إضاءة على نصين للشاعر حيان عماد

صلاح عبد العزيز | شاعر وناقد مصري

 

أولا – الإضاءة النقدية

ظاهرة الحب في الشعر العربي ظاهرة أصيلة منذ أن ردد الشعراء أشعارهم مرورا بالشعر الجاهلي وحتى شعراء النثر والموجه الجديدة فما من شاعر إلا ومر بتجربة الحب وقاسى ويلاته من الصد والهجر والحرمان وأينما توجه الشاعر بأشعاره نجد الحبيبة المتمنعة والخائنة والجبارة وما إلى ذلك من صفات يضفيها الشاعر على محبوبته وسواء كان خيالا أم حقيقة فالحب هو بداية كل شاعر والحبيبة هي نص يتلون وأوجه تتحول وأحيانا من النقيض للنقيض حسب التجربة ومرارة الحرمان وتاريخ الأدب العربي ملئ بتجارب الحب وبأسماء علم لشعراء يصعب حصرهم إذ أن كل الشعراء كتبوا عن تجاربهم في الحب حتى إذا أفضى إلى موت . فالمرأة فى حياة الشعراء هى المفتاح دائما لفهم حياتهم حتى لو كانت كتاباتهم فى المطلق وفى المرأة عموما ٠ ولكن مما يثير الأسى فى بعض الأحيان أن المرأة والحبيبة عند شعراء الموجة الجديدة ليس لها ملامح محددة ملامح خاصة بها وحدها حتى أنني أظن أنها امرأة واحدة تخصهم جميعا يسلفونها لبعضهم البعض وربما يكون تجنيا منى ورأيا شخصيا لا يعيب أشعارهم ذلك أنه لا يوجد من ملامحها غير النهدين والفخذين وما إلى ذلك مما تتشابه به كل امرأة وهى فى أشعارهم كالهلام مجرد حسية إيروتيكية تنتابهم في الكتابة عنها دون ولوج لروحها المعطاءة.

وينفلت من ذلك الرأي بعض الشعراء وهم قليل فالمرأة في بعض الأحيان تتلبس بالوطن والأمة والتاريخ والأسطورة والدين وتصبح شكلا من أشكال الأبدية التى لا غنى عنها وتصبح الرؤية أعم وأشمل فى كل مناحي الحياة .

والشاعر حيان عماد في أشعاره ونصوصه الكثيرة ينحو هذا النحو على استحياء نلمحه في مفردات تتوارى تحتها تاريخ أمة كاملة في وطن لا ربيع له وحيث كل شيء يسير في اتجاهها في اتجاه تلك الحبيبة المتمنعة دائما وأحيانا الخائنة .

ففي النص حيث يتشارك الجميع فى قتله من الصديق إلى طائر الدوري في مشهد كان فيه مجرد كومبارس وربما يحيلني مشهد النص عموما إلى مجاز عن الحرب الأهلية حيث يقتل الجميع وادعاء الجميع محبة تلك الحبيبة لدرجة القتل واتهامها بالخيانة مجاز على التمنع وأشد عنفا من الحرب وهى الحدث القاسي والأكثر بؤسا فى تاريخ من الخذلان والانكسار فهى الخائنة الغادرة وهو الكومبارس دون تفاصيل لطبيعة تلك الخيانة وربما مفردة التاريخ نفسها مع كل من سبقوه تبيح أنها أيضا المستعصية على آخرين وهو الباكي المتشظي المنقسم نصفين ولأننا أمام لغة مجازية شديدة التعقيد تصنع صورة ملتبسة أحيانا بالنفس وربما تقترب من نرجسية من نوع ما فيتحول إلى مطلق للرصاص على قلبه فتسقط الحبيبة حتى أننا لا نعرف فى ذلك النص صورة شكلية للحبيبة الخائنة وكأنها حبيبة مبهمة بلا شكل محدد وتلتهمه النيران وهى المشتعلة وهو المشتعل ولا فرق بينهما .

وفى النص الآخر نجد ملامح شكلية للحبيبة فهي العسل الحقيقي وعينها عشب ربيعي وشعرها سنابل قمح حتى وهو يمزق قصائده ورقة ورقة وهو دمعة حب تنبت بها شجرة زيتون وربما هذا النص مفتاح لفهم وتفسير قصائد حيان عماد فهو يحدد كلماته وينتقيها كالشعراء عفيفي اللسان الذين يخفون من حبيباتهم أكثر مما يظهرون من مظاهر شكلية وجسمية وربما النصان معا يشكلان وجهها في الغياب وفى الحضور ومدى ما يعانيه المحب العذري إذا جاز التعبير فمجمل ما قرأت من أشعاره هو حب عذري صرف فى نصوصه الكثيرة.

ثانيا – النصان: حيان عماد

1

خيانتك لم تكن مشهداً اعتيادياً، كانت بمثابة مشهد احتضاري، رأيتُ نفسي أموت، أموتُ عشرات المرات، أتقيأ الحب الذي لقمتني إياه، كلمات العشق التي تبادلناها سوياً، لا بل إني أتقيأ قلبي .

خيانتك هي أعنف المشاهد، أشدُّ عنفاً من الحرب التي دارت في بلادنا، رأيتُ نفسي أموت برصاصة صديقي الذي لطالما قاسمني رغيف الخبز، رأيتُ كل الذين أحببتهم يتشاركون في قتلي، حتى الدوريّ الذي كان يهمس لي كل صباح رأيتهُ ينقد عينيَّ … كلُّ شيءٍ تحول بعينيّ لكذب وغدر وخيانة ..

خيانتك مشهدٌ متكامل الأحداث كنتِ الكاتبة والمخرجة “والممثلة البطلة” لم أكن سوى كومبارس ولعبت دور الحبيب الفقير الضحي ..

خيانتك هي الأحداث الأقسى والسنوات الأكثر بؤساً بكل ما قرأته في التاريخ، تعلمتُ منك كيف يكون الخذلان، تعريف الانكسار الحقيقي، تذوقتُ طعم أغاني الغدر بشراهة وتجرعتُ كأس كل الذين سبقوني وشربوا منه، كأس الخيانة وكم من مرارةٍ وألمٍ فيه.

ما الذنبُ الذي اقترفتهُ لأعاقبَ بخيانتك؟

ذنبي الوحيد أني أحببتكِ، وبقدر ما أحببتك تحول هذا الحب إلى حقدٍ، أنتقمُ منك عن طريق الكتابة، سأكتب نصوصاً وسيلعنك كل من يقرأها، سأضع أبجدية الألم هنا سأبكيك وأندب روحي …

هل لك أن تتخيلي ما معنى أن يبكِى رجلٌ؟

عقلي أوشك على الانفجار وقلبي تشظى لنصفين نصف يريدك ونص يريد قتلك ..

الندم يأكلني، آتآكل من الداخل نادم على كل لحظة سعادة كانت معك ..

أنا شتاتٌ لا أقوى على أن ألملم نفسي، أنا النهاية الثكلى وأنت من شاركت في تأبيني، أنا تجرأت وأطلقت رصاصة في قلبي، ورأيتك تسقطين ومن بعدها التهمتني النيران ..

ومن يخمد تلك النار

التي اتقدت في قلبي ..

اشتعل هشيم روحي ..

انطفئي ساعة فقط …

ساعة واحدة فقط ..

أريد أن أنام …

2

يحدثُ في ساعةٍ ما ..

أن تغامرَ وتكتبَ قصيدة ..

أن تستنسخَ نصاً من رحيقِ اختيارها ..

لم أقلْ لكِ أن العسل الحقيقي لم يستخرجْ بعد ..

وهكذا لا زال مربي النحل يبحثُ عنكِ كل يوم …

تبدأ بالكتابة فيكسرك الشوق ..

لا المعنى …

عينها عشبٌ ربيعيٌ ..

وأنتَ الخريف المر في وطن لا ربيعَ لهُ ..

فلنمزق الورقة الأولى

إلى الثانيةِ إذن ..

غنِ لي شِعراً ..

وشَعرها سنابلُ قمح تطعمُ فقراء قلبكَ

إني أجوعكِ شوقاً كل يوم ..

مترنماً أعزف على أوتار العشق

حتى الورقة الثالثة

الأبجديةُ المنتهية

والضياعُ في العثور على معنىً حقيقي

ينصفها وحروف اسمها في الثالثة صباحاً ..

ودمعةُ حب تسقطُ من عينيكَ

تنبتُ بها شجرة زيتون خفيةً …

آهٍ ما أقسى حضوركِ في حضرةِ الغياب ..

وآهٍ … ما أبعدَ الوصول إليكِ وما أقربهُ …

وياليتكِ تعلمينَ أن كلّ هذا السواد الذي تملكني هو حضوركِ وغيابكِ معاً

 في آنٍ واحد .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى