْكُوبَةً.. قصة قصيرة

الأديب السوري الدكتور موسى رحوم عبَّاس

         غالبا ما  يُصِرُّ على استعمالِ الدَّرج للوصول إلى مكتب الجريدة، بينما يستعمل زملاؤه المصْعدَ، كان يقولُ لهم:
إنَّكم تدمِّرون قلوبكم بالكسل، تعليقاتهم على مقولاته عن الرِّياضة والحبِّ والجمال لا تنتهي، رئيس التَّحرير لايخفي تضايقه من جرأته في تسمية الأشياء بأسمائها، قال له:
     لا أشكُّ أبدا أننا سنُرْمَى في الشَّارع جميعا على يديك، فأنت تتناسى من يدفع لك راتبك!  اِحْنِ رأسَكَ ريثما تمرُّ العاصِفةُ، فيضحك بما يُشْبِهُ البُكاء، قائلا:
ماذا أفعلُ إذا كنَّا نعيش في مركزِ العواصفِ على هذا الكوكب اللَّعين! هذا سيبقي ظهورَنا مَحْنيَّةً إلى يوم القيامة، سعادةَ الرَّئيس! وخرجَ مسرعًا من المكتبِ دون أن يتأكَّدَ من سماعه للعبارةِ الأخيرةِ.
هذا الشَّهر الثَّالث الذي يُغْلقُ فيه أسعدُ حسين بابَ شقَّته الصَّغيرة عليه، يرفضُ الخروجَ، الباب الذي ألصقت عليه أوراقٌ ملونةٌ صغيرةٌ،  تقولُ:
“عزيزي المستأجر تأخُّرك في الدَّفع سيؤدِّي لإخراجِكَ من الشُّقة بقوة القانون” يتذكَّر تَخرُّجه في جامعة دمشق، يتذكَّر كليَّة الإعلام، وورش العمل، وصديقته لينة عبد القادر تنعش ذاكرته بمرورها عليه بعد الانصراف من الجريدة، يتعلَّق بها كطفلٍ في يومه المدرسيِّ الأوَّل، يخفي وجهه في شعرها المُسْتَرْسِلِ، يقول لها: إنَّ رائحة الحِنَّاء تعيده لحقول الحنطة في قريته، ويشير إلى صورة بيته المهدَّم في مدينته البعيدة، بينما تخترق الطَّيارة الرُّوسية جدار الصَّوت الآن في سماء الحيِّ، فيضطرُّ إلى الانكماش في كرسيه الصَّغير، وجنازة أمِّه التي لم يحضرها، ويدسُّ في يدها ورقةً صغيرةً قبل أن يُصغي لوقع حذائها على الدَّرج، راجيا نشرها على أنَّها إعلانٌ مدفوعُ الأجْرِ؛ لتقرأ فيها فيما بعد: ” أُعْلِنُ قلبي مِنْطَقة منكوبة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى