جريمتا القتل والاغتصاب
سهيل كيوان | مجدالكروم – فلسطين
انتهت الجمعة المشمشية، وقد أطلقوا عليها تسمية “جمعة مشمشية”، لأن موسم المشمش يظهر وينتهي بسرعة، والمشمش سريع التلف.
يطلقونها على علاقة يعلمون بأنها مؤقتة جدًا، وليست إستراتيجية أو طويلة المدى، تنتهي عند أول مشكلة أو عقدة أو مفترق طرق.
تلاشى دخان الانتخابات وعادت الشرطة إلى التعامل مع المواطن العربي كعدوٍ، ولتضع حدّا لأوهام عاشها البعض في غمرة دخان الانتخابات بأن العلاقة مع السلطة ربما تكون قد تحلحلت، أو في طريقها إلى الحلحلة، بل ذهب البعض بأنها بداية مرحلة جديدة في علاقتنا مع السلطة، كما روَّجت وسائل الإعلام الإسرائيلية.
لقد عمل الدخان الإعلامي عمله، فزعم بأن الدكتور عباس منصور، بات صاحب القرار في تتويج الملوك، وتأمير الأمراء، وأنه الرجل الذي سيقرِّرُ وجه السلطة في إسرائيل، وبأن ما يجري هو تحوّلٌ في تاريخ علاقة الجماهير العربية وممثليها مع الدولة، ومع أحزاب السُّلطة.
قتلُ الشُّرطة لشاب عربي مريض نفسيًا في حيفا، رغم أنه كان بالإمكان اعتقاله أو إصابته في ساقه دون قتله، وإعادة الشرطي مطلق النار إلى عمله، كأن شيئًا لم يحدث، يشير إلى أن الجمعة المشمشية التي شهدناها قبيل الانتخابات انتهت، وعدنا إلى قواعدنا مثلما كنا بل أسوأ، فقد دخلت الكاهانية إلى الكنيست بقوة، وبمباركة وترتيب بيبي نتنياهو الذي منحها شرعية وقوة، بينما عجز شطرا ما كان “المشتركة”، على الاستمرار معًا أو حتى على عقد اتفاق فائض أصوات.
إعلان أعضاء من الليكود رفضهم إقامة حكومة بدعم من الموحدة التي يرأسها الدكتور عباس منصور، وفي الوقت ذاته إعلان جبهة داخل المعسكر المناوئ لنتنياهو برفض تشكيل حكومة بدعم المشتركة والموحدة، يبدِّد أوهام “التحوّل التاريخي”.
النهج الوحدوي الذي كان قائمًا لم يكن خطأ، فقد كانت المشتركة إحدى التجليات السياسية القليلة في تاريخنا السياسي التي سبَّبت فرحًا وأملا وحماسًا للجمهور، ورفعت نسبة المشاركين في التصويت في الجولة الماضية، وكان يمكن أن تكون قاعدة عريضة يجري توسيعها وضم عناصر مستقلة إليها ممثلة لشعبنا محليًا ودوليًا، ولكن التشرذم أضعفها وأضعفنا.
الجمهور يعي جيَّدا ما هي قدرات أعضاء الكنيست العرب، ويعرف العداء الكامن لدى السلطة وأسبابه، ولكنه مستعد لخوض معاركه لتحقيق حقوقه، شرط أن تعمل قيادته بصورة صحيحة، وأن تضعه أمام مسؤولياته ودوره من دون زراعة الأوهام.
الوحدة كانت وما زالت مطلبًا شعبيًا، والذي فشل هو التشتت والتشرذم، وهو الذي أدى إلى عزوف أكثر من نصف أصحاب حق الاقتراع من أبناء شعبنا عن التصويت، وعلى جميع الأحزاب والحركات والقيادات أن تتعلم الدروس وتستخلص العبر.
جريمة الاغتصاب
إضافة إلى الشرطة وجريمتها، فقد عادت الحقيقة لتظهرَ عرينا بأسرع ما يمكن وبوضوح تام، جريمة أظهرت بأننا لسنا حسَّاسين جدًا كما حاولنا بأن نظهر في القضايا ذات الطابع الجنسي، فقد اغتُصبت فتاة قاصر من ذوي الاحتياجات الخاصة على يد خمسة مجرمين، دون أن يهزّ هذا الحادث المروّع أركان مجتمعنا. حادث دمّر فتاة، وسوف ترافق آثاره المأساوية أسرة الضحية إلى الأبد.
مرَّ الخبرُ كأنه خبر عن سطو بسكين على محطة وقود، مرَّ بسلاسة ودون اكتراث، إلا لدى بعض المعقّبين على فيسبوك.
لم نرَ تلك الحملة الهائلة الغاضبة انتصارًا للقيم، مثل تلك التي شُنَّت على صاحبة مصنع طحينة الأرز لأنها تبرعت لجمعية داعمة للمثليين، حيث انبرت جيوش في فيسبوك لتهاجمها وتسخر منها، ودعت إلى مقاطعتها، ولم نرَ حملة ضارية على الاعتداءات الجنسية والتحرّشات ومنفذيها والتي يصل بعضها إلى درجة الاغتصاب.
لم نرَ حملة مثل الحملة الضارية التي طالت الدكتورة نوال السعداوي بعد موتها، الأمر الذي يقول الكثير عن نفاق مجتمعنا وتلوّنه، وبأنه يشن بطولاته على الضعفاء، وحتى على الموتى، وعلى العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، إنه انتقائي جدًا في القضايا التي يثيرها بزعم الغيرة على القيم، بينما القيم الأساسية تُداس أمام بصر وسمع الجميع.
فكم متحرش جنسي ومعتد موجود في مؤسساتنا وفي مواقع المسؤولية والقرار، وكم مهمل في وظيفته الجماهيرية وقد جعلها درجة لتنفيذ مآربه وأطماعه وشهواته، نكرَّمه نفاقًا وكذبًا، ونصبغ عليه أسمى آيات الاحترام والتبجيل الكاذب، وكم مجرم يحظى بالتقدير والاحترام والجميع يدرك أنه أساس البلاء، نعم نحتاج إلى كيٍّ لوعينا كي نستفيق من هذه الغيبوبة.