تأمّلات في ديوان ” ما تبقّى من صحف الوجد ” للشاعر العُماني سعيد الصقلاوي (2)

د. محمد قاسم بن ناصر بو حجَّام | أكاديمي جزائري

الصورة الشعرية في ديوان ” ما تبقّى من صحف الوجد ”

إنّ التّصوير والإبداع فيه هو الذي يعطي الصّفة ” الشّعريّة ” لمن يكتب بجنس الشّعر. أي إنّ ” عبقريّة الشّاعر الإبداعيّة تقاس وتعرف بمدى قدرته على التّصوير الجميل الدّقيق، الذي يقودنا إلى عالمه الدّاخلي؛ إذ الصّورة الشّعريّة وسيلة الشّاعر المهمّة والرّئيسة في نقل عواطفه ومشاعره وفكره وآماله وآلامه إلينا”

تمثّل الصّورة حوارا ذاتيًا بين المبدع والواقع، الذي يكشف عن طبيعة المواقف التي تثيرها التّجربة في حياة المبدع تعبيرًا عن أنّ: ” ذات الشّاعر تتحقّق موضوعيًّا في الصّورة أكثر ممّا تتحقّق في أيّ عنصر من عناصر البناء الشّعري” (1)

يعني هذا أنّ التّصوير هو أساس العمليّة الشّعريّة، وأنّ البناء الشّعري هو حوار يجريه الفنّان مع الواقع الذي يريد تصويره أو تقديمه للمتلقّي، الذي يقرأ فيه ذات المبدع: عواطفَه وخواطرَه وحقيقةَ ما يراه ويتبنّاه، أي إنّ المتلقّي يمرّ إلى الواقع عن طريق نفس الشّاعر، الذي إذا أراد أن يبلغ مراده ويستكنه الواقع ويدعوه لكي يسلم نفسه له.. عليه أن يظهره بما يوحي بالحوار غير المعلن الذي يجريه، في هذه العمليّة أو في هذا المظهر الحواري يبرز الخيال وينتصب ليقوم بدور كبير في التّصوير.

في قصيدة “انبجاس”  لسعيد الصّقلاوي نحسّ بهذا التّصوير، الذي يوحي بأنّ الشّاعر يدير حوارًا مع واقع عاشه، ولّد فيه انفعالات، خرجت من ثنايا هذا الحوار على شكل انبجاس، تفجّر من قلبه ليعلن عن مشاعره للمتلقّي..

اختيار عنوان القصيدة “انبجاس” يحمل مسحة وجدانيّة، تجذب القارئ كي يتابع الشّاعر في كلمات القصيدة ونسيجها ليعرف ماذا ينبجس من العواطف والمشاعر التي تموج في داخل قلبه.. هذا الحوار غير المعلن الذي يكتشفه المتلقّي هو نوع من التّصوير الشّعري لما يشعر به المبدع. يقول الشّاعر:

 بَـجسْتَ مِنْ حَجرٍ

        نَهرَ المحبّات

فما لقلبكَ

       مشتولاً بِكرباتِ

وما لوقتكَ

                 لا يزهو بزهوتهِ

                 وما لعينِكَ

لا ترنو إلى الآتِي

يمارس الزّمن المغرورُ

              لعبته فينا

ويتركنا

نهب التباسات

وتنتشي أعينٌ فيه بلحظاتِ

فهل ترى النّفسَ

تجني وردَ لحظات (2)

ألا تذكّرنا أو ترتدّ بها التّركيبة: ” بجسْتَ مِنْ حَجرٍ نَهرَ المحبّات”  إلى قوله تعالى: ) وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأوْحَيْنَا إلَى موسَى إِذِ اسْتَسْقاهُ  قَومُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الـحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عليْهِمُ الغَمامَ  وَأَنْزَلْنَا عليْهِمُ الـمَنَّ والسّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا رزَقْناكُمْ وَما ظَلَمونَا وَلَكِنْ كَانُوا أنْفُسَهُمْ يَظْلِمونَ( (الأعراف/ 160).

إنّ الله U  أوحى إلى موسى عليه السّلام بعد طلب قومه له الاستسقاء أن يضرب الحجر ليوجد لهم الماء، ففعل فوجد كلّ فرد مشربه.. كذلك أوحى الشّعر إلى الصّقلاوي أن يستوحي التّركيبة القرآنيّة ليطلب من مخاطَبيه مبيّنا لهم  أنْ لا يأس من الحياة، فالأمل موجود والظّفر بالرّغبات ممكن، فكما انبجس الماء لموسى عليه السّلام من الحجر بعد أمر الله تعالى له بضربه، كذلك يمكن أن ينبجس المرغوب فيه بعد الضرب على آفة اليأس، والانطلاق بروح تفاؤليّة مؤمّلة في الخير..

هل يكون شاعرنا قد مرّ بلحظات عسيرة، أو غير عادية، كوّنت في قلبه مشاعر خاصّة قد تكون متأزّمة،  فكتب يناجي ويخاطب ويناشد؟.. فكان هذا التّصوير الذي بناه من الحوار مع الواقع الذي يعيشه.

ما زاد في كثافة التّصوير انتقاء كلمات موحية، ومُومِئَةٍ إلى حاله (مشتولا بكربات، يمارس لعبته فينا، نهب التباسات، الزّمن المغرور…) هذه الكلمات المتجاورة نقلت وصوّرت معاناة الشّاعر في الواقع الذي يعيشه..

كما أنّ صيغة النّفي المقرونة بالاستفهام الذي يحمل صفة اللّوم والشّكوى والرّجاء في آن واحد..زادت في وتيرة التّصوير للوجد الذي سكن قلب الشّاعر: (فما لقلبكَ، وما لوقتكَ لا يزهو بزهوتهِ، وما لعينِكَ لا ترنو إلى الآتِي، فهل ترى النّفسَ تجني وردَ لحظات..)

اعتمد النّصّ على المجاز الموحي وابتعد عن اللّغة المباشرة، فكانت هذه الصّور البديعة المعبّرة النّاقلة للمشاعر بأسلوب مؤثّر في المتلقّي. هذا هو التّصوير وهذا هو الشّعر..(الوقت يزهو، الزّمن المغرور يمارس اللّعبة..).

ختم الشّاعر النّصّ القصير برجاء: ” وتنتشي أعينٌ فيه بلحظاتِ.. فهل ترى النّفسَ.. تجني وردَ لحظات”

تكوّنت الصّورة أو بناها الشّاعر من المقابلة بين ” لحظات” الدّالة على الزّمن، و”لحظات” الدّالة على الحركة. وهي النّظرات.. هذه النّظرات تحمل صفة الثّمرات والقطوف، رمز لها الشّاعر أو أشار إليها بورد، كما أنّ هذا الورد يحمل صفة التّفاؤل والأمل والخير.. فاجتمع في بناء هذه الصّورة التّكثيف والإيحاء والرّمز والتّجنيس ..

هذه كلّها من مكوّنات الصّورة النّاجحة.. إنّ ما يتطلّع إليه الشّاعر الحديث في الصّورة هو ثلاثة أشياء: جديتها وتكثيفها وقدرتها الإيحائيّة، “(3). فهذه العناصر بدت في هذا النّصّ بشكل واضح؛ لذا كانت صوره مقبولة؛ بالاحتكام إلى الخصائص التي توفّرت فيها أو لها، في مجموعها، فتمكّنت من تقديم  تصوير جيّدر للمتلقّي.

يقول س. داي لويس: ” الصّورة رسم قوامه الكلمات” (4) هذا التّعريف يعطي الأهميّة أو يلفت النّظر إلى الجانب البصري في الصّورة، أو يوجّه النّظر إلى ما تلتقطه الحواس وتقدّمه للمتلقّي. نحن لا نناقش هذا المفهوم الذي رأى فيه بعض الدّارسين سذاجة (5)، ما يهمّنا هو إيجاد نماذج من هذا النّمط في شعر الصّقلاوي..

في قصيدة ” حطام ”  يقول الشّاعر:

فحيثُ نَظرْتَ

في أيّ اتّجاهٍ

حطامُ

فوقَ ساحتهِ حُطامُ

ولكن يُـمْطِرُ الرّحمن رُحمَى

فيزهرُ في

أضالعنا الوئامُ

ويشدُو الحرفُ

بالحبِّ ابتهاجًا

ورغمَ الصّمتِ

ينتفض الكلامُ (6)

اعتمد الشّاعر سعيد الصّقلاوي في هذه اللّوحة الفنيّة على الكلمة، بنى بها صوره أو تصويره لفكرة أراد أن ينشرها في النّاس.. فحواها زرع المحبّة والوئام بين البشر، انطلاقًا من عدم الاستسلام للواقع الذي قد يكون أو يبدو حطامًا؛ يبابًا، خرابًا.. فالخير هو ما يجب أن يسود بين النّاس، والتّفاؤل به يجب أن يكون منهجهم في الحياة، والعمل على إيجاده – مهما تكن الظّروف والأحوال – هو ما ينبغي القيام به من كلّ النّاس.

من باب تحصيل الحاصل فإنّ التّراكيب تبنى من الكلمات، ومنها ينسج نصّ أدبي.. إنّ ما نعنيه من الإشارة إلى بناء الشّاعر صور هذا النّصّ من الكلمات، هو الصّفات أو الخصائص أو الانتقاءات التي اختارها في بناء صوره، والمتوفّرة في كلمات معيّنة مختارة وأوردها في سياق خاصّ، بدراية وعناية وكفاية فنيّة..

(3)اختار كلمات بينها تقابل ليبرز الفكرة التي يرغب في إيصالها للمتلقّي: (ورغمَ الصّمتِ ينتفض الكلامُ) بين الصّمت والكلام تتحرّك لفظة ينتفض. لتوحي بقلب الفعل السّلبي إلى فعل إيجابي. (بين حطام ويزهر) تقابل يحوّل الأمر من ضرّ إلى خير.. ومن عدم إلى وجود..

(2)في التّركيبات الآتية تتحرّك الحروف لتغيّر من حال العسر إلى حال اليسر، أو تتفاءل بانقلاب الغمّ والحزن ابتهاجًا وفرحًا..: (ولكن يُـمْطِرُ الرّحمن  رُحمَى فيزهرُ في أضالعنا الوئام.. ويشدُو الحرفُ بالحبِّ ابتهاجًا).

في كلمات التّراكيب عمد الشّاعر أيضًا إلى الاشتقاق بين (رحمن ورحمى) و( الحرف والحبّ).. تكوّنت من هذه العمليّة صور فنيّة نقلت مشاعر الشّاعر إلى خارج نفسه، وكانت عمادَ هذا التّصوير كلماتٌ..

(3)إلى جانب اعتماد الشّاعر على الكلمات في بناء الصّور وظّف المجاز في بنائها. وهو يظهر في هذه التّراكيب واضحًا، وعليه أو منه بنى استعارات: (فيزهرُ في أضالعنا الوئامُ.. ويشدُو الحرفُ بالحبِّ ابتهاجًا.. ورغمَ الصّمتِ ينتفض الكلامُ)، وتلاحقت الصّور في هذه الأسطر: فبعد الإمطار تزهر الأضالع في القلوب بالوئام، فيعبّر عنه الحرف بترجمته حبًّا، خارقًا الصّمت في انتفاضة تثور عليه بكلام يبعد السّكوت والخرس..

 في هذه اللّوحة الفنيّة تتابعت الصّور وتساوقت لتقدّم فكرة طيّبة، مضمونها ومنتهاها التّفاؤل والأمل في الحياة. وكانت النّهاية معبّرة مصوّرةً قلبَ الشّاعر مضيئًا مبتهجًا،، فبعد ما صوّره خائرًا حطامًا في بداية النّصّ، حوّله  في نهايته ليكون حركة قويّة خارقة للصّمت، منتعشًا بالكلام، الذي صار ابتهاجًا.

هذا التّجاور في الكلمات الموحية، وهذا التّنقّل السّلس الانسيابي بين الألفاظ وهذا التّنامي التّلقائي في تثيبت الفكرة أو نقل المشاعر الحقيقيّة التي تسكن قلب الشّاعر.. كلّ ذلك وفّرته كلمات منتقاة بوعي وعناية، من وحي العمليّة الشّعريّة أو الفنيّة..

بهذا الاستعمال الواعي وحسن رصف الكلمات في تجاور قويّ التّماسك نقول كما قال عبد القادر القُطّ عن بعض نسوج الوجدانيّين: ” والحقّ، إنّ الألفاظ في مثل هذا الشّعر تصبح عنصرًا من عناصر الصّورة…(7)

يمكن القول: إنّ الصّقلاوي اعتمد في تصويره على الكلمات، كما عرف هذا عن الوجدانيّين في بعض تصويراتهم. يقول عبد القادر القُط عن إحدى قصائد علي محمود طه:

“…أمّا علي محمود طه فإنّه يتّخذ من مأساة الموسيقيّة (العمياء) وسيلة لرسم صور مركّبة لكلّ مظهر من مظاهر الجمال الذي لا تستطيع أن تراه، مازجًا اللّفظة الرّومانسيّة في عبارات ممتدّة، حافلة بكثير من المجاز والتّجسيم والتّشبيه. وبهذا لا يظلّ المعجم الشّعري على سطح الصّورة، بل تصبح الألفاظ خيوطًا في نسيج متكامل من التّعببر والتّصوير..” (8)

يمكن الاستئناس بهذا التّعليق لتقديم تصوّر عن طبيعة قصيدة الصّقلاوي ” حطام “، والإبانة عن وجه من وجوه الوجدانيّة في نسج نصّ كان التّصوير فيه مستندًا على اللّفظة في الدّرجة الأولى

 نسجّل على نصّ الشّاعر الصّقلاوي ملاحظة، تتعلّق باختياره لفظةَ (يمطر) في قوله ” ولكن يُـمْطِرُ الرّحمن رُحمَى  فيزهرُ..” ليصوّر رحمة الرّحمن التي تنتج النّتاج الحسن.. هذا الاستعمال يتحفّظ عليه الفصحاء وأهل اللّغة؛ لكون الإمطار يستعمل في المواقف غير المسرّة، بل أحيانًا تكون في مواطن الانتقام أو السّخط – كما جاء في القرآن الكريم –  .. بينما في المواقف التي تشبه ما هدف إليه الشّاعر، أي التي تنتج النّتاج الحسن، وتؤتي الثّمار الطّيبة.. تستعمل لفظة “الغيث “، كقوله تعالى: ) وإذْ قَالُوا اللّهُمَّ إنْ كانَ هذَا هوَ الحقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجارةً منَ السّماءِ أَوِ اِيتِنَا بعذابٍ أليم( (الأنفال/ 32).. وقوله: )وَلَقَدْ أَتَوْا علَى القريَةِ التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يكونوا يرَوْنَها بلْ كانُوا لا يرجونَ نشُورًا ( (الفرقان/ 40)

كما يستعمل القرآن  تعبير ” إنزال الماء من السّماء ” كقوله تعالى: )…وَمَا أَنْزَلَ اللهُ منَ السّماءِ منْ ماءٍ فَأَحْيَا بهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا…( (البقرة/ 164) وقوله :)إِذْ يُغْشِيكُمُ النُّعاسَ أمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عليْكُمْ منَ السّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عنْكُمْ رِجْسَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ علَى قُلُوبِكُمْ وَثَبِّتَ بِهِ الأَقْدامَ( (الأنفال/ 11) وقوله: )اللهُ الذي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأرْضَ وَأنْزَلَ منَ السّماءِ ماءً فأخْرجَ  بِهِ منَ الثَّمراتِ رزْقًا لَكُمْ… ((إبراهيم/ 32) وغيرها..

 بينما كان استعمال الشّاعر جيّدًا في التّركيبة الآتية، وهي قريبة الشّبه المعنى والدّلالة في تصوير الموقف  السّابق، في قوله:

” لمجلس جدّتي حبًّا

تُبَسْتِنُ لي خيالاتي” (9)

بعد الإمطار تزهر الأرض، هو معنى ” تُبَسْتِنُ ” لي خيالاتي، لكنّ التّعبير الثّاني كان منسجمًا مع الاستعمال الصّحيح للغة على سَنَن اللّغة العربيَة الفصيحة.

الاستعمال نفسه ورد في قول الشّاعر:

أمطِرْ

فيضَ غيومِكَ فينا

زَهِّرْ أنفسنَا بالخير (10)

من قصيدة ” إطراق” نأخذ هذه اللّوحة التي صوّر فيها الشّاعر حال حيران، تاهت به السّبل فراح يعرض أسئلة (أو هكذا تخيّل الشّاعر وهو يكشف عن حال هذا الحيران)؛ مطرقًا يفكّر ويتدبّر في حاله..:

مُطرِقًا

يكادُ لا يرَى

حوله

وما به جرى

وبذاته تَدَثَّرَا

يشربُ السّكونَ

أحْـمرَا

والورى

عيونٌ

مِلْؤُها

لَـهَبُ الفُضُولِ

أَسْفَرَا

كَمْ تَشَاجَرَتْ…

تَنَافَرَتْ…

حيرةُ السّؤالِ:

هلْ تُرَى؟

ضَيَّعَ ابتسامةَ الـمُنَى

ضَيَّعَ الكلامَ والغِنَا

ضيّعَ السّلامَ (11)

عمد الشّاعر في هذه الأسطر التي افتتح بها قصيدته إلى تصوير موقفين أو حالين: حال المحتار التّائه الذي لجأ إلى إطراق رأسه، وهو يفكّر في هذه الحال، ويجترّ ما يمرّ به.. وحال الفضوليّين الذين شغلوا أنفسهم بالتّفرّس والتّجسّس على حال المطرق الحيران.. وتفرّغوا لعرض أسئلة على أنفسهم وفيما بينهم مدقّقين محلّلين حال الرّجل، وعارضين مجموعة من الاحتمالات التي قد تكون أسبابًا وعوامل لهذا القلق والحيرة اللّتين أصابتا هذا الرّجل، هو مُطرِق يفكرّ في حاله، وهم يَطْرُقُون باب نفسه ليكتشفوا أسباب سكونه ووجومه وهموده..

قدّم الشّاعر هذين الموقفين في صور فنّيّة بديعة. بدأها بداية لافتة للنّظر، بوصفٍ: ” مطرقًا ” هذه الكلمة تحمل شحنة وجدانيّة، تدفع بمن يقرؤها أو يسمعها أن يرتدّ إلى داخل نفس الشّخص المطرق ليعرف الحقيقة. أردفها بوصفِ وَضعِه في تلك اللّحظة: ” يكادُ لا يرَى.. حوله.. وما به جرى”. وصفه غائبًا عن الوجود، لا يحسّ بما حوله، إذ لا يكاد يرى ما يدور بجنبه، بل وما جري به وله.. هذه حال تبعث على الدّهشة والشّفقة، وربّما تنتقل إلى محاولة معرفة الأسباب والعوامل، وقد تتعدّى إلى البحث عن المتسبّب في هذه الحال..

لم يجد المطرق حيلة أو وسيلة سوى الانطواء على نفسه، بل التّستّر وإخفاء ذاته عن النّاس ” وبذاته تَدَثَّرَا “. هل أحسّ بـرمق الأعين له؟ هل يعرف أنّ النّاس لن يتركوه من دون التّعرّض له بالبحث في حاله، فتدثّر بذاته، أي استجار بذاته لتخفيه عن الأعين، وتبعده عن الألسن.. هكذا صوّر الشّاعر حركته هذه.. وهل الذّات تخفي؟ هل الذّات تنجي؟ هل الذّات تجدي؟ هو تصوير شاعر يبدع في اختيار الكلمات الموحية المعبّرة المصوّرة..

مع هذا الاختفاء عن الأنظار؛ اتّقاء لكلّ أفعال الأشرار. لاذ بالصّمت، بل شربه ليسكر به ويغيب عن الوجود، فلا يُسمَع له حسّ، ولا يُلتقَط له نفس.. هكذا اختار الشّاعر للموقف هذه الصّورة المجازية المعبّرة “يشربُ السّكونَ”؛ لينقل شعور المطرق بالإحراج والقلق من حاله وممّا قد يلحقه من أذى  ألسنة النّاس وعيونهم .. أضاف إلى ذلك وصف ” أحْـمرَا ” ليبرز الشّدّة التي تسكن قلب المطرق وهو يلوذ بالسّكون والصّمت، اللّذين من شأنهما أن يخفّفا عن المهموم همّه ويواسيا المكروب في كربته.. سكن وهمد وصمت..؛ ليتّقي شرور النّاس، التي تنبعث وتتكاثر وتنبت من أسئلتهم المؤذية الجارحة، صوّر هذا الموقف في التّراكيب الآتية:  (والورى.. عيونٌ.. مِلْؤُها..لَـهَبُ  الفُضُولِ.. أَسْفَرَا.. كَمْ تَشَاجَرَتْ… تَنَافَرَتْ…).

صوّر الفضوليّين وكلُّهم أعيُنٌ ترمق المطرق، وألسنٌ تتشاجر وتتنافر وتتجاذب وتتحاور.. لتقدّم أسئلة كثيرة، عميقة، مثيرة..؛ سعيًا لمعرفة حقيقة حال المطرق..

هذا البسط في بيان تصرّفات الفضوليّين جاء في صورة تشاجر وتنابز وتبادل للآراء والنّظرات في حال المطرق..كلّ ذلك وهم في حيرة من أمرهم، كيف يصلون  إلى فهم حال المطرق الحائر المحيّر.. قال الشّاعر مصوّرًا ذلك: ” حيرةُ السّؤالِ: هلْ تُرَى؟ ضَيَّعَ ابتسامةَ الـمُنَى.. ضَيَّعَ الكلامَ والغِنَا.. ضيّعَ السّلامَ”.

عرض الشّاعر ما يساور الفضوليّين من هواجس، وما يتفاعل في داخلهم من تخمينات، وما يدور في نفوسهم من تساؤلات عن الضّياع الذي يعيش فيه المطرق، ترى ماذا ضاع منه فعاش في تيه وحيرة؟ حسب ما ورد في بقيّة أسطر القصيدة (12) فهو ضيّع كلّ شيء..فكأنّ الأمر يخصّ هؤلاء الفضوليّين ويهمّهم ويتعلّق بحياتهم….

هذا العرض هو في حدّ ذاته وفي حقيقته تصوير وكشف عن حال مرضى القلوب والنّفوس، وفيه السّخريّة والتّهكّم بطبائع بعض النّاس المفلسين في أخلاقهم وقيمهم.. لقد جاء تصوير الشّاعر ليفصح عن حال بعض النّاس المكتئبين، ويُبِينَ عن حال آخرين مرضى في تصرّفاتهم التي تؤذي العباد.. فكأنّي به بهذا التّصوير يعالج قضيّة نفسيّة وأخرى اجتماعيّة في آن واحد.  فما استعمالُه الكلماتِ ذات الدّلالات الإيحائيّة، المصبوغة بالشّحنات النّفسيّة: مِلْؤُها..لَـهَبُ  الفُضُولِ.. أَسْفَرَا، تَشَاجَرَتْ، تَنَافَرَتْ. وغيرها في النّصّ إلاّ دليل على تأثّره بهذا الحال، التي تحسب في الخلل الذي يهزّ المجتمع ويهدّه..

كلّ هذه المعاني وهذه الإيماءات وهذه الأفكار التي يمكن استنتاجها من تصرّفات الفضوليّين، وتفسيرها تفسيرات متعدّدة متنوّعة.. هي من وحي التّصوير الذي قدّمه الشّاعر عن هذا الموقف؛ انطلاقًا من الكلمات التي انتقاها وأحسن رصّها بجوار بعضها في بناء فنيّ مقبول..

تقويمي لهذا التّصوير هو: إنّ الشّاعر وفّق إلى حدّ بعيد في تقديم منظر خارجي واقعي حسّي، والتّعبير نه بما حوّله إلى وصفة وجدانيّة، بما أضفى عليه من تحليل نفسي للموقفين المعروضين.. هذا ما يجعل المتلقّي قد ينسى أنّه مع واقع معيش لا يشاهده بعينيه، إنّما يقرؤه في أسطر من الكتابة الشّعريّة؛ وذلك بما وفّره له الشّاعر من العناصر الفنيّة الغنيّة بأنواع الصّياغة والنّسج والسّبك..

يؤدّي هذا التّصوير بالقارئ – كما يقال في أمثال هذه النّسوج وهذه النّماذج من الشّعر، التي تأتي من الشّاعر الحسّاس المتوتّر القلق من موقف أو حال غير طبيعيّة – إلى ما تشير إليه الفقرة الآتية:” ..الذي يصف المرئيات  وصفا يجعل قارئ شعره ما يدري أيقرأ قصيدة مسطورة، أم يشاهد منظرًا من مناظر الوجود، والذي يصف (الوجدانيات) وصفًا يخيّل للقارئ أنّه يناجي نفسه، ويحاور ضميره، لا يقرأ قطعة مختارة لشاعر مجيد” (13)

هذه النّتيجة التي يصل إليها القارئ للوحة سعيد الصّقلاوي – من منطلق هذه الملاحظة ووَفق ما يدعو إليه التّصوير الفنّي – تحمل طابع الرّسالة التي يحملها الشّعر..

في قصيدة الشّاعر: ” أراك في الكلام”. (14)نقف على نسيج خاصّ، مكوّناته صور متتابعة، تبعث على التّأمّل والنّظر فيها من النّاحية الفنيّة:

كلّما أراكَ في الكلامِ

تنطق الأيّامُ في عظامي

///

صوتُكَ الزّاخرُ في زمانٍ

أنْهُرِ الحنينِ والوئام

///

كم به الأشجارُ قد تسامَتْ

واستراحت في يد الغمامِ

///

طائفٌ يمتدّ في خيالي

منك والذّكرى على الدّوام

///

مزهرٌ دعاك في عيوني

رحمةً والحبُّ في احتدامِ

///

ظلُّكَ الوارفُ من أمامي

هالةُ الضّياءِ في الظّلامِ

///

كُلُّ آنٍ أنتَ في ضميري

تبعثُ الحياةَ من ركامي

///

أيُّها الرّاحلُ في سلام

قلبُك الـجنانُ في سلامِ (15)

تأثّر الشّاعر كثيرًا برحيل إحدى الشّخصيّات العمانيّة التي تركت بصماتها في الحياة العمانيّة بشكل لافت للنّظر، خاصّة في مجال المحافظة على التّراث ونشر التّاريخ وإبراز الثّقافة العمانيّة.. إنّه السّيّد محمد بن أحمد البوسعيدي (ت 2012م) .. لهذا السّبب وجدنا الشّاعر يقدّم عنه صورًا عديدة في وصف شخصيّته وتصوير مشاعره نحوه، هذا التّصوير اعتمد المجاز واللّغة الإيحائيّة.

يبدو أنّه استسلم لمشاعره وخيالة يرسمان لوحات فنّية عمّا يحمله مع الرّ من ذكريات وما يحتدم في داخله من شعور بالتّقدير والاحترام والاعتراف بفضله على عمان.. فكان حاله حال الذي يسبح في منام ويسيح فيه، ينتقل به من حال إلى حال ومن مكان إلى مكان، ومن وصف إلى وصف، ومن موقف إلى موقف.. قد لا يكون بين كلّ ذلك رابط أو صلة وثيقة في سيرورة ما يجري في الحلم..

لكنّ المتأمّل في هذه التّركيبات، والنّاظر فيها بمعايير العمل الفنّي، والبناء الشّعري.. يتأنّى قبل أن يصدر حكمه النّهائي عن فقرات القصيدة، بلغتها وصورها.. التي كان للخيال دور كبير في تكوينها؛ مصبوغة بالطّبيعة الشّعوريّة، وتقديمها وكأنّها منفصلة عن الواقع؛ للمبالغة التي قد يتفاجأ بها المتلقّي..: ” …هذا معناه أنّ الشّاعر حين يستخدم خياله لا يهرب من الحقيقة، بل يلتمس الحقيقة كذلك في الخيال. فالخيال والواقع كلاهما وسيلة لنقل ذلك الصّراع الدّاخلي الذي يعاني منه الفنّان… إنّ هذا الهروب من الواقع يكون إلى عالم خيالي، ومن حيث إنّ الخيال عنصر لازم في الإبداع الفنّي. فالحقيقة، إنّ الشّاعر يحتال على الواقع بالخيال، أي إنّه يحاول تعمّق الواقع بالخيال، فهو إذن لا يهرب منه بل يغوص فيه…” (16)

 إنّ النّاقل لمشاعره وكأنّه في صراع نفسي داخلي، يلتجئ إلى الخيال عساه يسعفه بالتّنفيس عن نفسه، أو يمكّنه من الإفصاح للمتلقّي عن إحساساته الدّاخليّة..

في صور الصّقلاوي في قصيدة ” أراك في الكلام ” يظهر التّتابع والتّوارد الذي يحدث في الحلم:

كلّما أراكَ في الكلامِ

تنطق الأيّامُ في عظامي

كم به الأشجار قد تسامت

واستراحت في يد الغمام

مزهر دعاك في عيوني

رحمةً والحبُّ في احتدامِ

ظلُّكَ الوارفُ من أمامي

هالةُ الضّياءِ في الظّلامِ

(1)من الرّؤية في الكلام، ونطق الأيّام في العظام، واستراحة الأشجار في يد الغمام، وإزهار الدّعاء في العيون، ووروف الظّل وصيرورته ضياء في الظّلام..من كلّ هذه  التّركيبات المتتابعة في الزّمان والمكان تكّونت صور عديدة نقلت رؤية الشّاعر أو تصويره لحقيقة المتحدّث عنه.. هذا التّنقّل بين المناظر المختلفة في زمن قصير هو ما يحدث في المنام.. إنّ هذا التّركيب والتّكوين يعبّر عن احتدام المشاعر في قلب الشّاعر وتكاثرها ورغبته في إظهارها للمتلقّي دفعة واحدة، فقام بتصويرها من دون أن يخضع ذلك لمنطق النّقل والكشف المتأنّي المتدرّج.. إنّه التّوتّر الذي يعيشه الشّاعر ويريد إخراجه إلى الخارج.. فبالرّغم ممّا يبدو من كونها غير مترابطة زمانًا ومكانًا، فإنّ ما يوحّدها ويوثّقها هو الخيط النّفسي والشّعوري..

يوضّح الشّاعر الفرنسي “بول ريفردي حقيقة الصّورة الشّعريّة بأنّها: ” إبداع ذهني صرف. وهي لا يمكن أن تنبثق من المقارنة. وإنّما تنبثق من الجمع بين حقيقتين واقعيتين، تتفاوتان في البعد قلّة وكثرة…

إنّ الصّورة تستكشف شيئًا بمساعدة شيء آخر، والمهمّ فيها هو ذلك الاستكشاف ذاته، أي معرفة غير المعروف، لا المزيد من معرفة المعروف. ولهذا لا يكون التّشابه بين الشّيئين تشابهًا منطقيًّا، وكما يقول العالم اللّغوي (كارل قسلر): ( إنّ المقارنات اللّغويّة التي هي من هذا النّوع ليست على الإطلاق حركات منطقيّة للتّفكير، إنّها حلم الشّاعر، حيث تتضامّ الأشياء، لا لأنّها تختلف فيما بينها أو تتّحد، بل لأنّها تجتمع في الفكر والشّعور في وحدة عاطفيّة). والشّاعر (إزرا باوند) يعرف الصّورة الشّعرية بأنّها (تلك التي تقدّم تركيبة عقليّة وعاطفيّة في لحظة  من الزّمن”.(17)

كثير ممّا ورد في هذه الأسطر نجد له حضورًا في صور الشّاعر سعيد الصّقلاوي التي نحن في صدد تحليلها.. فيها: التّباعد في الزّمان والمكان، فيها مقارنات بعيدة عن المنطقيّة، فيها تجاوز الواقع وإغراق في الخيال، كما أنّها جمعت بين العقل والعاطفة في بنائها.. وغير ذلك من المكوّنات التي يطلبها النّقد الحديث في الصّورة الشّعريّة.

(2)صور الشّاعر هي من نوع ما يُرى في الأحلام؛ للتّحليل الذي ذكرناه سابقًا، لكنّها تختلف عنه، من حيث إنّها تقنع المتلقّي أو تعينه على إدراك حقيقة مشاعر الشّاعر، بخلاف الأحلام التي قد يراها المستيقظ أو من يحاول أن يعبرها أضغاثًا، إذ قد لا تمتّ إلى الواقع بصلة.. هنا تظهر براعة الشّاعر وكفايته في الانتقال بالمتلقّي من عالم الأحلام إلى عالم الواقع.

(3)اعتمد الشّاعر في النّصّ على المجاز والاستعارات والكنايات والتّشبيهات. أي نوّع في مصادر بناء صوره (الرّؤية في الكلام، نطق الأيّام في العظام، استراحة الأشجار في يد الغمام، امتداد الطّواف في الخيال، إزهار الدّعاء في العيون، بعث الحياة في الرّكام..) من التّشبيهات: (صوتُكَ الزّاخرُ في زمانٍ..أنْهُرِ الحنينِ والوئام)، (ظلُّكَ الوارفُ من أمامي.. هالةُ الضّياءِ في الظّلامِ). كما اعتمد السّرد أيضًا في التّصوير..أي إنّه نوّع في أساليب الصّياغة والكتابة الفنيّة..

من مجموع ذلك كلّه قدّم صورًا فنيّة نقلت مشاعره وصوّرت حقيقة ما يموج في داخله.. في هذا السّياق يقول عبد القادر القط: ” ومن الشّعراء من تشفّ ألفاظهم وتتآلف في جوّ نفسي أو عاطفي متّسق ونغم حزين هادئ، وتتداخل فيها مدركات الحواس فيما يشبه الحلم حتّى يقترب الشّعر من مشارف الرّمزيّة…” (18) فالصّقلاوي في موقف فرح وانشراح، وهو يصف ذكرياته مع السيّد محمد البوسعيدي، وفي الوقت نفسه كان يشعر بالأسى والحزن لرحيله عنه وعن الدّنيا. وما ذكره القُطّ ينطبق على صور الشّاعر في القصيدة.

نقرأ – أيضًا – فيما قدّمه الشّاعر من صور متتابعة ما جاء في الفقرة الآتية: ” لأنّ القصيدة من حيث هي حلم – كما يقول إروين إدمان – تعدّ ارتباطًا بين مجموعة من الرّؤى والصّور والأفكار المندمجة في وحدة مفردة خلال حالة نفسيّة تربط بينها، أي إنّها في القصيدة نستقبل حشدًا من الصّور المتتابعة المرتبطة لا صورة واحدة، وهذه الصّور لا ترتبط وَفقًا للنّسق الطّبيعي للزّمن كما هو الشّأن في المشهد السّينمائي أو التّصوير السّردي في الأدب القصصي، بل وَفقا للحالة النّفسيّة الخاصّة.” (19)

(4)لم يخل النّصّ من كلمات تحمل صفات الإيحاء والتّكثيف.. مثل: (تنطق، يد الغمام، مزهر، ركامي، سلام…) نقف على الإيحائيّة والتّكثيف في هذه الكلمات حين نحضر أمامنا مناسبة النّصّ والشّخص الذي قيلت في حقّه القصيدة، مع اصطحاب الشّعور الذي ينتاب الشّاعر وهو يسجّل فضل المتحدّث عنه على الشّاعر، وأثر فقده له، ثمّ مدى ما يكنّه له من تقدير واحترام، ما جعله يمنحه وينفحه بالدّعاء له بالخير والسّلام,.

(5)عزّز الشّاعر تقديم مشاعره ببعض الأوصاف التي منحها لبعض كلماته، التي رآها مكمّلة ومساعدة لبناء صوره المشعورة – إن صحّ التّعبير –، وقد جاءت على شكل صفة أو مضاف إليه متضمّن معنى الوصف.. مثل: (صوتك الزّاخر، ظلّك الوارف، أنهر الحنين والوئام، هالة الضّياء..)

 على العموم ظهر النّصّ: ” أراك في الكلام” في صور متتابعة متتالية، أوجدها خيال بديع، عمل فيها ما يجده الرّائي في الحلم من مناظر ومشاهد، تبدو غير مرتّبة وقد تكون غير واقعيّة..

قد يرى بعض الدّارسين أنّ هذا التّصوير كان من الخارج، أي لم يتعمّق الشّاعر نفس المتحدّث عنه، ولم يقدّمه للمتلقّي من داخل نفسه هو. أي إنّه وصف مشاعره وصفًا خارجيًّا..، بذلك يفقد حرارة الوجد، ليبتعد عن الحسّ الوجداني.. قد يكون هذا صحيحًا، وهو رأي يحترم، لكنّنا لا نخطئ إدراك شخصيّة الرّجل المعني بالتّصوير والتّقدير، من خلال ما قدّم الشّاعر من صور عنه.. ذلك لإنّ ما يجمع هذه المشاعر – مهما قيل عن طريقة تصويرها – هو خيط نفسي، أوجد رباطًا بينها، ما أعان على توفير الوَحدة في النَصّ، تساعد المتلقّي على متابعة الشّاعر في رصد تتابع صوره في نسيج نصّه..

كلّ ذلك يبيّن أثر الرّحل في نفس الشّاعر..  كما أنّ توارد الصّور وتكاثرها بتوارد المشاهد والمواقف والتّقديرات، تكشف عمّا كان يغصّ به قلب الشّاعر من المشاعر الكثيفة الكثيرة، لم يتمكّن من صدّها أو ردّها أو ترتيب إخراجها أو الرّبط بينها في الإفصاح والبثّ إلى خارج نفسه ليتلقّفها المتلقّي كما يتيسّر له الأمر. فالشّعر – كما يقال -:” ” تعبير عن مشاعر وانفعالات، وكشف عن عوالم داخليّة للشّاعر، ومن ثمّ بدأ الحديث عن الإيحاء والشّفافية والتّهويم والاندفاع التّلقائي في عالم الخيال..” (20)

هذا ما دفع بالشّاعر أن يتخّطّى الحدود الزّمانيّة والمكانيّة، وكانت مشاعره تدعّه أن يفعل ذلك، فيسير في عمليّة تعبيره وتصويره بطريقة الحلم، فيستسلم لعواطفه من دون تحكّم في تنظيمها، فخرجت هكذا كما يقرؤها المتلقّي، وقد قيل في مثل هذه المواقف أو التّصرّفات: “…يلي هذا من الحقائق الأساسية الخاصّة بالصّورة في الشّعر ظاهرة التّكثيف الزّماني والمكاني في انتخاب مفردات الصّورة وتشكيلها، ففي الصّورة الشّعريّة تتجمّع عناصر متباعدة في المكان وفي الزّمان غاية التّباعد، لكنّها سرعان ما تأتلف في إطار شعوري واحد. وهذا هو وجه الشّبه بين العمل الفنّي والحلم، ففي الحلم تتحطّم الحدود المكانيّة والزّمانيّة، وتصطدم الأشياء بعضها ببعض، معبّرة عن النّزعات المصطرعة في نفس الشّاعر، عن الهواجس والمطامح، عن التّفكير الذي تمليه الرّغبة..

 وعلى هذا ينبغي ألاّ نأخذ المسألة من ظاهرها فنتصوّر أنّ تلك المفردات المتباعدة في الزّمان والمكان إنّما تلتقي في الصّورة الشّعريّة اعتباطًا، أو أنّها يمكن أن تختار متباعدة هكذا عن عمد أو عن غفلة، لأنّها حين تلتقي عن هذا الطّريق أو ذاك لن تحدث إلاّ مفارقات قد تثير فينا الضّحك، وقد تثير الاشمئزاز كما نصنع عادة في بعض ألعاب التّسلية البيتيّة.” (21)

هل يمكن أن نقول: إنّ تصوير سعيد الصّقلاوي في هذه القصيدة ينطبق عليه ما ورد في الفقرة الآتية: ” إنّ الوشائج بين الأبيات والمقطوعات تعتمد على اشتراكها في المعجم الوجداني الجديد، وما يبتدع الشّاعر خلاله من صور فنيّة متشابهة. “(22)

مع كلّ ما حاول الشّاعر تقديمه من أساليب في التّصوير.. نشعر أنّ الكلمات كانت قاصرة عن إخراج ما في قلبه من شجون وعواطف؛ لذا استسلم لتدفّق العواطف وتوارد الخواطر، وانصاع لـما تفرضه عليه الأساليب من أنماط التّعبير والتّصوير. فسار في طريق الخيال.. فكانت هذه اللّوحات الفنيّة من نمط ما يدور في الأحلام.. هل وفّق الشّاعر في هذا الاختيار أو في هذا الإجبار؟ إصدار الحكم هو من نصيب القرّاء. أمّا الشّاعر فإنّ كلّ ما يهمّه أنّه أبان عن مشاعره وقدّمها بما تيسّر له..

عن الملاحظات التي سجّلناها لهذا النّصّ في اعتماد الكلمات مناطًا ومركبًا في بناء الصّور الشّعرية.. ينظر أيضًا القصائد الآتية: انجذاب، إطراق، سطوع اختباء.. نماذج وأمثلة على نوع أو نمط الصّور التي اعتمدها الشّاعر في كتابته الشّعريّة في هذا الدّيوان (23)

قد يبني الشّاعر صوره أو يعمد في تصوير مشاعره إلى التّقابل والتّخالف في الحركات، ليبرز صراعًا نفسيًّا يعيشه داخل نفسه، أو ليعبّر عن فكرة تدور في ذهنه.. في قصيدة: ” طواف ” (24) نلتقي مع هذا النّوع من التّصوير الفنّي:

” أُسافِرُ

حاملاً زمني

فيحملني إلى زمن “

هنا ينقل لنا الشّاعر صراعه مع الزّمن، وكيف يعاكسه، هو يريد الذّهاب إلى زمنه مسافرًا إليه، كأنّه يعود إليه، فإذا به يطوف به في زمن آخر.. لماذا هذه المعاكسة؟

” أَطُوفُ به

على مُدُنٍ

ويأخذني

إلى مُدنِ”

يذكر الشّاعر أنّه اختار للزّمن مدنًا يزورها، لكنّه يأبى إلاّ أن يسير به هو إلى مدنٍ أخرى.. ما هو هدف الزّمن من هذا التّصرّف؟

” أَضَاءتْ

منْ جنَى مُزني

تُبَستِنُ

في مباهجها

أَزاهيرٌ

 من الـشّجَنِ”

ينقل الشّاعر مشاعره الزّاهرة المزهرة، وهو يقدّم خيرًا ويفعل جميلاً.. تصوّر ذلك كلماتٌ تحمل هذه الدّلالات الجميلة والأفعال الحسنة:(أضاءت، جنى مزني، تبستنُ، مباهجها، أزاهير). ترى ما هي هذه الأشجان التي وصفها الشّاعر بهذه الأوصاف المبهجة المفتّحة للقلوب تفتّح الأزاهير؟ لكنّها تعاكسه وتقوم بما يناقض أو ينقض ما يفعل:

” أُلَـمْلِمُها

تبعثِرُنِي

وأشْطُبُها

وتَكتُبُني”

يحاول الشّاعر لـملمة أشجانه بعد الطّواف الذي قام به مع المتلقّي ليظهر له جانبًا من معاناته، أو هكذا كان يتخيّل.. لكنّ هذه الأشجان تأبى عليه ذلك، بل تقابله بتشتيته وتمزيقه. يجرّب معها نسيانها وإبعادها من ذاكرته، فتصرّ إلاّ أن تبقى ماثلة أمامه وفي حياته.. فما تفسير ردّة الفعل السّلبيّة؟

في ختام القصيدة يترك الشّاعر النّهاية مفتوحة، ولا يخرج بموقف محدّد، ولا يوضّح ما يعنيه هذا الصّراع الدّاخلي.. ليس مهمًّا في مثل هذه النّسوج من التّعبير والتّصوير معرفة الحقيقة أو الخروج بنتيجة مضبوطة. الأهمّ هنا هو تفحّص عمل الفنّان في سياق الكتابة الفنّية التي تعتمد على الخيال، وصياغة نصّ يكون فيه الحوار وتتوفّر الإثارة، التي تذهب بالمتلقّي مذاهب شتّى في محاولة قراءة النّصّ قراءة فنيّة نفسيّة فضوليّة.. تبعث المتعة والرّوعة في النّفس.. لذا تبقى الأسئلة التي عرضناها من دون إجابة. أو تتعدّد الإجابات عند المتلقّين.. وهذا هو جوهر الفنّ.

في هذا الطّواف الذي قام به الشّاعر مع المتلقّي، أبدى حوارًا مع ما يدور بداخله، قد يحمل فكرة معيّنة أو رسالة محدّدة.. اكتشافها يعود للمتلقّي القارئِ النّصَّ بوعي وكفاية.. أتبنا بهذا النّموذج لنعرض ونبيّن شكلاً من أشكال التّصوير عند الشّاعر سعيد الصّقلاوي.

هذه بعض النّماذج من الصّور التي حفلت بها أشعار هذا الدّيوان، نعرضها من دون التّعليق عليها كثيرًا، هدفنا هو عرض ما يتوفّر عليه الدّيوان من تصوير، للمتلقّي أن ينظر فيها ويحلّلها ويقوّمها:

1 ـــــ أن ترتضِي دينًا

                   ليس ينشعبُ

فازرعهُ وردًا

                 له الأرواح تنجذبُ (25)

قدّم الشّاعر فكرته في كيفية المحافظة على الحبّ قاعدةً في التّعامل وتوثيق العلاقات والتّعاون، بتوجيه النّظر إلى تبنّي الاعتقاد منهجًا في الحياة.. فركّز على الدّين الذي يأخذ صفة الثّبات، أي، إنّ وضع الحبّ كالدّين في التّبني، يرسّخ في القلب، فيثمر الثّمار الطّيّيبة، ويزهر روائح زكيّة.. لبيان ذلك ركب الشّاعر متن الاستعارة ليصوّر هذه الحقيقة للمتلقّي فقال فازرعه وردًا (من قبيل المجاز)، فإنّ من شأن الورد أن ينجذب إليه النّاس ويميلوا. فإذا اتُّـخِذ الحبُّ وردًا عومل كما يعامل الورد.

قال الشّاعر ازرعه، فإنّ ما يزرع تُختار له تربة خصبة، ويحتاج إلى رعاية وعناية، وتُنتظر منه ثمارٌ أو نتائج طيّبة.. فالحبّ يحتاج إلى هذه العناية والرّعاية.. لينتج النّتاج الحسن. هذه الفكرة قدّمها الشّاعر في طبق صورة فنيّة..

2 ــــ  ويشدُو الحرفُ

بالحبّ ابتهاجًا

ورغم الصّمتِ

ينتفِضُ الكلامُ (26)

الصّورة مبنيّة في هذه التّركيبة من المجاز والاستعارة والتّقابل.. فالمتلقّي لا يعجزه الوقوف على هذه العناصر حين يقرأ الأسطر ومنها يستخرج الصّورة الشّعريّة..

3  ــــــ وصديقي

مرجلُ التّفكير

في ما سيؤولُ

يصمتُ الوقتُ

ويهذي

حولنا البديل (27)

التّصوير اعتمد على التّقابل الذي يكشف عن المفارقة في الحياة.. بين الصّمت والهذيان، الوقت يتوقّف عن الحركة أو ينتظر، بينما البديل، أيّ بديل ممّا لا يحقّ له الكلام والحركة ينوب عمّن له الحقّ في ذلك.. لماذا يحدث هذا؟  لا يهمّ من وما يفعل ذلك ولماذا.. المهمّ أنّ الصّورة بيّنت شيئًا غير عادي في الحياة، ما جعلت الصّديق يحتار ويتساءل حسبما جاء في بقيّة الأسطر. (28)

نحن حين نعرض الصّور الفنّيّة، لا نقف كثرًا لنبحث عن المضمون، أو نسأل عن حقيقة ما يريد الشّاعر الإفصاح عنه، أو طبيعة ما يرمي إلى إبلاغه وإيصاله إلى المتلقّي، بقدر ما نبحث ونتعمّق الجانب الفنّي فيها، وكذا الجانب الوجداني، حين نكون مع تصوير مشاعر ووصف عواطف وتقديم أحاسيس.. متمثّلين وممثلين للرّأي التي يرى أن القيمة التي تعتدّ بها في نتاج الصّورة الشّعرية لا تكمن في المضمون: ” إنّما تتمثّل في الدّلالة الوجدانيّة والمعنى الحدسي الإيحائي، فهناك تناقض بين الشّعر والواقعيّة حين تعني النّقل الحرفي (الوقائعي)، لذا فالشّعر: (يغيّر إيقاع (نقل) الواقع بإيقاع إبداعه، ويجد [ويوجد] واقعًا أغنى وراء (وقائع) العالم… فإنّ القصيدة العظيمة حركة، لا سكون، وليس مقياس عظمتها في مدى عكسها أو تصويرها لمختلف الأشياء والمظاهر الواقعيّة، بل في مدى إسهامها بإضافة جديد ما إلى هذا العالم.)” (29)

 

للاستعارة حضور في قصائد الدّيوان. الاستعارة التي اعتمدها الشّاعر لبناء صور شعريّة، النّاقلة وجدانَه.. جاءت في بعض القصائد متتابعة، لتعينه على تصوير ما أراد الإفصاح عنه..  النّموذج أو المثال على هذا ما حفلت به قصيدة ” صباح بحبّ الوطن” (30) هذه بعض الأمثلة منها:

1 ــــــ تُزهِّرُ

     روحَ الوجودِ حبورَا

وتنثرُ

     في العالمين الحسنْ

وتسقي

      عجاف السّنين اخضرارًا

وتمنحُ

خوفَ النّفوس الوسنْ

توزِّعُ

     قمحَ الهناءِ

                وتشعلُ

         نجم الرّجاء

                   وتهدي السّننْ

لسنا في حاجة إلى التّعليق على هذه التّركيبات، من حيث طبيعتُها ومن حيث فنّيتها.. لكن ما يلفت النّظر هو تتابع هذه الصّور بشكل مختصر في تركيبها، وانتقال الشّاعر من صورة إلى صورة بسرعة، وكأنّه يريد تقديم اكبر عدد ممكن من أحاسيسه نحو الوطن، من دون أن يطيل على المتلقّي في التّفصيل، فهو يعلم انّه باستطاعته أن يدرك حقيقة هذا الوطن السّخيّ الكريم المحبّ.. فهو كلّه نور وهداية وسماحة وخير..يجمع بين هذه الصّور خيط نفسي أوجد الوَحدة النّفسيّة بين عناصر نسيج النّصّ.

من الاستعارات التي رفدت فنيّة أشعار الدّيوان قول الشّاعر:

2 ــــ يُـمارسُ الزّمنُ المغرورُ

لُعبتَهُ فينَا

ويتركُنا

نَـهْبَ التِباساتِ (31)

3 ــــــ جمال هواك

يملآُ العينَ والقلبَا

فتُزهرُ أَمجادًا

وتختزنُ الخِصْبَا (32)

4 ـــــــ تُبسْتِن لي خيالاتي (33)

5 ـــــــ يشربُ السّكون أحمرَا (34)

هذا الشّكل البياني لون من ألوان البناء الشّعري عند الشّاعر يكشف عن شعريّته وتحكّمه في أدواته الفنيّة في العمليّة الشّعريّة.. فالاستعارة تظهر قدرة الفنّان على تخطّي عتبات المباشرة في الكتابة، وتحطّ الشّاعر في محطّة الخيال القوّة الخلاّقة  -كما تسميها جماعة الدّيوان – ليبدع في لغته الإيحائيّة وتصويره البديع وابتكاراته التي تعطي للمعني – بحسن المعالجة والتّناول – صفة ما استعير له من  سمات  ومميّزات ، تعين المتلقّي على إدراك كنهه وحقيقته..

مهما يكن تقويمنا لتعامل الشّاعر مع الاستعارة، ومدى ما قدّم بواسطتها من إبداع وجيّدٍ من التّصوير. يبقى بيان مختلف الألوان والأساليب التي اعتمدها الشّاعر في العمليّة الشّعرية والبناء هو هدفنا.

المراجع:

(1)محمد حسن عبد الله، الصّورة والبناء الشّعري، دار المعارف بمصر، القاهرة،  1981م، ص: 112

(2)ما تبقّى من صحف الوجد، ص:  55، 56.

(3)بشرى موسى صالح، الصّورة الشّعريّة في النّقد العربي الحديث، ط1، المركز الثّقافي العربي، بيروت، 1994م ص:  148 ينظر  جابر عصفور، مجلّة المجلّة، ص: 86

(4)الصّورة الشّعريّة في النّقد العربي الحديث، ص: 31.

(5)المرجع نفسه. ينظر جابر عصفور، مقالة تحليليّة لكتاب  س،. داي. لويس، الصّورة الشّعريّة، مجلّة المجلّة العصريّة، ع: 135، ماري 1968م، ص: 84.

(6)ما تبقّى من صحف الوجد، ص: 145، 146.

(7)الاتّجاه الوجداني في الشّعر العربي المعاصر، ص: 420.

(8)المرجع السّابق، ص: 418..  ينظر مقاطع من القصيدة، ص: 418، 419.

(9)ما تبقّى من صحف الوجد، ص: 16.

(10)المصدر السّابق، ص: 113.

(11)المصدر السّابق، ص: 65، 66.

(12)المصدر السّابق، ص: 67، 69.

(13)الصّورة الشّعريّة في النّقد العربي الحديث، ص: 37. ينظر زكي مبارك، الموازنة بين الشّعراء، ط2، القاهرة، 1936م، ص: 62.

(14)مهداة إلى روح عالم التّاريخ العماني والشّؤون الدّينيّة السّيّد محمد بن أحمد بن سعود البوسعيدي. ينظر ما تبقّى من صحف الوجد، ص: 95 .

(15)المصدر السّابق، ص: 95 – 97.

(16)د. عزّ الدّين إسماعيل، التّفسير النّفسي للأدب، ط4، دار العودة، بيروت، 1981م، ص: 44.يؤكّد مورينو  Moreno َأنّه  لا يوجد صراع بين  الحقيقة والخيال، فكلاهما عنصر فعّال في عالم الأشياء والأشخاص والأحداث..ذلك العالم الدّرامي النّفسيPsychodramatic   ينظر المرجع نفسه.

(17)المرجع السّابق، ص: 70، 71.

(18)الاتّجاه الوجداني في الشّعر العربي المعاصر، ص: 420.

(19)التّفسير النّفسي للأدب، ص: 74.

(20)الصّورة الشّعرية في النّقد العربي الحديث، ص: 86. ينظر جابر عصفور، الصّورة الفنيّة في التّراث النّقدي والبلاغي، القاهرة، 1974م،ص: 170.

(21)التّفسير النّفسي للأدب، ، ص: 108.

(22)الاتّجاه الوجداني في الشّعر العربي المعاصر، ص: 379.

(23)انظر ما تبقى من صحف الوجد، ص: 57، 65، 109، 153..

(24)المصدر السّابق، ص: 171 – 173.

(25)المصدر السّابق، ص: 58.

(26)المصدر السّابق،  ص: 146.

(27)المصدر السّابق، ص: 104، 105.

(28)تراجع  قصيدة ” جمال هواك “، المصدر السّابق،  ص: 141 – 143  فهي تحتوي على صور شعريّة عديدة..

(29)الصّورة الشّعرية في النّقد العربي الحديث، ص: 60. ينظر أدونيس (علي أحمد  سعيد)، زمن الشّعر، ط3، بيروت، 1983م، ص: 11. ود. عزّ الدّين إسماعيل، الشّعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنّيّة والمعنويّة، ط3، بيروت، 1981م، ص:127 وما بعدها..

(30)ما تبقّى من صحف الوجد، ص: 31 –  33.

(31)المصدر السّابق، ص: 56.

(32)المصدر السّابق،  ص: 141.

(33)المصدر السّابق،  ص: 16.

(34)المصدر السّابق، ص: 65.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى