تجارب البرامج المباشرة والحوارية للإذاعات الخاصة
شيخة الفجرية | كاتبة عُمانية
حين اضطرتنا ظروف إعصار جونو في عام 2007 أن ننزح عن بيوتنا، كانت المذاييع رفيقتنا، انكببنا حولها متلهفين لسماع ما يُطمئن القلوب، فهي الوسيلة الوحيدة التي أمدتنا بالأخبار وآخر تطورات الطقس، في ظلِّ الساعات العصيبة التي مرّت علينا آنئذ، إلى أن فرَّج الله كربة عُمان وعدنا إلى بيوتنا “بسلامٍ آمنين”. وذلك ذكرني بما سجلته أدبيات الحروب الحديثة لما للإذاعة من مكانة عاطفية في وجدان الناس حول العالم، والتي رصدت دور المذياع في لملمة الخائفين المحتمين بالملاجئ عليها، فقد كان المذياع والملجأ معًا مصدرًا وملاذًا للطمأنينة ضد انسحاقات الحروب والجوائح والأعاصير، والملفت أن تاريخ أول بث إذاعي، كان لرواية “حرب العوالم” الشهيرة بصوت الممثل أرسون ويلز (1938). ويعود اكتشاف الراديو إلى سنة ١٨٩٦ على يد ماركوني، الذي نجح في إرسال إشارات كهرومغناطيسية عبر الأثير، وفق نظرية “الحث” التي نظَّرَ لها الفيزيائي البريطاني جيمس كلارك ماكسويل عام 1864م، وأثبتها الفيزيائي الألماني هينريتش هرتز في عام 1880م. والتي ملخصها: ” أن الموجات الكهرومغناطيسية يمكن أن تنتقـل من خلال الهواء بسرعة تساوى سرعة الضوء (300000 كم/ث)”. وفي عام 1952 ظهر “الترانستور”، فأحدث نقلة نوعية في استعمال الإذاعة المتعدد على نطاق العائلة الواحدة والأماكن المتعددة، وفي بداية الثمانينيات ظهرت “تكنولوجيا التضمين التردد F.M “، والتي تعني الإرسال والاستقبال الإذاعي، مما عمل على انتشار الإذاعات المحلية والخاصة والمتخصصة، مع ارتفاع جودة الإشارة الصوتية؛ واتساع انتشار ترددات البث.
وقد خصصت اليونسكو يوما دوليًا، هو اليوم الذي يوافق 13فبراير من كل عام للاحتفاء بالإذاعة، وكان أول احتفال به في شهر فبراير من عام 2012، وكانت اليونسكو قد وافقت على اعتماد اليوم العالمي للإذاعة في 13 شباط/فبراير من كل عام، وهو اليوم الذي يصادف ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة عام 1946. ولأن الإذاعة ذات أهمية قصوى في نشر المعلومة؛ يقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته بمناسبة اليوم العالمي للإذاعة؛ إن: “الإذاعة أداة لها مفعول قوي. فحتى في عالم اليوم الذي تهيمن عليه الاتصالات الرقمية، يصل صوت الإذاعة إلى عدد من الناس يفوق عدد من تصلهم أي منابر إعلامية أخرى. والإذاعة وسيلة تنقل المعلومات الحيوية وتذكي الوعي بشأن القضايا المهمة”، فهي منبرٌ “يمكن للناس استعماله والتفاعل على موجاته لإيصال آرائهم وشواغلهم ومظالمهم، بل الإذاعة أداة يمكن أن تشكل المجتمعات المحلية”. وقد رصدت بعض الوكالات الإخبارية العالمية عن أرقام كبيرة تبين مكانة الإذاعة لدى الجماهير، “إذ توجد 51 ألف محطة إذاعية في العالم عام 2015، وأن الإذاعة دخلت أكثر من 75% من البيوت في الدول النامية، وأنها تصل إلى أكثر من 70% من سكان العالم عبر الهواتف المحمولة، ويستمع الناس إلى محطات “أي. أم” (AM) و” أف. أم” (FM) عبر أجهزة الراديو أو الهواتف المحمولة، أكثر من الاستماع إليها عبر الأقمار الصناعية (الساتلايت) والإنترنت، وأن 6.8 مليارات هاتف متنقل في العالم، يمكنه أن يصبح مذياعا رقميا “. وقالت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، في رسالتها بالمناسبة ذاتها: في” هذا العالم الذي يتغير بسرعة، علينا أن نستفيد إلى أقصى حد من قدرة الإذاعة على الربط بين الناس والمجتمعات، وتبادل المعارف والمعلومات وتعزيز التفاهم”، وكما استطاعت الإذاعة، منذ حوالي مائة وعشرون عام، فإن ذلك الأمر لم يتغير كثيرًا، فما يزال دور الإذاعة قائمًا، وإن دخلت وسائل إعلامية منافسة بقوة، ولكن يبقى دور الإذاعة محافظًا على مكانته، لأن الإذاعة متجددة ومتطورة، والتجدد والتطور لا يقصد به البرامج هنا، بل المقصود هنا بالتطور والتجديد في منظومة البث التي تضمن استمراريتها يومًا بعد يوم. استطاعت الإذاعة، منذ البث الأول قبل ما يزيد على مائة عام، وقالت بوكوفا: «كما أن الإذاعة مهمة بشكل خاص للوصول إلى الجماعات المحلية النائية والمهمشة وتعرض على هذه الجماعات منصات لتبادل الأخبار والإعلام مع تعزيز الحوار العام».
وها هي الإذاعة تطرق أبواب التطوّر فتنفتح لها وتدخل في منظومة النطاق العريض (IBB)، والتلفزيون الهجين الجامع بين الإذاعة والنطاق العريض (HbbTV)، والإذاعة الهجينة (HybridCast)، TOPSmedia، Ginga، وDVB الإذاعة الفيديوية الرقمية (Digital video broadcasting).
وأصبح الرائج في إذاعات سلطنة عمان الخاصة هو التلفزيون الهجين الجامع بين الإذاعة والنطاق العريض (HbbTV)، الذي وفِّر منصة تكنولوجية تستطيع النفاذ إلى الإنترنت ومنه إلى بقية التطبيقيات التكنولوجية والرقمية وأجهزة التشفير بشكل حيادي، بعد أن خرج أمر الإذاعات من جلباب مبنى إذاعة وتلفزيون سلطنة عُمان الحكوميين. وذلك لأن منطق الخطاب أنه ذو اتجاهات متعددة، واستعمالات اتصالية مختلفة، فهو “مجموعة المفردات التواصلية المعبرة عن رسالة الاتصالية التي يتداولها الشركاء في اي منظومة اجتماعية محددة” كما يقول سامر فؤاد في كتابه “الخطاب الإعلامي”.
من أجلِ ذلك أقام النادي الثقافي جلسة حوارية افتراضية عن “تجارب البرامج المباشرة والحوارية للإذاعات الخاصة”، وهي تجارب ثرية ومتنوعة، كشف عنها ما دار في تلك الجلسة الافتراضية التي أدارتها عبير المعمري بتحديد أربعة محاور أسهب كلا من سالم العمري من إذاعة الوصال، عبد الله السعيدي من إذاعة الشبيبة، و قصي منصور من إذاعة هلا إف أم f.m في الإجابة والنقاش عن وحول هذه المحاور؛ وهي:
1ـ سقف الحريات في البرامج الحوارية والبرامج المباشرة في الإذاعات الخاصة ومدى وصاية الجهات الرسمية عليها.
2ـ البرامج المباشرة والحوارية بين السبق الصحفي وأخلاقيات المهنة خاصة فيما يتعلق بطريقة تناول القضايا الإنسانية.
3ـ دور الإذاعات في رفع الوعي في المجتمع في مختلف القضايا.
4ـ مستقبل الإذاعات في ظل النمو والتسارع الهائل في عالم الاتصال والإعلام.
وقد اتسم النقاش بالعمق والفائدة لى صعيد المعلومة التي يفوت على الكثيرين معرفتها، والتي أظهرت صدق تقسيم “مارشال ماكلوهان” في طبيعة وسائط الاتصال التيوزعها إلى نوعين إلى نوعين: “وسائط ساخنة ووسائط باردة”.
وتكون الإذاعة والتلفزيون وسائل ساخنة” إذا ما تماهى مع الذوق الشعبوي للمتلقي، فشجع الأعمال الدرامية وبرامج الترفيه والمنوعات التي تدغدغ النزعة الشعبوية للمتلقي. كما يمكنه في نفس الوقت أن يصبح وسيطًا اتصاليًا باردًا إذا ما عرض البرامج الحوارية التي تقدم الرأي والرأي الآخر، وجعل المتلقي يبني وجهة نظره الخاصة، فيساءل واقعه ويسعى لتغييره نحو الأفضل. ويعتبر مباشرة معكم من البرامج الحوارية الباردة التي تناقش قضايا الرأي العام والشأن المحلي. وتمثل البرامج الحوارية العمود الفقري لكثير من الإذاعات المسموعة والمرئية، وكذلك بالنسبة للصحافة بصفة عامة “.
وهكذا مع سعة انتشار التردد الأثيري الإذاعي والموجات اللاسلكية لا تعرف الحدود، فإن الإذاعة لا تتقيد بمستوى ثقافي أو تعليمي معين، فهي للجميع، الأمي والمثقف، تحافظ بينهم على جاذبيتها، وتدهشهم بسرعة تغطيتها للأنباء، والاهتمام بالموسيقى، والأحداث العالمية، التي يتم تناولها بين الطرافة والجدة والثقافة، ناهيك عن القضايا الاجتماعية التي تجد كل عناية من الإذاعات الخاصة؛ ضمن مستويات معرفية. مختلفة.