شكرا صديقي .. أبكتني رسالتُك!

صبري الموجي |رئيس التحرير التنفيذي لجريدة ( عالم الثقافة)

أرسلها لي عبر (الواتس)؛ مظنة إدخال السرور إلى قلبي، والسعادة إلى نفسى، فإذا بها تُثير لواعج النفس، وتُحرك كوامن الفؤاد، فتنسكب الدموعُ على الخدود بسببها مدرارا.. إنها أغنية ” ست الحبايب” للرائعة فايزة أحمد، كلمات حسين السيد، ولحن محمد عبد الوهاب، التي لم تكن لي وللكثيرين أمثالي مُجرد أغنية تطرب النفس بسماعها، بل هي ذكرى تتجدد، وعبراتٌ تنسكب، حُزنا على فراق من كنا نرتمى فى ساحة سهلها الأخضر فتفيض علينا عطفا وحنانا.

ورغم أن كلًا يبكى على ليلاه، إلا أن حديثي عن الأم ليس حديثا يخصُني، بل هو حديثٌ يُشاركني فيه كلُ من حرص على أن يحتفى بأمه في يوم عيدها، سواء كانت على قيد الحياة، أو رحلت وتركته يتجرع غصة الحرمان.

فرحلة الأم مع أبنائها هي رحلةُ من يعطى بسخاء دون انتظارٍ للأجر، تبدأ عند حمل الوليد في بطنها تسعة أشهر بين الحنايا والضلوع، فتحويه بأحشائها، وتُغذيه بدمائها، ليصير يوما بعد يوم أشبه بعضو من أعضائها، بعدها تضعُه كُرها بعدما حملته وهنا.

والمُدهش أن رحلة عطاء الأم لا تنتهى بوضع الجنين، الذى يخرج من بطنها كخروج الروح من الجسد مُسببا لها الآلام والآهات، التي تفوق الزفرةُ الواحدةُ منها عمر الإنسان لو أفناه كله في برها وخدمتها، بل تبدأ من جديد، فما إن تضع الأمُ وليدها حتى تُلقمه ثديها فيتقوى بضعفها، ويسمن بهزالها، ويترعرع عودُه، ويذبل غصنُها، ورغما عن هذا كله تراها أسعدَ الناس وأفرحَهم بهذا المولود.

الأمومة هي رحلةُ عطاء تتصل حلقاتُها حاملة أسمى معانى الكرم والتضحية والإيثار، إذ تسهر الأم لينام أبناؤها ملء الجفون، تتعب ليرفلوا في نعيم الصحة والعافية، تجوع ليشبع أبناؤها، وتعطش ليرتوا، ولما كان الأمر كذلك، جعل ربُنا حق الوالدين تاليا لحقه سبحانه، فقال عز من قائل: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).

كما أخبر المصطفى أن من أحب الأعمال إلى الله بر الوالدين، والذى قدمه على الجهاد، كما في حديث ابن مسعود رضى الله عنه، بل أخبر النبيُ في حديثه الصحيح أن الوالدين هما أولى الناس بحسن الصحبة والبر.

والمتأمل يجد أن وصايا الله بالوالدين جاءت في القرآن تتري،؛ لأنهما سبب وجود الإنسان وسر سعادته !

ورغما عن هذا نجد بيننا كثيرا من صور العقوق بالوالدين، فهذا ابنٌ يضيق ذرعا بأمه، وينصر عليها زوجته، التي تصيرُ آمرا مُطاعا، وتضحى الأمُ في بيت ابنها آبقا ذليلا، بل منهم مَن ينهر أمه ويصرخ في وجهها، وهى التي كانت بالأمس تتكلم همسا لكيلا تفزعه في نومه، وتعكر صفو مزاجه.

 ولو وقف العقوق عند هذا لكان هينا، بل تجد البعض يزج بوالديه أو أحدهما إلي دور المسنين ومراكز الإيواء؛ فرارا من خدمتهما ورعايتهما، جاحدا دورهما في تربيته صغيرا، بل وصل الجُرم ببعضهم منتهاه فإذا بالابن يضربهما أو يقتلهما، وغيرها من صور العقوق التي جعلت أحد الأدباء المعاصرين يقول : إن الإنسان يُربى كلبا فيفي له، وحمارا فلا يرفسه، ويُطعم قطا فلا يعضه، ويُفنى الوالدان نفسيهما في خدمة الولد، فينسى فضلهما، ويجحد يدهما، فيا عجبا، أيكون الكلبُ والحمارُ والقط أوفى من الإنسان؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى