حوار مع مثقف سوداني
د. خضر محجز | غزة – فلسطين
حين زرت السودان، أيام حكومته (الإسلامية) دار بيني وبين مثقف سوداني حوارٌ، حول طبيعة الأوضاع هناك، فأخبرني بأنه قد سُجن بسبب مادة كتبها في الصحافة، انتقد فيها نظام الحكم الإسلامي في السودان. حيث دار بينه وبين السجان الحوار التالي:
ـ لم تكرهنا إلى هذا الحد؟
ـ من أنتم؟
ـ نحن الحكومة؟
ـ وهل الحكومة زاهدة في بقائها إلى هذا الحد، حتى ترسلك؟
ـ ماذا تعني؟
ـ هل أكلت الدجاج يوم الجمعة؟
ـ لا، ولكن ما معنى هذا السؤال؟
ـ معناه أن تتساءل إن كان إخوانك في الله، من كبار الحكومة، لم يأكلوا الدجاج مثلك يوم الجمعة؟
ـ ولم أتساءل، وأنا واثق بأنهم أكلوا الدجاج والخرفان المحشية أيام الأسبوع كله؟
ـ إذن فقد أكلوا وأطفالهم وتركوك وأطفالك.
ـ نعم، وليس هذا غريباً، فهم ينالون مرتبات تكفيهم وتزيد
ـ فلم لا يعطونك مما يزيد، لتتمكن من شراء الدجاج يوم الجمعة ـ فقط ـ لأطفالك؟
ـ ربما لا يعلمون.
ـ وهل من مهمتهم ألا يعلموا؟
ـ بل إن من صلب مهمتهم أن يعلموا
ـ إذن فأنت لا تكره الحكومة لهذا السبب؟
ـ لا، فأنا بايعت على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وهذا جزء من المكره.
ـ إذن فأنت تكره أن يأكلوا الدجاج والخرفان، ثم لا تجد ثمن دجاجة تقدمها لأطفالك يوم الجمعة، ثم لا تعارض الحكومة؟
ـ أصارحك القول، بأنني أكره ذلك، ولكني أصبر وأحتسب. ولكنك تنسيني سؤالي الذي سألتك إياه في البداية.
ـ ما هو؟
ـ لماذا تكره الحكومة؟
ـ هل تقصد القول بأنني هنا ـ في السجن ـ لأنني أكره الحكومة؟
ـ لا، فأنت هنا لأنك تخالف القانون فحسب.
ـ وهل في القانون مادة تجرم من يكره الحكومة؟
ـ لا، ولم أسألك لهذا، وإنما كان سؤالاً نابعاً من الفضول، وقد قيل لي إنك تكره الحكومة.
ـ حسناً، فإني أكره حكومتكم لوجه لله.
ـ كيف يعني لوجه لله؟
ـ يعني في سبيل الله أكرهكم.
ـ لكننا في سبيل الله قمنا.
ـ إذن يمكن للقاضي ـ في نظرك ونظر تليفون القاضي ـ أن يعتبرني كافراً “بسبيل الله” إن كرهتكم؟
ـ لا، ولكنه سؤال الفضول. وإني لأرجو أن تأخذ بنصيحتي، لوجه الله.
ـ تمام. إذن فأنت تريد أن تنصحني، وأنت لا تأكل الدجاج؟
ـ نعم.
ـ وهل ترى أنه بإمكان شخص لا يأكل الدجاج، أن ينصح شخصاً يأكل الدجاج؟
ـ نعم، فكلنا في النهاية سواسية.
ـ وأنت شرطي لم يتجاوز في العمر الثلاثين، وفي العلم لم يتجاوز الثانوية، ولا تجد يوم الجمعة نقوداً تشتري بها الدجاج لأطفالك، ثم تسأل مثقفاً مثلي يأكل الدجاج يوم الجمعة، لم يكره حكومة تأكل الدجاج والخرفان من دون الناس وأطفالهم؟
ـ نعم.
ـ وتعلم أني هنا وأكره الحكومة، رغم أني آكل الدجاج يوم الجمعة، وقد حذروك من مناقشة كل من يأكل الدجاج؟
ـ متى حذروني من مناقشة من يأكل الدجاج؟
ـ منذ امتنعت عن مناقشة من يأكلون الدجاج ويتركون أطفالك دون دجاج.
ـ يبدو بالفعل أنك خطير
ـ ولم أنا خطير في نظرك؟
ـ لأن كل من يأكلون الدجاج ـ يوم الجمعة ـ يستطيعون التفكير بصوت مرتفع، أما من لا يأكلون الدجاج أبداً، فلا يستطيعون التفكير بصوت هامس ولا مرتفع.
ـ إذن فقل لي: ماذا تريد القول يا أيها النباتي رغم أنفه؟
ـ أريد أن أنصحك ان تعرف مصلحتك، ولا تعادِ من هم أقوى منك.
ـ جميل، إنها نصيحة يبدو أنها أفادتك، ولكنها لم توفر لك الدجاج يوم الجمعة، ففيم أنت حريص على المداومة على تذكرها؟
ـ لأنني لم أصدق أنك لا تحب الإسلام، مذ رأيتك تقرأ القرآن في الزنزانة.
ـ جميل. ها أنت وقد بدأت تنتقد ما يقولون لك يا سيادة السجان. فلنفترض أني قبلت نصيحتك، وتبت عن كراهية الحكومة، أتخرجني من هنا الآن فوراً؟
ـ لا طبعاً، فلدينا قضية، وأنا في رتبة لا تسمح لي.
ـ فإن أسأت لك ورفضت الرد على فضولك، أتستطيع أن تمنعهم من الإفراج عني، حين يرغبون في ذلك؟
ـ لا طبعاً.
ـ إذن فانت لست بقادر على أن تضرّ من تكره، ولا أن تنفع من تحب، بدليل أنك لم تستطع الحصول من إخوانك في الله، على دجاج لأطفالك يوم الجمعة، أسوة بأطفالهم، ثم لا تضرهم، بل تنفعهم.
ـ ماذا تقصد؟
ـ أقصد أنك صغير لا يعلم، يحاول تعليم كبير ألا يعلم.
ـ أووووه لقد أخطأت حين حاورتك.. وقد نصحوني بألا أحاورك.