إسرائيل وجرائم الإبادة

نهاد أبو غوش | فلسطين

تحب إسرائيل أن تحتكر صورة الضحية، ضحية الإبادة الجماعية والمحرقة، وهذا عنصر رئيسي من العناصر الفكر العنصري الصهيوني الذي ينظر لليهود باعتبارهم “شعبا” فريدا متفردا، سواء في خصائص الذكاء والنباهة التي يتمتع بها، أو بسبب كراهيته من قبل الشعوب الأخرى واستحالة اندماج اليهود وسط غيرهم من الشعوب والأعراق، وينسسحب ذلك حتى على جرائم الإبادة والتطهير العرقي ولذلك فهي تسعى للتقليل والتخفيف من أية جريمة إبادة أخرى جرت في التاريخ القديم أو الحديث، وينطبق ذلك على جرائم افبادة الأرمنية، أو رواندا وبوروندو، وبشكل خاص على جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي طالت الشعب الفلسطيني ومهدت لقيام دولة إسرائيل.

الهدف الذي تسعى من ورائه اسرائيل لاخفاء معلومات تتعلق بجرائم حرب ارتكبت خلال النكبة الفلسطينية في العام 1948م وفرض تعتيم عليها؟ وعلى ماذا يدل ذلك؟

الصراع بين الشعب الفلسطيني والمشروع الصهيوني ما زال مستمرا ومحتدما، بل هو كل يوم يتخذ أشكالا جديدة وساحات جديدة مثل حركة المقاطعة الدولية التي يرمز لها بحروف ( BDS) وتعني ثلاثية المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، هذا الصراع يدور على الأرض من خلال المقاومة والنضال الجماهيري والمعارك شبه اليومية ضد الاستيطان، كذلك تدور في محافل دولية متعددة مثل مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، والمحكمة الجنائية الدولية، احد عناوين الصراع الرئيسية هو الصراع على الرواية، حيث تحاول إسرائيل تسويق رواية اسطورية خرافية عن عودة “الشعب اليهودي” إلى وطن آبائه واجداده بعد ألفي عام من النفي، بينما الشعب الفلسطيني يرى أن المشروع الصهيوني ودولة إسرائيل مشروع استعماري استيطاني مرتبط بصراعات النفوذ بين القوى الاستعمارية الرئيسية ومحاولة هذه القوى إيجاد موطىء قدم لها في منطقتنا، وضمن روايتها، تدعي إسرائيل أن الفلسطينيين غادروا وطنهم طوعا وبتشجيع من قياداتهم، بينما كل الشواهد التاريخية تؤكد وقوع عشرات المجازر الجماعية وجرائم الإبادة، حتى أن بعض ابرز الباحثين الإسرائيليين اليهود اكدوا أن ما جرى هو عملية تطهير عرقي منظمة نفذتها العصابات الصهيونية المسلحة بدعم وتواطؤ المستعمر البريطاني. والآن اي إقرار من قبل دولة إسرائيل بهذه الحقائق يعني بطلان روايتها كاملة ومسؤوليتها التاريخية والقانونية والأخلاقية عن تعويض الضحايا ورفع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني.

فهل تتحمل السلطة الفلسطينية الان مسئولية مضاعفة في عدم تحريك ملف جرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين امام محكمة الجنايات الدولية؟

السلطة الفلسطينية هي جهاز خدمي تنفيذي وهي أداة بيد القيادة الفلسطينية (قيادة منظمة التحرير) رغم تداخل الأدوار وتنافرها وتطابقها أحيانا، بلا شك القيادة الفلسطينية تتحمل مسؤولية إدارة كل جوانب المعركة بما في ذلك الجانب القانوني وتحريك دعاوى أمام المحكمة الجنائية الدولية، لا شك أن هذا الموضوع ليس مجرد موضوع حقوقي بل هو أيضا موضوع سياسي، لأن إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة هددتا، وفرضتا عمليا عقوبات متعددة على الشعب الفلسطيني وقيادته بسبب العضوية في ميثاق روما والمحكمة الجنائية أولا، ثم بسبب إعداد ملفات أو التلويح بتحريك دعاوى، هنا علينا أن نلاحظ أن التعامل مع المحكمة يتم بطريقتين هما الإشعار الذي لا يازم المحكمة بالتحرك وانا يكون الأمر متروكا لتقديراتها، والطريقة الثانية هي تحريك الدعوى وهذه لها شروطها القانونية والفنية، هناك مؤسسات مجتمع مدني وحقوق إنسان ايضا تحركت بهذا الاتجاه، ومن بينها كما أعرف نقابة الصحفيين الفلسطينيين مدعومة من اتحاد الصحفيين العرب والاتحاد الدولي للصحفيين، في جميع الأحوال علينا أن نلحظ أن التوجه للمحكمة الجنائية يلزمه إرادة وشجاعة سياسية، وعدم التعلق بالأوهام والسراب عن إمكانيات الوساطة الأميركية لتحقيق الحقوق الفلسطينية.

إذن ما هو المطلوب فلسطينيا للضغط على الاحتلال للاعتراف بجرائمه ومحاسبته عليها؟

أهم ما هو مطلوب التوحد على استراتيجية وطنية موحدة ترى أن النضال السياسي والقانوني والجماهيري والدبلوماسي وحتى المسلح كلها اشكال نضال متكاملة تسند بعضها بعضا وليس بالضرورة أن تتناقض أو تتعارض، يمكن لنا أن نرفع دعوى على مجرمي الحرب ونواصل النضال السياسي والجماهيري في الوقت نفسه، الفيتناميون فاوضوا المستعمر من دون ان يلقوا السلاح، ويستطيع الفلسطينيون أن يفعلوا ذلك بل أن يوسعوا نضالهم ليشمل كل ساحات الدنيا.

وكيف يمكن النظر لمطالبة الرئيس عباس سابقا خلال مؤتمر القمة العربية في نواكشوط بإعداد ملف قانوني لرفع قضية ضد الحكومة البريطانية لإعلانها وعد بلفور؟ ولماذا لم يتم تفعيل هذا الطلب؟

هناك جانب دعاوي يطالب بريطانيا بصورة أخلاقية بجبر الضرر وتعويض الشعب الفلسطيني عما لحق به من إجحاف، أظن أن لا حياة لمن تنادي بالنسبة لهذا الطلب وهذه الطريقة التي هي اشبه بالاستجداء، هناك أوساط في بريطانيا تصغي لمطالبنا وتتفهمها لكن هذه الأوساط لقيت هزيمة منكرة بخروج القطب العمالي جيرمي كوربين من حزب العمال البريطاني، الآن هناك تيارات شابة في الحزب تحاول أن تنصف فلسطين كما جرى في مؤتمر حزب العمال الأخير. للأسف بريطانيا من اكثر الدول تبعية والتحاقا ذيليا بالسياسات الأميركية ليس في منطقتنا فحسب بل تجاه كل الأجندات العالمية الساخنة، ما يمكن ان يغير الموقف البريطاني هو فعل نضالي تراكمي يبدأ بموقف فلسطيني موحد يستند إلى حقائق نضالية فعلية على الأرض (وليس مجرد دعاوية وإعلامية) ويجند أنصارا على امتداد العالم للنضال ضد الاحتلال والعنصرية والابارتهايد، وإظهار إسرائيل على حقيقتها كما هي: دولة مارقة وخطر على الأمن والاستقرار الدوليين، وهي تبني نظام تمييز عنصري جديد، وتخالف القوانين الدولية، وترتكب جرائم حرب.

لماذا تصر بريطانيا حتى اليوم على رفض الاعتذار للشعب الفلسطيني عن وعد بلفور؟ وهل السلطة الفلسطينية بحاجة الي ممارسة مزيد من الضغوط الدولية عليها لدفعها للتنازل في ما يتعلق بهذه القضية؟

رفض الاعتذار ليس مجرد مسألة أدبية وأخلاقية، بل هي مسؤوليات وتبعات سياسية، وما دامت بريطانيا ملتحقة بسياسات الولايات المتحدة وأكثر قربا من أجندات واشنطن منها لاهتمامات القارة الأوروبية، فهي غير معنية بتصفية إرثها الاستعماري . على العكس، بريطانيا الآن هي جزء من تحالف استعماري تقوده الولايات المتحدة وتلعب فيه إسرائيل دورا محوريا.

القضية الفلسطينية هي قضية تحرر وعدالة والشعب الفلسطيني معني دائما باستقطاب انصار جدد ، وفي بريطانيا يوجد أصدقاء للشعب الفلسطيني مهمون وفاعلون، وهم يؤمنون بعدالة قضيته وحقوقه المشروعة، من هؤلاء مثلا جمهورية ايرلندا التي هي جزء من الجزر البريطانية ومواقفها من اكثر الدول تأييدا للحقوق الفلسطينية، كما أن هناك قوى واوساط عريضة مؤيدة للفلسطينيين وخاصة في الأوساط الأكاديمية والثقافية، والنقابية العمالية والمهنية وكذلك في مناطق اسكتلندا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى