بعثراتُ حياة

تهى العبرية | كاتبة عُمانية

“ وإنّ لِنفسكَ عليك حقا“. قد تقسو على نفسكَ أحياناً بتهميشها وهضم حقّها كما يجب وسط معْمعة الحياة ومشاغلها، وتحت شمّاعة ” أنا مشغول”. وقد تلهو عن عائلتك وأقربائك وأقرانك وتكتشف ذلك بعد أن غادر القطار ومضى. وقد تبدو كزهرةٍ تُكرمُ النحل برحيقها وتنشرُ الطِيب بعطرها الفوّاح، وفي لحظةٍ ما يحصل أنْ تنقلبَ إلى بركانٍ ثائرٍ لأتفَه سبب وتخسر مزاجك ومن حواليك في ذلك اليوم. هكذا حال بني آدم الهرولة للرزق ومواجهة العقبات والتحديات، وبين هذه العقبات قدْ تطرأ أموراً خارج نطاق الحسبان، ولكن العمر يمضي فلا تنسى نفسك ولا تفهمها متأخراً. تحت هذه السطور بعثرات مختارة من رزمة جرعات إيجابية داعمة للذات إذا ما استطعت تطبيق ولو جزء منها.
كُن دائماً أنتَ وقدّس نفسك ودللّها حتى وأنتَ في بيتك ولو بشيء بسيط خصّص وقتاً لنفسك فقط، تحتاج فترات إلى عُزلة وهدوء، استيقظ باكراً، اشرب قهوتك المفضلة، مارس رياضتك المحبّبة، واقرأ ما تيسّر من كتابِ الله ليفتح لك باباً جميلاً بيومٍ جديد، واتبعه بقراءة كتابك الخاص وتثقّف، غذّي عقلك، لا تحصر نفسك في دوامة واحدة ولو كُنتَ وسط كومة مشاغل، فالأعمال لا ولن تنتهي، كل يوم يُصبح يبدأ وحاملاً معه جدول أعمال قرين الاشغال الخاصة وهكذا الحياة. مارس هواياتك واصقلها لا تقتصر على تخصص عملك فقط، أغلب المبدعين ممن يكتبون ويرسمون وينحتون ويخترعون هم من العاملين في المجالات الإدارية والفنية، اعتبرها فسحة لتجدد من طاقتك الجسمية والعقلية وتفرّغ ما بداخلك، حتى تعطي أكثر في مجالك وتخصصك، سيُشعرك هذا بالارتياح والثقة والاستقرار. لا تُزحم أجندتك اليومية، ضع مساحة بيضاء خاصة لك وستعشقُها مع الأيام، فالنفس بحاجة إلى تغذية روحية وعزلة لبُرهةٍ من أجل التوازن.
لا تنظر ما عند غيرك ولا تقارن، اقنع بما لديك واستمتع بكل ما تملكه مهما كان بسيطاً وصغيراً، ضع حداً لرغباتك وغضّ البصر عن غيرك حتى لا تُشعل بركان المقارنات والتكلّف لتوفير أشياء لا تلزمك أو فوق طاقتك، فهذا يستهلك مالك وطاقتك وصحتك، الشكل الخارجي وما تملك من منزل وسيارة وما تلبس ليس مقياساً لمكانتك وقدرك في المجتمع وإنما أخلاقك وما تعمل وما تُقدّم هو المقياس، فأنتَ من يجعل نفسك سعيداً ومستمتعاً بما لديك.
لا تؤجل أي كلام يجولُ بخاطرك لأي شخص كان، مهما كان هذا الفرد وما تربُطك به من علاقة فلا تضمر شيئاً في قلبك، عبّر عن مشاعرك، لا تخجل ولا تتأخر، فقد تفوت الفرصة، وقد يغادر قبل ان تُفصح له، أياً كان نوع الوداع وأحزنه الموت، لذلك أطلق همساتك ومشاعرك فهذا يُشعرك بالأمان والراحة وتتقوى العلاقة وتدوم بالآخذ والعطاء.
لكل فردٍ منا شخصية مختلفة ووجهات نظر متنوعة في الحياة، لكل واحد منا لديه مفضّلات خاصة، ويُفسر بعض المواقف من منظوره الخاص، ولكل واحد منا أسلوبه الخاص في النقاش وفضّ النزاع وفرض الفكرة أو اقناعها، البعض ينتقد كثيراً حتى لو تعدى حدود المعقول، والبعض ينتقد بمنطق وبرهان، والبعض يركز على أشياء بسيطة وقد تكون لا تعني شيئاً عند شخصٍ آخر. رغم كل هذا فكن ذا طمأنينة وأقل حدّة، تعلّم أن تتقبل وجهات النظر واختلافها، تتقبل اختلاف الشخصيات فأصابعك ليست واحدة، تغاضى في بعض الأحيان وخاصة مع عزيز وصديق وحبيب، لستَ مجبوراً أن تقتنع بوجهة نظره ولكن احترمها بدون غضب وتجريح. كُن سلساً في الحديث وفي تقبّل الآراء بدون نبرة او حدّة، حتى يرتاح من يجالسك وترسم في محياه روح الثقة والاطمئنان والراحة حتى تكسبهم بعيداً عن الخلافات، فأنت لديك وجهات نظرك، فلا ضرر ولا ضرار. لأن التسرع في الحكم والدخول في الصراعات عند الاختلاف يُخرجكَ من طورك، قد تغضب ويعلو صوتك، وقد تشيح بيديك وأنت مملوء غضباً، ويصل بك الهذيان والصراخ لفقد السيطرة على النفس، فلا تحرق اعصابك وتستهلك طاقتك، غيّر هيئتك وتناسى وسيُيسّرها الله بعونه لتنعم بالسلام الداخلي.
وختام البعثرات مع محاربة السرطان ” هولي باتشر” كتبت رسالة حزينة قبل ساعات من رحيلها، وأصبحت كلماتها وقْعاً على مسمع كل فرد اطّلعَ عليها كرسالة ونصيحة موجهة له، قالت في مطلعها” إنه لأمرُ غريب بأن تدرك وتتقبل قدَرك وأنت في السادسة والعشرين من عمرك فقط! إنه واحدُ من الأمور التي ستسعى إلى تجاهلها. تتعاقب الأيام كما أنك لا تتوقع منها إلا أن تتوالى، إلى أن يأتي ذلك الأمر غير المتوقع، لقد تخيلتُ نفسي دائماً بأنني سأتقدم في السن وتملأ وجهي التجاعيد ويصبح شعري فضياً، لقد خطّطت لبناء حياتي مع شريك حياتي، أرغب بذلك الأمر بشدة، إن هذا مؤلم. هذه هي الحياة، هشة، ثمينة، ولا يمكن التنبؤ بها، وكل يوم لنا على قيدها هو بمثابة هبة وليس حقاً ممنوحاً، أنا في السابعة والعشرين من عمري الآن ولا أود الرحيل، أحب عائلتي وأنا سعيدة ومدينة بذلك لأولئك الذين يحبونني، إلا أن هذا الأمر يقع خارج نطاق إرادتي ولا يمكنني التحكم به، أريد للناس أن يتوقفوا عن القلق كثيراً حول ضغوطات الحياة الصغيرة والتافهة ويحاولوا أن يتذكروا بأننا وبعد كل شيء سنواجه ذات المصير، افعلوا ما بوسعكم لجعل أوقاتكم عظيمة وجديرة بأن تُعاش بعيداً عن الهراء”.
اشتري راحة بالك وصحتك فالعُمر يمضي ويأخذ من صحتك وطاقتك، لا تنسى نفسك، ذاتك هي كيانك، في نهاية الأمر ومع كل هذه العلاقات سندُكَ الوحيد بعد الله عزّوجل هو نفسك، فكافئها واعتنِ بها، والتفت لمن حولك يهتمون ويحبون ويقدّرون وبحاجة إلى وجودك وقربك، وانتهز كل الفرص الجميلة والبسيطة معهم قبل فوات الأوان، اعشق روحك ونفسك وستعشق كل جميل حولك وستُعطي، وما دُمتَ بصحة وعافية فأنت قادر وقُل الحمدلله، ومثل ما يقولون اعتنِ بقلبك فهو يظهر على وجهك.