حكايا من القرايا ” آه… يا أسناني “
عمر عبد الرحمن نمر | جنين – فلسطين
تجلس على تلك الأريكة، وتستريح، ولم لا تستريح، وقد توفر لك مكان يلائم الظهر، وآخر للعنق، وثالث للرأس؟ على يمينك صنبور ماء يفتح بوخزة إبرة الطبيب، وفوقك – كأنك فنان – كشّاف يسلط الضوء عليك، ويفتح الضوء بأمر الحكيم أيضاً.
عدة طبيب الأسنان، كما علمتها من خبرتي في قلع أسناني، وأضراسي، متكاملة متنوعة مشتقة. متكاملة: لأن كل قطعة تعمل بنسق في النظام لتحقيق هدف: قلع سن، أو تجبير آخر، أو تركيب ثالث. ومتنوعة بأشكالها: فهي كمفاهيم اللغة فيها الممدود، والمبسوط، والقائم، والمقصور…. إلخ.
إضافة لذلك فهي متنوعة الوظائف: فهذه للحفر، وهذه للقص، وتلك للحشو، وأخرى للبرد والجلخ…
وربما تريد أن تسألني وتقول: هذا فهمناه، ولكن ما وجه الاشتقاق فيها، وما علمنا الاشتقاق الا رياضياً، أو لغوياً؟ قلت لا هذا ولا ذاك… إن عدة طبيب الأسنان مشتقة من معدات المهن الأخرى، فمثلاً هناك ما يشبه الفأس، للبحش في الضرس، وهناك ما يشبه فأس البحش على البصل وما شابه، للتنبيش حول السن. وسيلة أخرى أشبه بالمقدح (مفعل) للغوص في تفصيلات اللثة، وهناك المبرد (مفعل) لبرد ما زاد أو نقص من عظم السن المجنون. من منكم لاحظ أداة مثل المهدة (الدبورة أو الشاقوف) لتثبيت معجون تحشى به الطاحونة…؟ ومن شاهد منكم خيوطاً يلف بها السن، ومقصا لقطع تلك الخيوط؟ وهنا سادتي تلحظون وسائل الفلاح، والخياط، والبنّاء، والحداد، والنجار في عيادة واحدة… هي عيادة طب الأسنان…
أنا أداوم في إحدى عيادات طب الأسنان، ولست طبيباً، ولكن أضراسي وأسناني كلها تنتظر تلك المعدات والوسائل، ما يطيب خاطري أن الطبيب الذي يعالج أسناني دكتور رائع يصبر على استغاثاتنا ونحن نصيح، ويحتسب مسباتنا ولعناتنا في ميزان حسناته… وميزان أجرته… ويده كما يقولون خفيفة جداً على المريض… طوبى له… ومع هذا عندما تبدأ جرافاته ومعاوله وحفارته تعمل في الفم… وبين الأسنان… وكأنها تقطع في جبال، تشعر بالأرض تهتز تحتك… لكن كما يقولون شر البلية ما يضحك… ما أن انتهت العدّة من عملها، ونزلت عن السرير… حتى ركبه آخر… سمّى عليه الطبيب وسأله: ما بك؟ شو بوجعك؟ قال: لُوَزي يا حكيم… بنات أذني نازلات، بدّي ترفع لي إياهن… ضحك الحكيم… وضحكت رغم ألمي غصباً عني… وتركت الحكيم يشرح… والرجل نائم على السرير وكأنه في رحلة برية… وأنا أسائل نفسي: هل يمتلك الحكيم رافعة لبنات الذنين؟