ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (34)
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
عبد اللطيف غيث.. رمز كفاحي مبدئي عنيد، وضمير وطني حي ورياضي من نوع فريد
من ركائز العمل الوطني في القدس حتى تاريخه.. كان عبد اللطيف غيث ” أبو نضال” له حضوره المميز وسمعته العطرة وصلابته وعناده في عكس الموقف الوطني والمبدئي بدون اية مساومة، لدى تيار واسع في مرحلة الثمانينات من القرن المنصرم عندما تشرف الصاحب بالتعرف عليه في جريدة الفجر المقدسية حيث كان يتولى تحرير الصفحة الرياضية فيها. وما إن تقرَّب الصاحب منه بحكم الزمالة في المهنة الواحدة ومع مرور الوقت حتى فوجئ به ذات يوم يعهد إليه بالإشراف على الصفحة الرياضية في غيابه مدة شهر لقضاء إجازات تراكمت له على مدى سنوات من العمل.
وعندما شعر الصاحب بنوع من ” حيص بيص” وحاول أن يتملص من هذه المهمة التي اعتبرها الصاحب مهمة ثقيلة.. ولكن أبو نضال طمأنه ولم يدعه “يتمأمأ ” اي يقول.. ” ما.. مو .. ” ؟؟ وإنما حثه على خوض التجربة للتعلم واكتساب مهارات جديدة في عالم الصحافة بكافة انواعها وأشكالها وأكد له أن المواد في غالبيتها جاهزة ومعدة للنشر وليس عليه أن يقلق من هذه الناحية.. وهكذا كان، ومضى الشهر على خير.. ولكن الصاحب حقيقة استفاد من هذه التجربة واطلع على عالم الرياضة المثير وخاصة اللعبة المثيرة كرة القدم ذات الجماهيرية الكاسحة.
وبصفته محررا ليليا في الفجر ومراسلا صحفيا متجولا في النهار كان الصاحب يتابع أبو نضال في مشاركاته الخطابية في المؤتمرات والمهرجانات الجماهيرية التي جعلت منه متحدثا وخطيبا مفوها قادرا على جذب انتباه الجماهير بحماسته وتركيزه على لب الموضوع، وكيف يمكن استنهاض الروح الكفاحية ومقاومة وإفشال ألاعيب الاحتلال ومن يقف خلفه في تدجين شعبنا وتسويق حلوله الاستسلامية الهزيلة.
وكان أبو نضال بارعا سواء في كلماته الحماسية او في طروحاته ونقاشاته الهادئة والرصينة في كشف عوار وخفايا مثل هذه الحلول الترقيعية المتهالكة مع طرح البديل الثوري الذي لا مندوحة عنه رغم إدراكه لكلفته الباهظة، فدحر الاحتلال وجعله مشروعا خاسرا بحاجة إلى كلفة عالية وثمن باهظ من التضحيات وهذا ما أفصحت عنه الانتفاضة العظمى الأولى .
وخلال مدة توقيفي القصيرة إبان الانتفاضة الأولى، تصادف إطلاق سراحي في نفس الوقت من معتقل المسكوبية مع الإفراج عن أبو نضال الذي علمت منه أيضا على باب السجن أنه جرى اعتقالنا في نفس الليلة المشؤومة من ليالي كانون ثاني الباردة عام 1988 .. إذ ظن الخواجا شلومو أن الصاحب سمكة كبيرة حيث عرفني أبو نضال وصلاح زحايكة وآخرين من صياحي وشتمي لجنود الدورية ردا على استفزازي وضربي وإهانتي، ربما كوني أصغرهم عمرا. المهم ، ودعت أبو نضال الذي أمدني بروح التحدي وانطلق هو صوب القدس العربية فيما تقافز الصاحب مسرورا بالإفراج عنه وذهب إلى مكتب المحامية التقدمية اليسارية فيليتسيا لانغر القريب لتقديم شكوى ضد كسر خشمه من قبل جنود الدورية بهدف منعه من “شمشمة ” وتحسس مصادر الأخبار في الانتفاضة!
من الصعب تسطير مشوار “أبو نضال” هذا المناضل العنيد في ومضة عاجلة حيث نترك هذا للمؤرخين وكتاب السير للوقوف على مفاصل حياة من هم أمثال ابو نضال الذين أفنوا زهرة شبابهم في مقارعة الاحتلال ولم يتراجعوا الى الخلف رغم سوداوية وبؤس المرحلة محاولين توصيل وتمرير عصارة تجاربهم الكفاحية وملاحم الصمود في الاعتقال الطويل في السجون والنضال التي خاضوها إلى الأجيال التي أتت وسوف تأتي بعدهم لمواصلة حمل راية الكفاح والمضي قدما، إذ أن أبو نضال إلى اليوم وقد شارف على الثمانين من العمر يمنع مرات كثيرة من مغادرة القدس أو السفر وتقييد حركته من قبل الاحتلال .
وبما أننا افتتحنا الحديث عن الرياضة.. وكي يكون ختام الومضة مسكا.. فلا بد من ذكر أن “أبو نضال” كان لسنوات طويلة مدرسا للتربية البدنية في مؤسسة دار الطفل العربي – كلية البنات جامعة القدس وكانت ” داخلية ” الصاحب إحدى تلميذاته النجيبات.. ” بلاش ننام ع العتبة الليلة في هالبرد ” .
وأهم من كل ذلك أنه يتمتع بلياقة غير عادية في مثل عمره المديد ويمارس رياضة السباحة وتمارين اللياقة البدنية بهمة ونشاط في جمعية الشبان المسيحية بانتظام في الظروف العادية ويقطع البركة مرات عديدة وكأنه شاب يافع.. أعطاه الله الصحة والعافية وطولة العمر ..
ولا بد، أو أن الصاحب يظن أو يخمن بأن بحيرة طبريا قد تكون شاهدة على هذا السباح والرياضي الأول في القدس .
عبد اللطيف غيث بشاربه الكث وعيناه الصقريتان .. مثال للإنسان الصلب والمناضل العنيد تربى في أحضان الكفاح منذ نعومة اظفاره وقدم زهرة شبابه لمبادئ ثورية عظيمة، ما زال شعبنا يسير على هداها لتحقيق هدفه النبيل على الطريق الطويل في الحرية والانتصار الشامل.
كل الاحترام لهذا الإنسان المكافح المبدئي العنيد.. ولهذا الرياضي الفريد في زهرة المدائن الذي قهر الزمن بالصمود والنشاط ومحاربة الكسل والخمول.
