سيخرجَ الصهاينة من فلسطين بعد أن يكونوا آيةً منزَّلةً

طاهر العلواني | مصر

إنَّ مَن تصفّح صحف البلاغة، واستقرأ أساليب البيان، علمَ أنَّ لكلّ فنٍّ من الأدب نوعًا من الكلامِ يصفو به جوهرُه، ويعلو معه عنصرُه، ويجمعُ ما تفرّق منه؛ يضمّ كلَّ جنسٍ إلى شكلِه، ويؤلِّفُ كلَّ نوعٍ إلى مثلِه. وإنَّ أكرمَ الأيامِ أجزعُها من الفُرقة، وأشدُّها ولهًا بالاجتماع، وأكرمَ الرجالِ أكثرُها حنينًا لأوطانِها، وآلفُها لترابها، وإن صادفوا بلدًا أريفَ من بلدهم، أو سماءً أغزر من سمائهم. وإنَّ فلسطينَ قد حملتْ أهلها في أحشائها، وأرضعتهم من غمامِها، فكانتْ أرضُها أحسنَ وِطاء، وسماؤها خيرَ غطاءٍ، ولو أكلوا الشمسَ وشربوا الرِّيح فإنَّه أرفهُ عيشٍ وأخصبُ جنابٍ، في أطيبِ بلدٍ وأهنأ مكان. وإذا كان العاقلُ من حنَّكتْه التجاربُ ووُعظ بغيره، وكان عدوُّنا على اعتقادٍ فاسدٍ بأنَّ هذه أرضُه، فما حملَ أصحابَنا -لعنَ اللهُ نعلًا حملهم، وظِلًّا لزمهم- على سياسة الشجب والإنكار، وتجشُّمِ طريق السِّلميَّة في خطاباتهم، إلا لأنهم أتَوا في نواديهم المنكر، وما ذا إلا لحلولِ الأراذل محلَّ الأفاضل، وتصييرِ السفيهِ الأحمق مكانَ النبيه العاقل، وإعطاءِ النَّاقصِ الجاهل حظَّ الفاضلِ الكاملِ، لقد بلغ من تقديمِ الأداني الضُّلالِ أن صُدِّروا في مجالس العلم والدِّين، على مَن أبانَه الله بهما منهم، ومِن ههنا لم يكن بِنا إلا أن نجنحَ إلى الصَّبر، ونستصحبَ الخمولَ، ونرضى بالذّلِّ، ونقنعَ بالهوان.

لن يخرجَ هؤلاء من فلسطين إلا بعد أن يكونوا آيةً منزَّلةً، وأعجوبةً يوعظُ بها من بعدهم، وإلا أن يكونوا أصبرَ على الموت منَّا، وأن يخطُّوا في الأرض1، وتكون دماؤهم في أثوابنا، ونفعلَ بهم ما يتمنّون معه أن نسالمَهم. وهيهات!

1 الخط في الأرض فعل الثكلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى