عش حريتك في الحاضر
رؤية: ليانا تسانغاريدس
ترجمة وتنسيق: د. محمد السعيد أبو حلاوة أستاذ الصحة النفسية المشارك، كلية التربية، جامعة دمنهور
مهارات العلاج الجدلي ـ السلوكي يمكن لأي شخص استخدامها
أولاً- مقدمة:
العلاج الجدلي ـ السلوكي Dialectical Behavior Therapy (DBT) صيغة علاجات ضمن صيغ العلاجات المعاصرة القائمة على الدليل صاغتها في صورتها الأساسية مارشا إم لينهان في الثمانيات من القرن العشرين لعلاج اضطراب الشخصية البينية أو الحدية Borderline Personality Disorder(Linehan, 1993).
ويستخدم العلاج الجدلي ـ السلوكي في الآونة الحالية كأحد الاختيارات العلاجية في علاج عدد متنوع من الاضطرابات النفسية مثل: الاكتئاب، والاضطراب الوجداني ثنائي القطبة، وكرب ما بعد الصدمة، والاعتماد على المواد المخدرة، واضطرابات الأكل.
ثانيًا- ما المقصود بالعلاج الجدلي ـ السلوكي؟
العلاج الجدلي السلوكي مدخلاً أساسيًا مطورًا في إطار العلاج المعرفي السلوكي يركز على الجوانب النفس اجتماعية في عملية العلاج النفسي، ويولف في تركيبته بين ما يعرف بالتناقضات وفقًا لماهية فلسفة الجدل والتي تمثل حجر الزاوية في مركب التوازن بين “التقبل والتغير”.
ويتم من خلال العلاج الجدلي ـ السلوكي تعليم العملاء أربعة مجموعات متكاملة من المهارات التي تتوزع على أربعة مجالات أساسية تتمثل فيما يلي:
- اليقظة الذهنية أو العقلية “الوعي القصدي الآني mindfulness”.
- تنظيم الانفعالات والمشاعر ضبطًا وتفهمًا وتعبيرًاemotional regulation.
- تحمل المشقة أو الكربdistress tolerance.
- الفاعلية بين الشخصية interpersonal effectiveness.
وسواء كنت تعاني من متاعب أو مشكلات أو اضطرابات نفسية أم لا، يمكنك ويمكن لأي شخص الاستفادة من مهارات العلاج الجدلي ـ السلوكي الأساسية هذه؛ فمن خلال تضمينها في أسلوبك في الحياة تتعلم خفض متاعبك ومشاقك وتسطيع أن تدير انفعالاتك ومشاعرك؛ وبالتالي تحقيق مستوى أفضل من جودتك حياتك الشخصية.
ثالثًا- اليقظة العقلية Mindfulness:
يٌعْتىَّ باليقظة العقلية ذلك الانفتاح العقلي المفعم بالتركيز والوعي في اللحظة الحاضرة، وتتضمن بنية اليقظة العقلية وفقًا للما هو مستقر في أدبيات المجال ما يعرف بمتلازمة = لاحظ × صف × اشترك واندمج بصورة كاملة في اللحظة الحاضرة. ويتم عادة تعليم مهارات هذه التركيبة باستراتيجيات وفنيات عديد منها التركيز على الإحساسات الجسمانية، وملاحظة وقائع وخبرات وأحداث الحياة بصورة فورية ومباشرة والتفكير التأملي فيها بتقبل ودون إسقاط أحكام عليها، بغض النظر عن كون هذه الخبرات النفسية الداخلية أو وقائع وأحداث الحياة الحاضرة إيجابية أم سلبية.
ومع ذلك يبقى السؤال المثال: كيف يمكنك ممارسة اليقظة العقلية؟ واقع الحال أنه عندما يركز الشخص تركيزه في موضوعات ما يميل إلى التوقف عن ما يقلقه وما يخيفه وما يثير متاعبه وربما تقفز هذه القائمة إلى وعيه بصورة آلية الأمر الذي يناقض دلالات اليقظة العقلية كما يؤخذ بها في أدبيات المجال إذ أن اليقظة العقلية تجسيد لحالة من امتلاء عقل الإنسان بالوعي بوقائع وأحداث الوجود على مستويين:
- مستوى خبراته النفسية الذاتية الداخلية سرورًا أو كدرًا كما يؤشر إليها بالإحساسات الجسمانية.
- مستوى وقائع وخبرات وأحداث الحياة إيجابية أم سلبية من حوله في سياقه مواقف تفاعلاته الحالة الكائنة هنا والآن.
بتوجه نحو وصفها وتفهمها وتفسيرها بتقبل ودون رفض بل بإقرار بوجودها كوقائع حالة بالفعل؛ وبالتالي التوقف عن تقييمها نقديًا أو إسقاط أحكامًا عليها.
ويستهدف في تعليم مهارات اليقظة العقلية في نفس الوقت بعد عنصر التقبل تعليم الإنسان الرحمة بذاته والشفقة بها، وتجنب إسقاط الأحكام التقييمة النقدية عليها، وتقبل فكرة أن القصور جزء من الطبيعة البشرية؛ وبالتالي جزء من الذات.
رابعًا- الأنشطة السارة أو المبهجة Pleasant Activities:
يعاني كثير منا من مشكلات في التوافق خلال يومنا ربما منذ أن نستيقظ إلى أن ننام مرة ثانية، وربما يصح عزو مثل هذه المشكلات في جزءٍ أساسٍ منها على الأقل إلى عدم قدرتنا على رؤية جوانب البهجة والسرور في الأشياء من حولنا أو فيما نقوم به من أعمال أو فيما نتعرض له من مواجهات وأحداث.
والمثير للاستغراب أننا نقضى وقتًا طويلاً في واقع الأمر في التركيز على إصلاح ما هو خطأ وتصويب جوانب القصور، وواقع الحال أن المقولة الأكثر قيمة في هذا الصدد أنه “إذا لم تنكسر، فلن تكون في حاجة إلى إصلاح”؛ ومن هنا يأتي السؤال كيف لا يكسر الإنسان ذاته في الحياة؟.
الأمر ربما الأكثر قبولاً وروعة في هذا الإطار أن نتوجه بكامل منظومات شخصتنا إلى ليس فقط خفض سلوكياتنا وتصويب اتجاهاتنا غير السوية، بل إلى تعزيز وتزويد السلوكيات والاتجاهات الإيجابية للتمكن من تحقيق جودة حياة فعلية يتوافر فيها مؤشرات الهناء والاستمتاع.
وفيما يلي مجموعة الأنشطة المقترحة التي يمكن بها تأسيس حالة الارتياح والبهجة في الحياة:
- الاندماج في أنشطة ممتعة ومبهجة على نحو يومي، ولا ريب في أن تمتع الشخص بالانفتاح العقلي والوعي الآني العمدي بما يوجد في محيطه من أشياء ممتعة يزيد من راحته وسعادته.
- اجتهد بمثابرة وتصميم في تحقيق أهداف نوعية محددة وبسيطة كل أسبوع، فمن المشكلات التي غالبًا ما نعاني منها الحيرة والتردد والارتباك المصاحب لشعورنا بأننا لم نحقق شيئًا خاصة في حالة التمسك بالأهداف الكبرى طويلة الأجل، وربما من المطلوب أن نضع بدلاً من ذلك قائمة بالخطوات الإجرائية النوعية التي يمكن بمقتضاها تحقيق هدف محدد جيد التعريف وواضح الملامح، ومن ثم الاندفاع الإرادي الواعي باتجاه تحقيقه.
- انتبه للعلاقات في حياتك على نطاق واسع وعميق باستثمارها في تحسين صحتك النفسية.
- انفتح وركز بوعي على الخبرات الإيجابية في حياتك. وأعرب عن الامتنان لكل النعم والمنح التي تلقيها عليك الحياة على نحو يومي، وقد يتم هذا الأمر عن طريق تدريب ذاتك على تخصيص جزء من الليل للتركيز على كل ما كان حسنًا وجيدًا خلال يومك، على كل ما أدخل على قلبك السرور والسعادة، واعلم أن الاعتراف بالأحداث الجيدة والحسنة يفضي إلى زيادة جاذبتك للطاقة الإيجابية في حياتك.
خامسًا- التقبل الراديكالي Radical Acceptance:
من البدائل التي يجب أن يمتلكها الإنسان في التعامل مع أي مشكلة “التقبل التام أو الراديكالي ” (Linehan, 1993). ويفهم التقبل الراديكالي على أنه توجه الشخص نحو قبول الحياة بما هي عليه دون محاولة تغيير ما هو خارج نطاق قدرته على تغييره.
ويجدر الإشارة إلى أن حالة الشجار والعراك الصراعي الدائم مع الواقع أو تجنب مواجهته أمرًا ينتج في كلتا الحالتين مضاعفة في الألم والمعاناة، تخيل أنك واقف لمدة طويلة في إشارة المرور وأنت متأخر عن عملك ولا تملك ما تفعله لتغيير هذا الواقع
أنت هنا أمام عدة بدائل:
- أن تغضب وتصرخ وتلعن وتقسم بالويل والثبور وعظائم الأمور إلى أن تجد نفسك في نهاية الأمر في حالة من الانهيار والبؤس والتأزم طوال اليوم.
- أن تستخدم هذا الوقت ربما في رعاية ذاتك، ممارسة تدريبات الاسترخاء وتحسين دورة التنفس، تقبل فكرة أنك لا حول لك ولا قوة ولا تملك تغيير إشارة المرور، أو تتصل وتعتذر عن احتمالية تأخرك عن موعدك وربما تقبل ما يمكن أن يحدث لك بعد ذلك عند وصولك للعمل.
المصدر: