الروائية والقاصة منصورة عز الدين والإعلامي صبري الموجي (وجها لوجه)
هي قاصة وروائية من طراز فريد، استطاعت من خلال القصة والرواية أن تُعبر عن ذاتها الثائرة، شغفتْ بالكتابة منذ نعومة أظفارها، ومزجت فيما تكتب بين الواقع والخيال، العقل الذي يبلغ ذروة الكمال، والجنون الكاشف عن روح متمردة، عن جَدتها ووالدتها تعلمت الحكي بأسلوب مشوق، أكسب أعمالها ثقلا مكنها من حصد الجوائز، تمتلك موروثا شعبيا استقته من كتاب “ألف ليلة وليلة” والتراث الصوفي، وظفته في التعبير عن واقعنا المعيش.
تنوعت أعمالُها بين القصة والرواية، وألمَّت بمهارات اللونين الأدبيين، فصنفت عدة قصص وروايات أهمها ” ضوء مُهتز”، و”متاهة مريم”، و”وراء الفردوس التي تُرجمت إلي الألمانية والإيطالية، و”جبل الزمرد” التي تُرجمت إلي الفرنسية، و”مأوي الغياب”.
حصدت العديد من الجوائز كان آخرها جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها التاسعة عشرة والتي يُقدمها (المركز العربي للأدب الجغرافي- ارتياد الآفاق) في أبو ظبي ولندن لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة فرع (الرحلة المعاصرة) عن “خطوات في شنجهاي- في معنى المسافة بين القاهرة وبكين”.. هي الروائية والقاصة منصورة عز الدين التي كان معها هذا الحوار.
س:// في ظل ما يُعانيه العالم أجمع من عزلة وحبس بسبب فيروس كورونا يأتي فوزك بجائزة ابن بطوطة عن “خطوات في شنجهاي”، فهل كانت تلك الرحلة حقيقية أم مُتخيلة؟
الإجابة: الرحلة حقيقية، وللدقة هما رحلتان الأولى كانت إلى شنغهاي في خريف 2018، حيث قضيت شهري سبتمبر وأكتوبر في إقامة أدبية بالمدينة بدعوة من اتحاد كتاب شنغهاي والمركز الثقافي الصيني بالقاهرة، وذلك ضمن برنامج شنغهاي الدولي للكتابة، والرحلة الثانية كانت في نوفمبر 2019 إلى مدينتي بكين وجوهاي بدعوة من مركز مو يان الدولي للكتابة الإبداعية، وهذه الرحلة كانت لأيام، لكنها ذات تأثير كبير لأنها أرتني وجوهًا أخرى للصين، ولمست من خلالها أن هذا البلد أقرب إلى قارة هائلة تتنوع فيها الجغرافيا والمُناخات والقوميات.
وعلى هذا، فكتابي عن أكثر من مدينة صينية، لكن شنغهاي هي مركز هذه المدن والمرآة التي تنعكس عليها صور غيرها من أماكن وفضاءات.
س:// وبرأي لجنة التحكيم ما سبب فوز ذلك العمل بجائزة ابن بطوطة؟
الإجابة: لجنة التحكيم هي الأقدر على الإجابة عن هذا السؤال، لكن من بين ما ورد في الحيثيات المُعلنة للفوز بالجائزة ما يلي:
“أعرف أن هناك مدنًا تقهر المخيلة، تستنزفها وتحوِّلها إلى خرقة، ومدنًا أخرى تثريها وتشحذها لدرجة تحيلها إلى سيفٍ مسنون.” بهذه الكلمات تفتتح الكاتبة يوميات رحلتها من مصر إلى شنغهاي، وهي يومياتٌ تنزع إلى التعبير عن هموم الذات الكاتبة، فنحن هنا بإزاء كاتبة تدون أخبار ووقائع جولاتها الصينية خلال رحلة إقامة أدبية، ومن ثم فإن اهتمامات الكاتبة وأخبار إقامتتها الأدبية وحركتها اليومية في مدار ثقافي وفضاء أدبي، إنما تقف غالباً وراء ما رأته عينها وما دونته من مشاهداتها خلال الرحلة سفراً وإقامةً وتجوالاً.
إنها رحلة ثقافية، ستتردد بين سطورها أسماء كاتبات وكتّاب صينيين ومن العالم، ولسوف نشعر أننا نسافر مع الكاتبة وهمومها، أكثر مما نسافر لنتعرف على المدن والقرى والبلدات، أو على الوجوه والملابس وألوان الطعام، أو على المواصلات والمباني والمتنزهات، أو على العادات والتقاليد والأخلاق، أو الميول التي تطبع الصينيين من أهل الجهات التي حلت الكاتبة بين ظهرانيهم.
سنتعرف على انفعال بالمكان لربما كان سبباً في مطلع فصل روائي ستكتبه الكاتبة، أو نقف على منظر من شرفة في فندق يذكّر الكاتبة بفندق في بلد آخر سبق أن حلت فيه، وكان ما رأته هناك في ساعة من الزمن، وترك فيها انطباعاً مؤثراً سبباً في مُفتتح رواية سبق للكاتبة أن دونته، وها هي الآن في أعماق آسيا تستعيد ذكرى ذلك المكان الأوروبي بحنين الكاتبة إلى كتابتها.”
س://وبمن تأثرت منصورة عزالدين من كتاب أدب الرحلات سواء من القدماء أو المحدثين؟
الإجابة: أحبُ قراءة أعمال الرحالة والجغرافيين القدامى، ومن المعاصرين أنجذب أكثر لمن يكتبون رحلاتهم ورؤيتهم للأماكن بمزاج الروائيين، لأن هذا هو أسلوبي في كتابة أدب الرحلات؛ إذ أفضِّل أن أرى الأماكن التي أزورها بعين الروائية باحثةً فيها عن مصادر الإلهام وعن الخفي والمتواري في تاريخها وسرديتها الخاصة، أنظر إلى كل مدن جديدة أخطو فيها كرواية أو قصة تنتظر مني قراءتها أولًا، ثم إعادة ابتكارها أو كتابة روايتي الخاصة جدًا والشخصية عنها.
س:// حمل لكِ هذا العام أيضًا صدور روايتك الخامسة “بساتين البصرة” عن دار الشروق، وهي الرواية التي كتبتيها خلال وجودك في شنغهاي، هل هناك صلة ما بينها وبين “خطوات في شنغهاي”؟
الإجابة: نعم، “بساتين البصرة” كُتِبَت هناك، ويوجد في كِتاب “خطوات في شنغهاي” إشارات إلى بعض تفاصيل كتابتي لها، وبرنامجي اليومي في الكتابة، لقد كانت هذه المدينة سخية معي ومُلهمة لي جدًا في ما يخص الكتابة؛ أنجزت فيها كتابات كثيرة لأنني كنت مُتفرغة تمامًا للكتابة؛ كنت بعيدة عن مواقع السوشيال ميديا وكل عوامل التشتيت الأخرى، وباستثناء الجولات في المدينة وبعض الندوات والفعاليات التي نظمها لنا اتحاد كتاب شنغهاي، لم أكن مشغولة سوى بالانتهاء من “بساتين البصرة” وبتدوين يومياتي ومشاهداتي في المدينة.
س:// وهل تُعد رواية وراء الفردوس إشارة من طرف خفي لحياتك، بمعني أنها من أدب السيرة الذاتية، أم أنها عمل إبداعي مُتخيل؟
الإجابة: “وراء الفردوس” ليست رواية سيرة ذاتية مثلها في هذا مثل رواياتي الأخرى هي عمل إبداعي مُتخيل، وإن كانت أجواؤها مُستلهمة من ريف الدلتا حيث وُلِدت وعشت حتى سن الثامنة عشرة، قبل الانتقال إلى القاهرة للدراسة ثم العمل في الصحافة، كل شخصيات العمل مُتخيلة ولا أساس لها في الواقع، لكن في الرواية الروح المألوفة للقرية المصرية خاصة في عقد الثمانينيات.
س:// تشتبك روايتك “جبل الزمرد”، التي نالت جائزة أفضل رواية عربية من معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2014، مع “ألف ليلة وليلة”، ما سبب هذا الاشتباك؟ ولماذا رغبتِ في الاقتراب إبداعيًا من هذا العمل الكبير؟
الإجابة: أنا من محبي “ألف ليلة وليلة”، وأرى أنها أحد أهم الأعمال الإبداعية في التراث الإنساني كله، وليس في التراث العربي فقط، أحب فيها هذا التمازج الثقافي الفريد بين أكثر من حضارة شرقية، وانفتاحها على الآخرين، كما يُعجبني تركيبها وتعدد طبقات الحكي وأساليبه فيها، باختصار، أراها عملًا مُلهمًا جدًا، وكثير من حواديتنا الشعبية نابع منه ويصب فيه، وكل هذا حمسني للاقتراب منها واللعب معها في نص يخصني ومكتوب بشروطي وانطلاقًا من رؤيتي الفنية.
س:// كثرة الجوائز التي حصدتيها ووصول كثير من أعمالك للقوائم النهائية لجوائز مهمة ألا يسبب لك حالة من القلق بخصوص أعمالك القادمة، مخافة أن تقل في مستواها الإبداعي.. وما هي أحب تلك الجوائز إلي قلبك.. والجائزة التي يرنو إليها نظرك؟
الإجابة: الحقيقة أنني أحاول جاهدة نسيان أي جائزة بمجرد حصولي عليها، والتعامل مع نفسي كأنني أبدأ من جديد، كما لو كان كل عمل أبدأ في كتابته هو عملي الأول، وأحتاج للانتهاء منه إلى شحذ أقصى ما أستطيع من أدوات وإمكانات وتركيز، أفعل هذا لأن الانشغال بأي شيء خارج الكتابة نفسها مُضر ومُعطل، أسعد طبعًا بالجوائز والتكريم والترجمة، لكن مواصلة الكتابة والسعي للتجديد والتجريب فيها هدفي الأساسي، لذا يمكنني قول إن الكتابة نفسها هي جائزتي الأهم.
س:// نتاجك القصصي والروائي عديد في فترة زمنية وجيزة فهل لك منهج في الإبداع والتأليف تسيرين عليه أسعفك في إنجاز ذلك الكم الذي سار جنبًا إلي جنب مع الكيف؟
الإجابة: الكتابة هي محور حياتي، أفكر ككاتبة طوال الوقت؛ كل ما يقابلني من مواقف وأحداث ومشاهدات أنظر إليه كمصدر للإلهام؛ أكتب كل يوم تقريبًا وأتجنب كل ما قد يعوقني عن التركيز في عوالمي الكتابية.
س:/// في “أخيلة الظل” و” متاهة مريم”، يلمح القارئ زخما من الخيال والعوالم الخفية ما السر في ذلك، وألا يُعد ذلك بُعدا عن الواقعية؟
الإجابة: في أعمالي يتسع مفهوم الواقع ليشمل الأحلام والهواجس وحتى الهلاوس؛ تلك الأشياء هي جزء منا ومن وعينا بالعالم. لست مع حصر الواقع في الأشياء التي نراها بأعيننا ونلمسها بأيدينا فقط، ثم إن الفن يحتاج إلى الحرية وعدم التقيد بمفاهيم ومحددات نهائية، الخيال الجامح بالنسبة لي أساسي في الفن والإبداع، وتراثنا الديني والثقافي حافلٌ بهذا النوع من الخيال.