محمود شقير السيرة والمسيرة

جميل السلحوت | القدس الشرقية

لن نتطرّق هنا إلى رموز الإبداع الفلسطيني في القرن العشرين كلّهم، فهم كثيرون ومتعدّدو المواهب، لكن من محاسن الصدّف أن يحمل أحد نوابغ الشعر العربي المعاصر اسم محمود، وهو الرّاحل العظيم محمود درويش، وأن يجلس مع آخرين على عرش مملكة السّرد القصصيّ أديب كبير يحمل اسم محمود أيضا، وهو القاصّ والرّوائي محمود شقير، الذي نتمنى له الصّحة الجيّدة والعمر المديد،  فكلا المحمودين خاضا مجال التّجريب، وأتيانا بابداع لافت شكلا ومضمونا، فلم يكرّرا نفسيهما، ولم يقلّدا غيرهما، ولم يدّعيا العظمة يوما، بل على العكس كانا متواضعين في نظرتهما لأدبهما. وكلاهما كان معجبا بالآخر، ويقرأه بنهم، وعندما رحل درويش، وتمّ تخصيص جائزة رفيعة باسمه، كان محمود شقير أوّل الفائزين بها بجدارة، وعبّر عن سعادته بهذا الفوز، معتبرا جائزة محمود درويش أرفع من جائزة نوبل، لأنّها تحمل اسم شاعر عظيم.

 ونحن هنا لسنا في مجال الحديث عن الشّاعر الأسطورة محمود درويش، فهناك دراسات كثيرة عنه، ولكنّنا سنتحدث عن الأديب الكبير محمود شقير، الذي أغنى المكتبة الفلسطينيّة والعربيّة بابداعاته المتميّزة، كما تُرجم عدد من أعماله لأكثر من لغة، ولم يقتصر نتاجه الأدبيّ على القصّة القصيرة التي ارتقى بها فنيّا، وعُرف من خلالها كأديب له بصماته على الحراك الثّقافيّ في فلسطين، وفي الدّول العربيّة أيضا، بل تعدّى ذلك الى القصّ الوجيز، وأصبح رمزا من رموز كتّاب القصّة القصيرة جدّا،  تماما مثلما هو في فنّ القصّ للأطفال ولليافعين، كما كتب أدب الرّحلات، وأدب المراثي، وتميّز أيضا بما كتبه من سرد قصصيّ وروائيّ عن جوهرة المدائن القدس الشّريف، ولم يكتف بذلك بل خاض في مجال بحور الرّواية، فجاءت روايته فرس العائلة لافتة من حيث اللغة والشّكل والمضمون، ووصلت روايته “مديح لنساء العائلة” إلى القائمة القصيرة في جائزة البوكر العربيّة عام 2016.

 ونظرا لريادة محمود شقير في فنون الأدب هذه، فقد حظي بانتباه النّقّاد ومتذوّقي الأدب الفلسطينيين والعرب، فكتبوا عن نتاجه الأدبيّ الشّيء الكثير.

ومحمود شقير الأديب الكبير والمتميز لا يزال في قمّة العطاء، ويخصّص غالبية ساعات يومه للمطالعة والكتابة، ويسعى دائما الى تحسين أدواته الفنّيّة، لذا فإنّ كلّ جديد له يحمل في ثناياه جديدا يبهر النّقّاد قبل القرّاء العاديّين.

من هنا فإنّنا نجد ضرورة للكتابة عن شيء من حياة ومسيرة الأديب محمود شقير المبدع المتميّز، لعلّ الأجيال الحاليّة والقادمة تستفيد منها.

* ولد محمود عبد عليّان شقير في جبل المكبر- القدس عام 1941، وكان جدّه لأبيه مختارا لحامولة الشقيرات من عشائر عرب السّواحرة، وشيخا عشائريّا ذائع الصّيت في محافظة القدس.

* تلقى تعليمه الابتدائيّ في مدرسة السّواحرة الغربيّة للبنين، والثّانويّ في المدرسة الرّشيديّة الثّانويّة في القدس، كما حصل على ليسانس فلسفة واجتماع من جامعة دمشق عام 1965.

* عمل في التّدريس وفي الصّحافة. كما عمل مديرا عامّا في وزارة الثّقافة الفلسطينيّة بعد قيام السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.

* تعرّض للاعتقال الإداريّ لمدّة عشرة أشهر في تمّوز عام 1969. كما اعتقل عام 1974، وبعدها أبعد في العام 1975 إلى لبنان، ومن هناك انتقل إلى براغ حيث عمل في مجلّة “قضايا السّلم والاشتراكيّة”. وتنقّل في عدّة دول إلى أن عاد في شهر مايو 1993 إلى الوطن مع من عادوا ضمن اتّفاقات أوسلو بين منظّمة التّحرير والحكومة الإسرائيليّة.

* نائب رئيس رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الهيئة الإدارية للرابطة لمدة عشر سنوات 1977 – 1987.

* عضو الأمانة العامة لاتحاد الكتاب والصّحافيّين الفلسطينيّين 1987 -2004.

* عضو المجلس الوطنيّ الفلسطينيّ 1988 – 1996.

* رئيس تحرير صحيفة الطليعة المقدسيّة الأسبوعيّة 1994 – 1996.

* مشرف عام مجلة دفاتر ثقافيّة الصّادرة عن وزارة الثّقافة الفلسطينيّة 1997 – 2000

* محرّر الشّؤون الثّقافية في مجلة صوت الوطن الصّادرة في رام الله 1997 -2002 .

* أوّل حائز على جائزة محمود درويش للحرّيّة والإبداع في العام 2011 .

* كتب القصّة القصيرة والرّواية للكبار وللأطفال، القصّة القصيرة جدّا، المسرحيّة، المراثي، أدب الرّحلات، أدب السّيرة، اليوميّات، المسلسلات التلفزيونيّة، المقالة الأدبيّة والسّياسيّة.

بدايات محمود شقير الأدبيّة:

  بدأ محمود شقير النّشر في مجلّة “الأفق الجديد”* عام 1962، وهذه المجلّة التي أسّسها المرحوم أمين شنّار عام 1961 في القدس شكّلت ظاهرة أدبيّة متميّزة، استقطبت الأقلام الأدبيّة في حينه، ومّمن كتبوا القصّة فيها:

محمود شقير، فخري قعوار، يحيى يخلف، ماجد أبو شرار صبحي الشّحروري وحكم بلعاوي.

ومن الشّعراء: محمّد القيسي، عزّ الدّين المناصرة، حكمت العتّيلي، فايز صيّاغ، أحمد أبو عرقوب، جميل علّوش، خليل زقطان وخالد عبده.

وممّن كتبوا النّقد والأبحاث الأدبيّة فيها: أمين شنّار، محمد البطراوي، محمد أبو شلباية، علي الخطيب، خليل السّواحري، جميل كاظم المناف، عودة الله القيسي، جميل كاظم المناف، وأحمد العناني.

*”لمزيد من المعلومات راجع كتاب”الأفق الجديد منذ نصف قرن في القدس منارة الثّقافة العربيّة”.ويأتي هذا الإصدار الذي أعده وقدّمه كل من الدّكتور نهاد الموسى والدّكتور محمد شاهين بمناسبة اليوبيل الذّهبي للجامعة الأردنيّة لعام 2011.”

ومن خلال القصص التي نشرها الأديب شقير في مجلّة الأفق الجديد، سيلاحظ القارئ أنّ بدايات أديبنا كانت قويّة وذات مستوى رفيع، وإحدى هذه القصص فازت عام 1966 بجائزة وزارة الإعلام الأردنية.

وواصل الأديب شقير كتاباته في الصّحف المحلّيّة، ونظرا لكتاباته اللافتة فقد أصبح واحدا ممّن يكتبون مقالة في صحيفة “الجهاد المقدسيّة” تحت باب “يوميّات الجهاد”.

حرب حزيران 1967 ونتائجها الكارثيّة:

لا يوجد مواطن عربيّ لم يتأثّر بنتائج حرب حزيران 1967 الكارثيّة، لكن ضحاياها من مواطني الأراضي العربيّة التي وقعت تحت الاحتلال كانت صدمتهم ومعاناتهم كبيرة جدّا.

والأديب شقير الذي عاصر تلك الحرب وتأثيراتها، وشاهد بعينيه جرّافات الاحتلال وهي تدمّر ساحة البراق- الحائط الغربيّ للمسجد الأقصى-، وحارتي الشّرف والمغاربة في القدس القديمة،  لم يستسلم لتلك النّتائج كما استسلم آخرون، بل عمل وشارك في سبيل الخلاص من الاحتلال. لذا فقد شارك منذ البداية في تأسيس اتّحاد المعلّمين الفلسطينيّين في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، وقد دعا هذا الاتّحاد المعلمين والتّلاميذ إلى عدم العودة إلى المدارس قبل زوال الاحتلال، كما دعا معلّمي وطلبة مدارس القدس إلى مقاطعة المدارس التي فُرض عليها تدريس المنهاج الإسرائيليّ.

ورغم الاحتلال الغاشم، وما تمخّض عنه من توقّف الصّحافة المحلّيّة عن الصّدور، بل إنّها انتقلت إلى مدينة عمّان قبل الحرب، إلا أنّ محمود شقير لم يتوقّف عن الكتابة، فقد واصل الكتابة في صحافة الحزب الشّيوعيّ في اسرائيل، وكتب تحت اسم “ربحي حافظ” – عبدالحافظ هو اسم والده- في صحيفة الاتّحاد الحيفاويّة التي كان يرأس تحريرها إميل حبيبي، ومجلّة الجديد التي كان يرأس تحريرها الدّكتور إميل توما.

وواصل الأديب شقير نضاله ضدّ الاحتلال، ممّا أدّى إلى وقوعه في الأسر في شهر تموز –يوليو- 1969، حيث تعرّض لتعذيب جسديّ ونفسيّ قاسيين، وبعدها تمّ توقيفه إداريّا، حيث تحرّر بعد عشرة أشهر في مايو 1970. وعلى أثر ذلك تمّ فصله من سلك التّعليم الحكوميّ، فعمل مدرّسا في مدرسة المعهد العربيّ في أبو ديس، وهي مدرسة خاصّة، لكنّه واصل دربه في النّضال ضدّ الاحتلال.

في العام 1974م تمّ اعتقال محمود شقير مرّة ثانية، وفي العام 1975م تمّ ابعاده إلى لبنان، وعندما أجبروا شقير ومن معه من المبعدين على دخول الأراضي اللبنانيّة تحت تهديد السّلاح، التفت إليهم محمود شقير وقال غاضبا:

سنعود رغما عنكم.

وقد تحقّقت نبوءته بالعودة في مايو 1993م.

وفي بيروت عمل محرّرا في مجلة “فلسطين الثّورة” الناطقة باسم منظّمة التّحرير، لكنّه ما لبث أنّ غادر بيروت إلى عمان ومن ثم إلى براغ العاصمة التشيكيّة، حيث عمل مندوبا للحزب الشّيوعيّ الأردنيّ في مجلّة قضايا السّلم والاشتراكيّة، ومن هناك زار عددا من عواصم الدّول الاشتراكيّة، وبعض عواصم الدّول الأوروبيّة؛ لحضور مؤتمرات ولقاءات تضامنيّة مع الشّعب الفلسطينيّ وحقوقه المشروعة.

وفي العام 1975م وبعد ابعاده عن أرض الوطن، صدرت له أوّل مجموعة قصصيّة عن منشورات صلاح الدّين في القدس، وقدّم لها الشّاعر توفيق زيّاد.

وفي العام 1977م صدرت له مجموعة الولد الفلسطيني القصصيّة، عن منشورات دار صلاح الدّين في القدس أيضا.

ويعتبر الأديب محمود شقير أحد مؤسّسي فنّ الأقصوصة أو القصّة القصيرة جدّا، على مستوى العالم العربيّ. وقد صدرت له عام 1986 مجموعة قصص قصيرة جدّا تحت عنوان ” طقوس للمرأة الشّقيّة”، وفي العام 1991م صدرت مجموعة أخرى تحمل عنوان”صمت النّوافذ”.

وواضح أنّ الأديب شقير مواظب منذ بداياته على المطالعة، وتنمية قدراته الثّقافيّة، وبالتّأكيد فإنّه اطّلع أيضا على جوانب من الثّقافة الأوروبّيّة، وهذا التّزاوج الثّقافيّ أثّر حتما على كتاباته، وهو الحريص على تطوير أدواته الكتابيّة بشكل لافت من حيث الشّكل والمضمون.

عاد الأديب محمود شقير إلى أرض الوطن في شهر مايو 1993م، ضمن اتّفاقات أوسلو بين منظّمة التّحرير الفلسطينيّة والحكومة الأسرائيليّة. وكانت علامات السّعادة بادية عليه، وفور عودته قام بجولات في قريته “السّواحرة” وفي مدينته القدس بشكل خاصّ، ووطنه فلسطين بشكل عامّ، وأذكر انّني كنت بصحبته ذات يوم في منطقة جنجس في براري السّواحرة، حيث ذهب يتفقّد أرضا له هناك.

والأديب شقير الذي أرّقه شوقه لمدينته القدس، ما أن عاد إليها حتّى جال شوارعها، أسواقها، حاراتها، أزقّتها، مساجدها، كنائسها، مساطبها، زواياها وتكاياها، جالها ماشيا على قدميه، وكأنّه يروي ناظريه من مدينة تفتّحت عيناه عليها، فعشقها بلا حدود، فلفت انتباهه كيف كانت مدينته عندما تركها مبعدا، وكيف وجدها عندما عاد إليها، فهاله ما جرى للمدينة من سرقة تاريخها وجغرافيّتها، ومن هنا جاء ابداعه”ظلّ آخر للمدينة” الذي صدر في القدس عام 1998م، وأعيدت طباعته في تونس عام 2009م.

وهذا الكتاب الذي استعمل فيه الكاتب أسلوب السّرد الرّوائيّ، يمثّل شيئا من سيرته وسيرة المدينة المقدّسة، مدينة الكاتب الأولى، كما وصفها لاحقا في إحدى رواياته الموجّهة لليافعين.

ومع أنّ بدايات الأديب شقير القصصيّة والتي تضمّنها إصداره الأوّل “خبز الآخرين” تدور أحداثها في مدينة القدس، إلا أنّ “ظلّ آخر للمدينة” جاء فاتحة لإبداعات أخرى متميّزة ولافتة لأديبنا، تدور أحداثها في القدس وعنها، فالمدينة المقدّسة تسكن الكاتب كما يسكنها، ومنها: ” قالت لنا القدس-نصوص ويوميّات- 2010″، و”القدس وحدها هناك- 2010″، و”مدينة الخسارات والرّغبة 2011″، و”القدس مدينتي الأولى-سيرة للفتيات والفتيان 2014″.

وتظهر براعة الأديب شقير في قصصه القصيرة جدّا عن القدس، بلغته الشّعريّة المكثّفة، وبسرده المحكم، بحيث أنّ القارئ يستطيع قراءة أيّ قصّة منها منفردة، أو يقرأها متتابعة، وستدهشه عندما يجد نفسه أمام رواية متماسكة ومكونّة من مجموعة “أقاصيص”.

أمّا روايتاه “فرس العائلة-2013” و “مديح لنساء العائلة-2016” والأخيرة وصلت للقائمة القصيرة في جائزة البوكر العربية، فأحداث كلتيهما تدور في القدس وضواحيها، وتروي التّغيّرات الاجتماعيّة التي عاشتها بادية وريف المدينة.

وفي العام 2018 سجّل اسم أديبنا الكبير محمود شقير كواحد من أفضل 100 كاتب في العالم كتبوا لليافعين.

وأديبنا الكبير الذي كتب في مختلف صنوف الأدب، كانت له باع طويلة في الكتابة للأطفال ولليافعين، وقد صدرت له عشرات القصص والرّوايات بهذا الخصوص.

ومع أنّ الأديب الكبير محمود شقير فاز بجوائز عديدة، وجرى تكريمه من عشرات المؤسّسات، إلا أنّ ذلك التّكريم تُوّج بفوزة بالجائزة الكبرى “للحرّيّة والابداع” التي تحمل اسم الشّاعر الفلسطينيّ العربيّ الكونيّ محمود درويش.

ومّما جاء في ديباجة منح هذه الجائزة للأديب شقير التي تلخّص مسيرة أديبنا الكبير الأدبيّة :

“لم يفصل محمود شقير (مواليد القدس ـ 1941)، منذ عقود أربعة، بين الكتابة الأدبيّة المبدعة وأخلاقيّة الثّقافة، مؤكّدا القيم الثّقافيّة منهجا في الحياة. ولعلّ الرّبط النّزيه بين الثّقافة ودورها النّقديّ هو الذي جعل منه أديبا مختصا، يحاور القصّة القصيرة ويسائل إمكانياتها المختلفة، ومثقّفا عامّا متحزّبا، ينقد الواقع ويساجله بأدوات ثقافيّة.

اِنتمى شقير، منذ بداياته، إلى النّسق الأدبيّ الفلسطينيّ، الذي رأى في الثّقافة الدّيمقراطيّة نهجا في النّهوض والمقاومة، وفي الإنسان الواعي لإمكانياته مبتدأ لكلّ مشروع تحرّري محتمل. ولعلّ الإيمان بوضع الإنسان، كما يجب أن يكون، هو الذي أملى عليه أن يكرّس جهدا خاصا لـ “أدب الأطفال”، فمارسه بإخلاص كبير، وجعل منه “جنسا أدبيّا” جديرا بالاحتفاء والتّكريم، زاوله بلا انقطاع، من عام 1986 حتّى اليوم، وأعطى فيه مجموعات متعدّدة. وإلى جانب “قصص الأطفال” جاء بكتابة موازية “للفتيات والفتيان”، مدرجا إبداعه في سياسة كتابيّة، توحّد بين التّربية والإمتاع والمساءلة، مبتعدا عن ثقافة الاستظهار التّقليديّة، التي تساوي بين “التّعليم والعبوديّة”.

غير أنّ الجهد الجادّ الخاص بـ “بأدب الأطفال” والفتيان”، كما استلهام الموروث الشّعبيّ، لم يصرف هذا الأديب المقدسي عن مجاله الإبداعيّ الأساسيّ، المتمثّل في القصّة القصيرة، الذي استهلّه في عام 1975 بمجموعته “خبز الآخرين” وتابعه بمنظور متجدّد حتّى عمله الأخير “القدس وحدها هناك”ـ 2010. انطوى إسهامه في هذا المجال، الذي تمثّل في مجموعات قصيرة متنوّعة، على وجوه إيجابيّة متنوّعة: مارس شقير القصّة القصيرة كمشروع كتابيّ، يتنوّع ويتطوّر في ممارسة كتابيّة طموحة لا تكفّ عن التّجدّد، أتاحت تطويرا متميّزا في الشّكل والبناء. دفعه الطموح الأدبيّ، كما الحوار المستمرّ مع القصّة القصيرة، إلى شكل خاصّ منها هو: قصّة قصيرة جدّا، التي تمدّها اللغة الأدبيّة المصقولة والمقتصدة بفضاء واسع، يحرّض على التّفكير والمساءلة.

ولعلّ هذا المنظور الرّهيف، الذي يوكل إلى اللغة توسيع الضيّق، هو في أساس جهده النّثري المتميّز، الذي ينتمي إلى أفضل ما أنجزه الأدباء الفلسطينيّون في هذا المجال، بدءا من السّكاكيني وإميل حبيبي وصولا إلى حسين البرغوثي. وبسبب ذلك تحيل “القصّة القصيرة جدّا” عند محمود شقير، في علاقاتها المتكاملة، إلى “فضاء روائيّ، يرى الإنسان المحاصر في عالميه الدّاخليّ والخارجيّ معا.

تتكشّف فلسطين، في مأساتها وصمودها وآفاقها، في كتابات محمود شقير كلّها: فهي ماثلة في حكايات الإنسان المقهور الذي يستولد الأمل، وفي التمسّك بعالم القيم، إذ لا تقدّم ولا ارتقاء ولا أمل من دون فلسطينيّ يرى في الدّفاع عن قضيته تجسيدا للقيم الإنسانيّة الإيجابيّة المتنوّعة، وفلسطين ماثلة في المجاز الجماليّ الذي بنى عليه شقير كتابه “القدس وحدها هناك”، حيث القدس هي فلسطين، وحيث فلسطين هي الإنسان الفلسطينيّ، الجميل في بساطته، والذي يجسّد، في بساطته وجماله معا، تاريخا طويلا من الألم والأمل والمقاومة والكتابة المبدعة أيضا.

يتميّز الأديب المقدسيّ محمود شقير بإبداعه الكتابي المتعدّد، وبقيمه الأخلاقية التي تترجم معنى الثّقافة المبدعة، وبجدارته بالانتساب إلى تاريخ الإبداع الكتابيّ الفلسطينيّ. وهذه الأسباب مجتمعة تجعله جديرا بـ “جائزة محمود درويش للحرّيّة والإبداع” لعام 2011.

وفي العام 2019 فاز بجائزة الإبداع الفلسطيني عن مجموعته القصصية سقوف الرغبة.

وقد صدر للأديب  شقير حتى الآن 66 مؤلفا في مختلف صنوف الإبداع الأدبي.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى