ومضات الصاحب الباهرة في حضرة المتميزين والعباهرة (40)
محمد زحايكة | القدس – فلسطين
أسعد الأسعد.. حامل شعلة الثقافة والإبداع الشعري والنثري طيلة عقود
لا ينسى الصاحب أناقة الكاتب والشاعر المعروف اسعد الأسعد وابتسامته الرقيقة كلما سنحت الفرصة للقائه وهو يجول بين كوكبة من المثقفين والكتاب والأدباء منتشيا مسحورا ومأخوذا بالكلمة الجميلة شعرا ونثرأ. وكان يطيب للصاحب مطالعة مجلة الكاتب الأدبية الفكرية التي كان يرأس تحريرها الشاعر اسعد الأسعد أبو شروق حيث استقطب إليها كوكبة من الكتاب والنقاد والشعراء حيث كانت تنافس بقوة مجلة الفجر الأدبي التي كان يرأس تحريرها الشاعر الراحل علي الخليلي .
وطالما صادف الصاحب أبو شروق وهو يزور الشاعر الخليلي في مكتبه ويتجاذبان أطراف الحديث بكل مودة ومحبة ربما لشعورهما بأنهما مسؤولان بشكل أو بآخر عن نهضة الحركة الأدبية بعد منتصف السبعينات وفي عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين حتى مجيء سلطة أوسلو الموقرة.
والشاعر الأسعد انسان دمث الخلق متواضع محب للحياة ومتعها الصغيرة حيث كنا نشاهده والسيجارة مع المصاصة الصغيرة غالبا لا تفارق شفتيه وهو يناقش ويبدي ملاحظاته الفكرية والأدبية بصوته الأجش الذي يمتلك بحة جميلة مميزة .
وكانت تربطه علاقات متينة مع مختلف أطياف الكتاب في جميع أنحاء الأراضي المحتلة الذين يقدمون لزيارته في مكتب مجلة الكاتب التي فتحت صدر صفحاتها لعدد كبير منهم على سبيل المثال صبحي شحروري وجميل السلحوت وإبراهيم جوهر ومتوكل طه وعبد الناصر صالح والراحلان جمال بنورة وخليل توما وسميح فرج وجميل حسين الحوساني وماجد ابو غوش ومعين جبر وعزت غزاوي ود. سمير شحادة وقائمة طويلة عريضة من كتاب الأرض المحتلة ومن الداخل الفلسطيني يصعب حصرها في هذه العجالة.
وكان الأسعد يتعامل بانفتاح واع ومتبصر مع هذا النتاج الأدبي المتنوع ما دامت رسالته وطنية وتقدمية ويحض على بناء الإنسان الجديد المنتمي والمستعد للدفاع عن قضيته الوطنية بدون تردد. وقد أكبر الصاحب ابو شروق بعد أن عرف ان الأغنية الوطنية التي اشتهرت كالنار في الهشيم.. نزلنا ع الشوارع رفعنا الرايات والتي غناها الفنان وليد عبد السلام هي من تأليفه، حيث لطالما رددناها حتى بحت أصواتنا في المسيرات والمظاهرات الوطنية التي كانت تشتعل في الجامعات الفلسطينية بين الفينة والأخرى .
وتتصف شخصية الشاعر اسعد الأسعد بالروح التقدمية والقناعة الوطنية المبنية على أسس علمية ومنهجية تحترم حرية التفكير إلى أبعد الحدود حيث أخبرنا ذات مرة أن ابنته وبكره شروق قررت في مرحلة معينة ارتداء اللباس الشرعي أو الجلباب وعندما سألته رأيه رفض التدخل في قرار يخصها وحدها وذلك احتراما لقرارها الشخصي واستقلالها رغم أنه والدها، وهذا ما دفعها ربما للعودة إلى زيها العادي بقرار حر من ذاتها ، فلو انه ضغط عليها لارتداء ما يرغب هو ، ربما لتشبثت برأي معاكس وأصرت على المخالفة والتحدي . كما ترك لشقيقتيه هيفاء و امال اسعد الحرية في مناصرة حزب يساري آخر غير الحزب الذي كان يؤيده هو بنفسه، وهذا دليل على سعة أفقه وعدم تعصبه لرأيه وفكره بل يترك لأقرب الناس إليه اتخاذ مواقفهم بكل حرية واستقلالية .
كان الجلوس في محضر الكاتب والشاعر الأسعد الذي لجأ إلى فن الرواية في السنوات الأخيرة خاصة بعد تعيينه سفيرا لفلسطين في طشقند وشقيقتها سمرقند عاصمة أوزبكستان من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق .
كان الجلوس إليه والاستماع إلى حديثه، شيئا فيه متعة نظرا لثقافته الواسعة ومتابعته للشأن الثقافي والإعلامي والسياسي وإصداره جريدة البلاد لفترة من الزمن قبل أن يلتحق بالعمل الدبلوماسي .
ايام اسعد الأسعد.. من أجمل الأيام حيث كان المشهد الثقافي والأدبي في فلسطين في حالة من الانتعاش والتألق بمضامين وطنية وإنسانية وتقدمية. كانت حقبة مضيئة وكان الأسعد احد فرسانها وروادها الاصائل بلا منازع .
الشاعر والروائي اسعد الأسعد قامة أدبية تركت بصمة كبيرة وما زالت في المشهد الإبداعي الفلسطيني، أبدعت وتألقت بدون ضجيج بعيدا عن المشاحنات والهوبرات والزعبرات التي اتصفت بها إلى حد ما حقبة أوسلو التي اطفأت الكثير من شموع الإبداع وحولت الحركة الأدبية إلى تابع يلوك كلاما فجا وممجوجا، الا من حالات وارهاصات نادرة تبقى الأمر الشاذ الذي يؤكد القاعدة .
كل الحب والاحترام للمبدع الفذ أسعد الأسعد الذي حمل شعلة الثقافة الفلسطينية الوطنية بنكهتها التقدمية طيلة عقود من الزمن دون كلل أو ملل .