أردوغان بين تبعات حلف الأطلسي والسلم في أوكرانيا

سعيد مضيه | فلسطين

“تحتفظ تركيا بمكانة تؤهلها لأن تكون المكان المختار، وربما الوسيط لمواصلة الصلات الدبلوماسية بين روسيا وأوكرانيا. وموقف أردغان الحازم من فنلندا والسويد ضروري للحفاظ على ثقة روسيا”. هذا ما اورده في مقالة “حول تركيا وحلف الناتو”، نشرها في18أيار الفائت كريغ موراي، الكاتب البريطاني والمذيع والناشط في مجال حقوق الإنسان. عمل سفيرا لبريطانيا في اوزباكستان، ثم محاضرا جامعيا،و حاليا يهتم بقضايا التصدي لعدوان الدول الامبريالية وعملائها في بقاع المعمورة. يكتب موراي:

أكتب من تركيا لأنه إن كان ثمة تحرك لإنهاء الحرب في أوكرانيا فسيبدأ من هنا.
موقف الرئيس إردوغان الحازم باحتمال نقض عضوية كل من فنلندا والسويد بالناتو مؤطرة فقط بما أعلنه علاقة بما تخيله دعم البلدين للمقاومة الكردية. ألا ان الأمر أعمق من ذلك بكثير.
يدرك إروغان أن تقدم حلف الناتو شرقا ، وبالأخص توسيعه بضم فنلندا يشكل صفعة بوجه الرئيس الروسي بوتين، من شانها ان تزيد صعوبة وتعقيد التوصل الى صفقة سلام في أكرانيا.
ولكن يتبادر السؤال: هل يقْدم أردوغان على بذل جهود الوساطة والتمظهر بحمامة سلام في حين يؤجج الأوضاع ويتحدى الوجود الأميركي شمالي سوريا؟ لايتطرق موراي إلى هذه المعضلة.

اي صفقة كهذه يتوجب أن تقام على قاعدة تنازل روسيا عن بعض الأراضي الأوكرانية التي باتت تستولي عليها. والتوسع الدرامي لحلف الناتو هو النقيض المطلق لخلق شروط التسوية السلمية. في الحقيقة ان مواصلة حلف الناتو النشطة خطة التوسع بيّنة على ان الحلف يتطلع لحرب مديدة بالوكالة بهدف استنزاف روسيا، وليس محاولة استعادة السلم والاستقرار في أوروبا. وقد اكد بايدن لماذا تحتاج الولايات المتحدة هذه الحرب.
عشرات الملايين من الأوروبيين يرددون الأغنية عن اكرانيا بما يظهر بوضوح موجة من المشاعر تطبق على الأوروبيين.
والى ان تتوقف اندفاعة الموجة، ربما يتراجع موقف الجمهور في فنلندا والسويد.بات واضحا ان بوتين يستهدف، خلال ازيد من عشر سنوات، إعادة دمج المناطق الماهولة بالروس المواطنين سابقا في الاتحاد السوفييتي داخل الاتحاد الروسي. هذه الأجندة تتسبب حاليا في حرب مدمرة، لكنها لا تشكل تهديدا عسكريا لفلندا او السويد.
تحتفظ تركيا بمكانة تؤهلها لأن تكون المكان المختار، وربما الوسيط لمواصلة الصلات الدبلوماسية بين روسيا وأكرانيا . وموقف إردغان الحازم من فنلندا والسويد ضروروي للحفاظ على ثقة روسيا.
وبالطبع، لتركيا علاقتها التاريخية شديدة التعقيد والراهنة مع روسيا، الأمر الذي يكتسب أهمية أفضل من أي دور تلعبه نظرا لكونها عضوا رئيسا في حلف الناتو. ويجدر أيضا ان نأخذ بالحسبان أن تركيا قوة اخطر بكثير عسكريا من فنلندا والسويد.
وهناك مصلحة تركية أخرى بالتحديد تلعب دورا، تشكل عنصرا قويا في رغبة إردوغان للتصدي للرئيس الأميركي، جو بايدن بصدد دخول فنلندا والسويد حلف الناتو. يعود هذاالعنصر، بالطبع، الى التوتر الدائم بين عضوي الناتو، تركيا واليونان.
تركيا حانقة من عسكرة الجزر الشرقية التابعة لليونان ، القريبة جدا من شواطئها، وغياب الدعم والتفهم من بقية أعضاء الناتو بصدد التهديد المتخيل.
ليس من شكوك تحيط بمكانة الجزر اليونانية (دوديكانيز) الأبعد شرقا . فقد ثبتت بمعاهدة باريس 1947 ، التي وقع عليها جميع الأعصاء الدائمين في مجلس الأمن ودول أخرى عديدة. إن نزع سلاح هذه الجزرأمر واضح ، ولم تنفه اي معاهدة أبرمت بعد هذا التاريخ.
وجزر اخرى يونانية، منها ليسبوس وليمنوس، محاذية من جهة الغرب مثبتة وفق معاهدة لوزان عام 1923، وتدعي اليونان ان وضعها تعدل بموجب ميثاق المضائق المبرم عام 1936. لا اعتقد بصحة الادعاء، إلا انها قضية أكثر تعقيدا مما يتطلبه امر تطويرها في الوقت الراهن. اما معاهدة 1947فلم يجر عليها تعديل.
مع كل هذا فإن اليونان قد تقدمت بطلب تسليح جزر دوديكانيز على نطاق واسع وما تزال تطالب، بما في ذلك تموضع عشرات آلاف الجنود ، وبصورة خاصة صواريح أرض –ارض بعيدة المدى.
تعتبر تركيا وروسيا هذه المطالب تهديدا لكل منهما. والحكومة التركية على قناعة تامة ان العسكرة قد جرى تنفيذها بتعاون نشط من جانب الولايات المتحدة ، ومشاركتها ، وربما بإيعاز منها.
صرح أردوغان في شهر شباط الماضي أن المعاهدتين اللتين تحددان نزع السلاح هما نفس المعاهدتين اللتين تخضعهما لسيطرة اليونان ، وإذا كانت اليونان تستخف بالمعاهدتين ، فإنها بذلك تضع سيادتها موضع التساؤل . وفي الحال تلقى إردوغان ردا سلبيا من إدارة بايدن.
غضب تركيا، إذن ، من سلوك الولايات المتحدة في جزر بحر أيجه ، حيث رأت فيه تهديدا عسكريا مباشرا، شكل سببا آخر لكون إردوغان غير قلق من تأجيل أجندة بايدن في بحر البلطيق. اشتط غضب تركيا حين أدركت ان موقف الولايات المتحدة مخادع حقا، إذ ترفض الالتزام بمعاهدة دولية هي شريك بها ( موقف تعقد من جانب تركيا نفسها، حيث انها ليست شريكا بمعاهدة 1947)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى