اضطهاد المرأة في تراث أتباع الديانات

د. يوسف زيدان | الإسكندرية

باسم الدين، يجرد أتباع بعض الديانات المرأة ليحيلها إلى ثقب للبول والإنجاب، ألا يتصل هذا بدءا برجل لم يكن يحس بمشاعر المرأة لأنه افتقد لعنصر مهم في رجولته؟

لا، الأكثر من ذلك ثباتا هو أن الذي صاغ الموروث اليهودي في البداية قوم مأزومون، يكتبون كتابا مقدسا ثم يجمع نصوصه عزرا الكاتب في القرن الخامس قبل الميلاد في وقت كانت فيه الجماعة اليهودية ترى نفسها على هامش العالم في عشوائية من عشوائياته محاطة من جهة الشرق بالمجد السومري والبابلي ومن جهة الغرب بالمجد المصري القديم، وكلاهما حضارات تحتفي بالأنوثة .

 فالمعبودات المصرية القديمة تاسوع و طيبة تجد فيها ايزيس أو “ايسيت” ربة الأنوثة والتي تنطق قديما (الست)، ولذا يكره المصريون اللفظ العربي الشائع في وصف المرأة ( مرة) ويعتبرونه أهانة ما بعدها إهانة ، ويفضلون استخدام تعبير ( الست) الذي يتطابق لفظيا مع الوصف القديم .

المهم أنك تجد في (تاسوع طيبة) إلهات كثيرات،”حتحور” التي تتخذ شكلا مؤنثا، وما بين صيغة البقرة وصيغة اللبوة لدينا الاهة مؤنثة. للعدالة إلاهة مؤنثة وهي “ماعت”، كثيرات هن الإلاهات، وجوهر العبادة يتخلق حول “ايزيس” التي صورتها المسيحية ومازجت بينها وبين صورة مريم العذراء .

 فكلتاهما تلد من غير تماس ونكاح، فهي الأصل، الأنثى الواهبة المبدعة التي تأتي بالسائل المقدس وهو الدم، والسائل المحيي وهو الحليب، وكلاهما في الحقيقة يأتي من المرأة .

 ثم جاءت اليهودية ودنست المرأة بعين ما تقدست به قديما في الحضارتين المصرية والسومرية والبابلية على مدى الاف السنين، ثم استغرقت الازاحة التدريجية الهادئة لألوهية المرأة وقداستها قرابة ثلاثة الاف عام لنزعها من عرش القداسة وإحلال الرجل مكانها بسبب تغيرات اقتصادية وسياسية ولأسباب عسكرية لعبت دورا مؤثرا في صياغة حضارة وثقافات العالم فيما بعد.

في هذا الإطار ظهرت الديانات، فكانت اليهودية كارثة على الوعي الانساني لأنها شوهت الرموز السامية في الحضارات القديمة، وجعلت المرأة في الغالب كائنا نجسا.

المسيحية برهبانيتها المعروفة تعتبر المرأة طارئة على العبادة، نجسة في اغلب الأحيان وهي الخطيئة كلها، بل والشيطان الذي يغوي بالخطيئة، كيف هذا والسيدة العذراء هي جزء من إعجاز المسيح؟

لابد من الإشارة هنا إلى أن المسيحية كانت حلقة إصلاح لليهودية وليست امتدادا لها، ففي الوعي الكاثوليكي والأرثوذكسي جاء المسيح ليصحح مسار اليهودية ولكنه لا يغير الشريعة، بل يغير الايقاع اليومي، يعدل صيغة التدين، لكنه جاء متمما للشريعة اليهودية. وهو في ذلك يشابه صيغة الاسلام في أن نبي الاسلام إنما جاء ليتمم ما سبق .

 المهم، أن الديانات الثلاث التي أراها ديانة واحدة تقوم على أسس واحدة مع اختلاف نوعي هنا أو هناك؛ فالمسيحية لم تنظر من جديد لوضع المرأة إنما اخذت عن اليهودية التصور الأول، لذلك بالغت في إزاحة المرأة، ولو نظرت في نصوص الزواج في الاناجيل الأربعة التي اعتمدت بعد ثلاثة قرون من ظهور البشارة المسيحية الاولى، ستجد أن المرأة في وضعها الاجتماعي مساوية للعبيد، وأن الرجل هو السيد، لأن المسيح صار إلاها وتم استبعاد السيدة العذراء من المشهد التديني بعدما تم استلهامها من مصر القديمة، تم التمحور في التدين حول شخصية المسيح وليس العذراء.

اما الرهبانية فهي كالقبّالة في اليهودية والتصوف في الاسلام، فهي محاولة للتخلص من هيمنة هذه النظرة الكئيبة والناقصة والمشوهة للإنسانية، واحداث توازن على المستوى الروحي يلحق بطبيعة الحال بالتصورات المتعلقة بالمرأة .

 لذلك تجد الصوفية مثل محي الدين العربي يحتفون بالأنوثة ويجعلون الكون أنثى حسبما قال، الرهبانية لذا لا تنظر هذه النظرة المتمحورة حول الذكورة، وتجد ايضا في القبّالة اليهودية اتساع أفق يسمح بالنظر الى الإنسان كجوهر جامع بين المرأة والرجل.

هذه كانت محاولات لإحداث التوازن بالاستعانة بالروح في مواجهة الموروث الفقهي والعقائدي وفي مواجهة لحظة الانطلاق الاولى التي دونت فيها النصوص التوراتية التي أزرت بالمرأة إزراء لم يقم به كتاب آخر قدمته الإنسانية .

فالمرأة في أسفار التوراة هي المستعملة دوما من أجل الحصول على الخير وفي بداية سفر التكوين يقول إبراهام- وهو إبراهيم فيما بعد- يقول لامرأته ساراي- التي هي سارة فيما بعد: “يا ساراي أنت امرأة جميلة فقولي أنك أختي حتى يحصل لي خير بسببك” ويقدمها هدية للفرعون؛ ثم يعود ليفعل ذلك مع “أدينهاك” في ارض كنعان المسماة اليوم فلسطين، إذا المرأة الجميلة هي شيء للاستعمال. والمرأة المصرية في التوارة، هي التي تحتال بشكل فاجر لمضاجعة الولد العبراني أي النبي يوسف، وهو ما أشار إليه القرآن بعد ذلك بشكل مخفف جدا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى