” السينما والمسرح ” يا زمان الوصل

عبد الرزّاق الربيعي | مسرحي وشاعر وصحافي

” وددتُ أن أعرف ماذا ستفعلون عندما لن يصبح لكم فرصة الصفح والغفران؟ ستتهاوون إذن مثل قلعة من ورق

“كلمات ردّدها الابن (فارس البلوشي)  على مسمع الأب (يوسف البلوشي) في مشهد جمعهما بمسرحيّة “الصراع”، للكاتب اليوناني يورغورس سكورتيس، والمخرج د. عبد الله شنون

وكانت كافية لتعيدني إلى أيّام خلت، أيّام المهرجانات المسرحيّة، والعروض التي تحلّق بنا عاليا، ظلّت تفاصيلها مخزونة في الذاكرة، والجمعية العمانية للسينما والمسرح، استشعرت ذلك، لذا تحاول اليوم أن تعيد وصل ما انقطع، من خلال إنتاج عدد من الأعمال المسرحيّة، والسينمائيّة، في خطوة نعوّل عليها كثيرا في طريق طويل، لتتدفّق المياه بنهرالمسرح العماني مجدّدا، بعد أن أوقفت الجائحة مجراه، واعترضت طريقه الكثير من المعوّقات التي كان أبرزها عدم توفّر قاعة مناسبة للعروض، وقبل أيام قمت بزيارة لمقر الجمعية، والتقيت عددا من مجلس إدارتها، وسررتُ كثيرا عندما شاهدت القاعة الكبرى لمبنى الجمعيات الثلاث(العمانية للكتاب والأدباء، والصحفيين العمانية،  والعمانية للسينما والمسرح) قد اكتملت، هذا المرفق  طالما حلمنا به، فهو يتّسع لحوالي 750 مقعدا، مجهّزا بمستلزمات العروض وأجهزة الصوت، والإضاءة، ليكون جاهزة لاحتضان الفعاليات، وسيتم تدشينه بعد فتح الأنشطة بعونه تعالى، وبذلك سيجد المسرحيّون العمانيّون حلّا لمشكلة عدم وجود قاعة بمواصفات جيّدة تحتضن مهرجاناتهم، وعروضهم منذ إغلاق قاعة مسرح الشباب قبل حوالي خمسة عشر عاما! ويمكن الاستفادة منها في ذلك بالتنسيق مع إدارات الجمعيات الأخرى التي تشترك معها في المبنى

وليست هذه القاعة هي المرفق الجديد الوحيد في مبنى الجمعيّة التي وفّرت المكان المناسب لتدريبات الفرق المسرحيّة أعمالها  القادمة، بعد التأكّد من اتخاذ الإجراءات اللازمة للتباعد، وملاءمة الظروف الصحيّة، لاستئناف الأنشطة، ففي زيارتي لمقرّ الجمعيّة دخلت ممرّا يؤدي لقاعة صغيرة لم نكن ننتبه لوجودها، لها مدخلان الأول من “بوابة المركز الإعلامي ” والثاني من الخلف، تلك القاعة تصلح لتقديم الأعمال التجريبية جرى تحوير جانب منها ليكون خشبة، وتأتي هذه الخطوات (أعني الانتهاء من تجهيزات القاعة، وإنتاج الأعمال الفنية المسرحيّة والسينمائيّة، وتأهيل قاعات أخرى لاحتضان تدريبات الفرق) بعد أكثر من عامين مرّا على دمج الجمعيّة العمانية للمسرح بالجمعية العمانية للسينما بقرار من وزارة التنمية الاجتماعية، بكيان واحد، وانتخاب إدارة مشتركة وضعت خططا نفّذت بعضها، وجاءت الجائحة لتوقف الجزء المتبقّي من برامج الإدارة التي قاربت دورتها على الانتهاء، لقد أعادت هذه الخطوات للنفوس الأمل، فهي كفيلة، لو استمرّت بتنشيط الحراك السينمائي، والمسرحي، وهذا ما أكّده  المخرج  عمّار آل ابراهيم رئيس لجنة الإنتاج بالجمعية وعضو مجلس ادارة الجمعية، حين تحدّث عبر برنامج ” الأربعاء السينمائي” عن قيام الجمعيّة بانتاج ستة أفلام وثائقية، وروائية قصيرة، وفي المجال المسرحي تمّت الموافقة على أعمال، منها عرض كوميدي لفرقة نخل للمسرح عنوانه “مستر اسستنت” من تأليف، وإخراج عبدالله الرواحي، وهناك مشاريع أخرى عديدة تنتظر التنفيذ، وأتيحت لي، خلال الزيارة، فرصة حضور تصوير فيلم روائي قصير للفنان فارس البلوشي، فكانت، هذه المشاريع،  بشائر خير في خضمّ ظرف صعب يواجهه المسرحيون، والسينمائيون على حدّ سواء، وكانوا بحاجة لجهة تدفع الحراك للأمام، وليس للمسرحيين والسينمائيين سوى جمعيّتهم التي سبق لها أن أقامت مهرجانات دولية، ولا ينقصها الدعم الحكومي، ولديها مبنى يتّسع للكثير من الأنشطة،هذا الحراك الفنّي، كنّا ننتظره منها، فالعمل الفني يحتاج دعما، يغطّي احتياجاته، ويضمن ديمومته، ومادامت عجلة الإنتاج قد تحرّكت، لابدّ أن نفكّر بسبل كفيلة باستمرارها، ولن يتحقّق ذلك إلّا عن طريق وضع خطط تسويقيّة، وبرامج، قائمة على قراءة المشهد بعين فاحصة، بحيث تكون تلك الأعمال نواة لعروض قادرة على تمويل نفسها ذاتيا في المستقبل، وبهذه الطريقة نضمن عدم توقّفها تحت أيّ ظرف من الظروف، ما دام الحماس موجودا.


في نهاية الزيارة، لملمت أوراقي، وبهدوء غادرت قاعة التدريبات، وكان صوت الفنان يوسف البلوشي يرتفع مخاطبا ولده (فارس): ” نفس الكلمات على لسانه دائما، يلوك الدرس المعتاد… يا أيها المسكين اخرج أوّلا إلى الحياة”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى