أنا المكتملة بِكِ
عبير محمد (يمامة النيل) – مصر
(في هذا اليوم من العام الماضي كانت الغيوم كثيف، والبرد قارس ومساء هذا الليل دامس الظالم، والقلب كان شديد الخوف يرتجف والوحشة تتملكه افتقدتك في تلك اللحظات آماه وكانت ملائكة السماء تحف روحك الطاهرة الصاعدة إلى بارئها وأمطرت عيون الجنان)
أما ه…
يا أول الأوطان
وآخرَ المنافي
يا طوق نجاتي…
أنا لست سواكِ…
أنا لست سوى
ما حلمتِ يا طفلةَ الغيم،
أنا أنتِ، ضوءٌ وسَنبلةٌ يتعانقان.
لنْ أبحثَ عن معناكِ في ضباب المجاز،
أنا المكتملة بِكِ فوق اليقين،
طيفكِ ريشة في الرياح تحملني،
وشذا أشواقكِ ينفح روحي بنسائمك
التي شارَفَتِ القلبَ ولم تقتربْ.
اسقني نظرةً تعيد وعييَ
لحنًا يترنمُ بي،
يعزفني على موجة هاربة
تقتات أنفاس الندى،
بفجرٍ يمزق قَيدَ الأرق،
ويطفئ شموع أنيني،
وأنت ترفرفين حول الغيم،
تغردين في حقول الفرح،
يا جنة تجلّت في بهاء الحلم،
أنا ظِلُّ حرف حائر
باغتَ الأوراقَ بالكتابة عنك.
الآن أنفض غبار الضجر عن وجهي الخربِ،
أدفعُ النسيان في غربة روحي،
ثم أجمع الأشواق المتبعثرة
كي يبوح بك المطر،
وأراك يا بعض روحي
لكي أرتوي منك، وما ارتويتُ،
بعثرني الصدى،
هل أشرب حزني برعشة ذكراك،
مر عام واستبد وجع الفقد
وَالروحُ سجينةُ الحُزنِ السرْمدِيّ،
في الوقت الممتد بين وجعي
وما تبقى من قطراتك الحانية.
خلف النهار أنام وحيدة،
يجتاحني الشيب،
أنا لست أنا،
ناسكة تاهت عن مناسكها،
والمدى نايٌ معتق بالآهات،
هديلُ يمامةٍ على غُصنِ حنيني،
يبست محاجري ببركِ الدموع،
وأنا خاشعة امام مقبرة القلب،
ممزقة أنا في نهاية هذا العام،
يجيء الوجع ثقيلا، يسيل مِنْ مقلِ الحكايات،
أتذهبين وحدك، وطيفك لا زال
يطاردني من قسمات الحرف،
هنا مقعدك، شرفةٌ تطلُّ على العالم الهزيل،
ولا زال صوتك الشّجيّ ترانيم صلاة،
فراديسَ من نورٍ بعيدٍ،
وطريقاً إلى بيتنا العتيق،
يا سليلة الملائكة اختبأنا بحضن التيه،
ورياحٌ فرعونيةٌ تعصف بأمانينا،
بعدكِ أصبح البيت واهنا،
والحوائِطُ عليلةً والمساءاتُ كئيبةً،
ونحن بعدكِ نرتق آلامنا بالصبر
ونخيط الأغاني الحزينة ثوبا
كَي نمنح للعتمة لغة الضوء.
الرُّوحُ تنزف آهاتٍ تبحث عنكِ
في مداراتِ أَناً مسلوبةٍ،
يا سيدة الحياة…
أغفو وأصحو على سواحل عينيك
والأرق يتوغل بِي ذاكرة جنازة
تمزقني بقلب مصلوبٍ،
يبكي نعيك على منابر الشمس،
ورقصةٌ يكتبها الماء فوق
أشواك الحكايا.