تخمة إعلامية

مرفت عبد العزيز العريمي | كاتبة عُمانية

شعور بالانتفاخ والتخمة وعدم التركيز سمة من سمات العصر الحديث، فمن منا لا يعاني من التخمة بأنواعها المختلفة سواء أكانت التهام كل ما لذ وطاب من الأطباق الشهية من الطعام أو التعرض لموائد كبيرة من المعلومات حتى أصبحت متلازمة التخمة المعلوماتية من الأمراض التي تحتاج إلى التدخل العلاجي وجلسات علاجية تبدأ بالإبتعاد المؤقت عن وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي حتى ننظفعقولنا من السموم ونستعيد رشاقتنا الذهنية.. فما نعيشه من التشويش على أرض الواقع ما هو إلا دليل على تفشي الظاهرة، فالبعض أصبح يعاني من عسر الهضم في عقله لأنه على مدار اليوم يلتهم وجبات معلوماتية فوق قدرة وتحمل الدماغ ففقد القدرة على هضم المعلومات وتمييز الغث من الصحيح.
في السابق كانت مصادر المعلومات محدودة وكانت تقتصر على وسائل الإعلام التقليدية من إذاعة رسمية واحدة ومحطة تلفزيونية وبعضا من الصحف والمجلات التي تنقل لنا أخبار العالم، ثم تطور الأمر إلى مجموعة من الصحف والقنوات والإذاعات الخاصة؛ أما الواقع الذي فرضته علينا الشبكة المعلوماتية منذ ظهورها فهو عشرات الآلاف من القنوات والصحف والمجلات الافتراضية التي تبث على مدار الساعة كماً هائلا من المعلومات والبيانات، لا نعلم مدى مصداقيتها والأيدولوجيات التي تقف وراءها.
في الماضي كان هناك متسع من الوقت لهضم المعلومة للتأكد والتمحيص من صحتها بالإضافة إلى دور المؤسسات والأسرة، أما اليوم نحن نعيش في عصر المعلومات والبيانات الضخمة فمصادر المعلومات لم تعد محتكرة على مؤسسات بعينها؛ بل أصبح الكل صانعا للمعلومة وإداتها ومستهلكها، وهنا تكمن المشكلة فالأهداف تعددت والغايات كذلك في المقابل ليس كل فرد منا متخصصا أو يمتلك الدراية الكاملة لينتقي المعلومة الدقيقة دون زيف. والإنسان بطبعه يميل إلى تصديق الأخبار السلبية كغريزة طبيعية استعدادا لدرء الخطر، لذلك تتفنن وسائل الإعلام في نشر الأخبار السلبية والتغاضي عن الأخبار الإيجابية، لدرجة التشاؤم أو تبث برامج ترفيهية سطحية لا تحمل أية منفعة غير المزيد من الإسفاف .
العالم يتحدث اليوم عن ما يجب أن يمحو من معلومات وبيانات في عصر البيانات الضخمة وشبكات الانترنت والتواصل الاجتماعي، فالذاكرة البشرية لا يمكنها تخزين كافة البيانات المعروضة لذلك؛ فإن من سمات الإنسان المعاصر كثرة النسيان.
في السبعينيات من القرن الماضي تحدث الكاتب الأمريكي ألفين توفلر عن حقبة الإغراق المعلوماتي والبيانات الضخمة وتأثيراتها على العقل البشري، فما أنتجه العالم في العقود الأخيرة يعادل ما أنتج خلال قرون من التاريخ البشري ولذلك فإن المعلومات الكثيرة تؤثر بشكل سلبي على قدرة العقل على اتخاذ القرار هذا أيضا ينطبق على أصحاب القرار فهم أيضا يتشوشون من السيل المعلوماتي الهائل، مع إن الاعتقاد السائد وفي تفسير البعض لمفهوم الشفافية وإتاحة المعلومات للجميع بضرورة إتاحة أكبر قدر من المعلومات وبشكل عشوائي إرضاءً للجماهير وجماعات الضغط.
ولنا في المعلومات المنشورة عن الجائحة لنموذج حي عن التخمة المعلوماتية التي أحدثت قدرا كبيرا من التشويش لدى المجتمعات حتى أنها ساهمت في عرقلة تنسيق جهود المجتمع للتصدي للجائحة لتعرض المجتمع لكم هائل من المعلومات من كل حدب وصوب.
في هذا الوقت نحن بأمس الحاجة إلى الأمن المعرفي كجزءً من الأمن القومي فالمعطيات كلها تشير إلى عدم استجابة المجتمع للرسائل الإعلامية والتوعوية حتى إن كانت قضية مصيرية كما هو الحال بالنسبة لحملات لقاح كوفيد١٩وقبلها حملات الإجراءات الاحترازية للتعامل مع الفيروس التاجي.
بطبيعة الحال فإن اللجوء إلى حملات إعلامية توعوية منسقة تنسيقا دقيقا بمشاركة علماء النفس والاجتماع والمختصين في مجال الصحة للخروج بحمية إعلامية صحية رشيقة فاعلة مؤثرة تعزز من الاستجابة الغيجابية للمجتمع.
أما بالنسبة للأفراد فإنه أصبح من الضروري أن نتناول ما يكفينا من معلومات دون إفراط أو تفريط باتباع حمية معرفية في عام ٢٠١٠ قدما كلا من كوفاتش وروزنستيل وهما يعملان في مجال الإعلام حلا للتخمة المعلوماتية في كتابهما المشترك بعنوان: كيف تعلم ما هو الحقيقي في عصر الانفجار المعرفي، فقد عرضا حمية صحية لمعالجة التخمة وهي عبارة عن مجموعة من الأسئلة يجب أن يتدرب عليها الفرد ويطبقها عند التعرض لكافة وسائل الغعلام وشبكات الإنترنت حتى لا يقع فريسة للمعلومات المغلوطة وهي ماهية المحتوى الذي يتلقاه؟، هل المعلومات كاملة أم ناقصة؟، كيف يمكن أن يتحقق من مصداقيتها؟، من هو مصدر المعلومة؟، وهل يمكن الوثوق به؟ ،هل هناك مصادر أخرى لنفس المعلومة ؟، وأخيرا هل يحتاج لهذه المعلومات؟.
تلك الأسئلة تساعد في فلترة المعلومات التي نستهلكها بشكل مقصود أو عشوائي فإن تدربنا عليها بشكل جيد سنحافظ على رشاقتنا الذهنية مع التقليل من التعرض للمعلومات وانتقاء مصادر محددة وأخذ إجازة من وسائل الإعلام بين فينة وآخرى.
دمتم في رشاقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى