الانتخابات الإسرائيلية: أزمة الجمع بين الديمقراطية والاحتلال
د. أحمد رفيق عوض | رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس
تعود إسرائيل إلى صناديق الاقتراع للمرة الرابعة خلال سنتين تقريباً، وذلك في أسوأ مراحل نظامها السياسي والاجتماعي، تعبيراً عن عمق الشروخ وتصاعد الجدل بين مكوناتها حول طبيعة الدولة وشكل المجتمع ومرجعياته.
المكونات الاجتماعية والسياسية في اسرائيل لم تستطع أن تشكل حكومة متجانسة منذ أكثر من سنتين، ليس فقط بسبب الخلافات حول تقاسم السلطة وتوزيع الميزانيات، وليس فقط بسبب الفشل في مواجهة الكورونا وارتفاع معدلات البطالة، وليس فقط بسبب تغول نتنياهو الشخصي على استقلالية القضاء والصحافة واحتكار القرار السياسي، وليس فقط بسبب الخلاف الايديولوجي والديني والاجتماعي بين الصهيونية المتدينة والصهيونية العلمانية، أو بين القوميين المتطرفين واليساريين الأقل تطرفاً.
إن فشل اسرائيل حتى الآن في تأليف حكومة متجانس – برأيي المتواضع – يعود بالإضافة إلى ما ذكرته آنفاً إلى أن إسرائيل وبعد أكثر من سبعين من قيامها، إنما تدفع ثمن كل أزماتها المؤجلة، وكل اسئلتها التي تهربت منها او التي استطاعت ان تتعايش معها حتى الآن. ذلك ان إسرائيل لا يمكنها أبداً أن تجمع بين إداراتها لاحتلال من أقسى أنواع الاحتلالات وبين ديمقراطية تريدها أن تكون بمقاييس أوروبية رفيعة، ولا يمكن لإسرائيل أن تمارس يهوديتها -وهي ديانة خصوصية تتعلق بتاريخ جماعة محدودة- وأن تمارس في ذات الوقت ديمقراطية ترى في كل الناس إنهم متساوون في الحقوق والواجبات، ولا يمكن لإسرائيل أيضاً أن تجمع بين مجتمع استهلاكي حداثوي من جهة وبين نزعات عدوانية وتوسعية وموجات تعصب وتطرف غير مسبوقة.
إسرائيل فقدت حماس الأجيال الأولى، وتغيرت من أعماقها، إذ سقطت الصهيونية بطبعتها الاشتراكية والقومية والجمعوية، وسقطت سياسات القهر الجمعي والصهر القومي، وسقطت الصهيونية وقامت الصهيونية اليهودية المستبدة صاحبة الجدل والتعريفات المختلف عليها، سقطت المخاطر والتحديات القديمة وظهرت تحديات لم تكن في الحسبان أبداً، (القلعة) ذاتها اكتشفت انها غير مستقرة وأنها تتغير بوتيرة عالية.
لهذه الأسباب مجتمعة، فإن إسرائيل تواجه اليوم الفروق المتزايدة في الاتساع بين مكوناتها الاجتماعية والطائفية والأيدلوجية، وتواجه استحالة الجمع بين الاحتلال ومصادرة حريات الآخرين وبين التمتع بنعم الديمقراطية وآثارها، وتواجه التناقض الكبير بين إدارة استيطان إحلالي عنصري وبين إدارة مجتمع يرغب في أن يظل مقبولا من العالم.
سيقول قائل إن إسرائيل وبدلا من أن تتوجه إلى حلول وسطية تقلل عوامل التوتر وتخفف من الفوارق بين الاطياف والطوائف، فإنها ستتجه إلى أن تكون أكثر عنفاً لتصدير أزمتها خارجها، وهذا حل تلجأ إليه عادة الدول العدوانية المأزومة، التي تحل مشاكلها على حساب غيرها.
وربما يقول قائل إن إسرائيل تكشف عورات نظامها السياسي والاجتماعي وذلك بالإصرار على الاستمرار في سياسات الاحتلال وسياسات العزل والتهميش، فهي لا تعترف بانها تحتل شعبا آخر، ولا تعترف بانها تجرد مواطنيها العرب الفلسطينيين من حقوقهم كأصحاب بلاد أصليين، ورغم ذلك تصر إسرائيل على تعريف نفسها بانها ديمقراطية ويهودية في ذات الوقت، كيف ذلك؟!
هذه هي أزمة اسرائيل الحقيقية: العمى الكامل في قراءة الواقع وسيرورة التاريخ.