المطلوب حماية دولية أو دولة حامية للفلسطينيين!
المحامي إبراهيم شعبان | القدس – فلسطين
في ظل الهبة الجماهيرية المباركة التي تعم الأراضي الفلسطينية المحتلة في هذا الشهر الفضيل، وبخاصة في درتها وعاصمتها الأبدية في الشيخ جراح والمسجد الأقصى المبارك. وفي ظل رفض الشعب الفلسطيني الدائم والمستمر للإحتلال الإسرائيلي الأطول في التاريخ المعاصر للقدس والضفة والقطاع. وفي ظل التضحيات والمقاومة التي يبذلها المواطن الفلسطيني على كل الصعد. وفي ظل رفض وإدانة الضم الإسرائيلي للقدس العربية واعتباره باطلا ولاغيا. وفي ظل صمت الأنظمة العربية والإسلامية المتواطئة على جرائم الإحتلال وقواته بحق المصلين المسالمين الساجدين الراكعين. وفي ظل انتهاك المحتل الإسرائيلي المستمر للحرية الدينية للمسلمين والمسيحيين والحريات الأساسية الأخرى. وفي ظل افتقاد الفلسطينيين حرياتهم السياسية والمدنية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية وفي ظل غياب حرية التنقل والمغادرة والعودة، وحق الإقامة ولم الشمل وتسجيل الأطفال، والبناء والترخيص والسكن. في ظل كل هذا الفقد والإنتهاك، لا بد من اتخاذ خطوات نضالية ترتقي لمستوى الأحداث التي افقدت الإحتلال المبادرة وجعلته يترنح مما أفقده صوابه وهزت صورته وتصرف كثور هائج في أقدس بقاع المسلمين. فهذا هو الوقت لطلب أمرين مختلفين ضمن مظلتين مختلفتين، وإن اتفقا هدفا وغاية، وهما ليسا بنقيضين، ولكنهما يقعان على جبهتين مختلفتين، ألأول يتعلق بحماية دولية لحق الحياة للفلسطينيين وحقوقهم الأساسية وحرياتهم من الأمم المتحدة ضمن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وتطبيقا لها، والثاني يتصل بالقانون الدولي الإنساني عبر وجود دولة حامية للفلسطينيين ولحقوقهم وحرياتهم عملا بنصوص ميثاق جنيف الربع لعام 1949. وكلاهما مطلب حق ومنصف وعادل وإنساني وقانوني. لكن من ينفذ؟؟
ابتداء نحن شعب يرزح تحت الإحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من خمسة عقود زمنية، دون تباشير حل سياسي أو زوال للإحتلال بشكل جزئي أو دائم وقبله كان هناك استلاب أرض فلسطين. وبعد ذلك استولى الإسرائيليون على مقدرات الدولة الفلسطينية الوليدة بموجب قرار التقسيم عام 1947 رقم 181 وعطلوا حق الفلسطينيين بتقرير المصير، بل احتلوا دولتهم ولم يبقوا لهم سوى 22% من مجمل المساحة الفلسطينية ورقعتها المكانية وعطلوا وأوقفوا السيادة الفلسطينية، إلى أن جاءت اتفاقيات أوسلو اللعينة وسلبت من الفلسطيني ارضه وقدسه كاملة بحجة تأجيلها للحل الدائم، وما زال الحل الدائم الذي كان مقررا له عام 1999 لم يبصر النور بعد . وضربنا عرض الحائط بكل القواعد القانونية سواء الدولية أو الداخلية مطمئنين لعدالة وكرم الجيش الإسرائيلي المحتل. حتى الدولة القانونية التي زعمنا أننا سنقيمها حل محلها الدولة البوليسية.
في أجواء الضعف العربية وإلإسلامية والفلسطينية الرسمية، والنفاق الغربي وألأوروبي والروسي، والمساندة ألأمريكية للمحتل الإسرائيلي، والهجمة الإسرائيلية الشرسة على حقوق الشعب الفلسطيني الأعزل، يبدو أن اقتراح الحماية الدولية أو الدولة الحامية هو أقل الموجود او أضعف الإيمان، والممكن لحماية الشعب الفلسطيني والمقدسي من عسف السلطات الإسرائيلية المحتلة في ظل توازن القوى المختل.
اقتراحي هذا أوجهه للجهة الدولية التي تدعي الحياد والحرص على الإنسانية وحماية البشر تحت الإحتلال الحربي ألا وهي هيئة الصليب الأحمر الدولي والتي مقرها في جنيف بسويسرا ولها مكاتب في أنحاء العالم وميثاقها الذي أنشأها يقرره. لتباشر هذه الهيئة التي تدعي الحياد في المنازعات المسلحة بدعوة جميع ألدول الموقعة والمصادقة على مواثيق جنيف الأربع لعقد مؤتمر عاجل من أجل تعيين دولة حامية للفلسطينيين تحت الإحتلال الحربي عملا بمواد ميثاق جنيف الرابع الملزم لجميع الدول التي يزيد عددها عن مائة وتسعين دولة من دول العالم. وهي خطوة متأخرة من الصليب الأحمر الدولي كان يجب القيام بها من عام 1967 تصلح ما تأخرت في عمله ، بدل أن تنسق مع الإسرائيليين وتعقد معهم اجتماعات ومؤتمرات وتنسيقات لا تسمن ولا تغني من جوع. وإن لم يسفر هذا الإجتماع عن تعيين دولة حامية فليباشر الصليب الأحمر الدولي هذا العمل بنفسه وهذا الدور بعينه، وليقم هو شخصيا بمقام الدولة الحامية، كما تقرر نصوص ميثاق جنيف الرابع التي وقعته إسرائيل وصادقت عليه.
وما دام الأمين العام للأمم المتحدة قد ناشد الأمن الإسرائيلي بضبط النفس وعدم التعرض للفلسطينيين، وما دامت فريضته تقتضي منه حماية الأمن والسلم الدوليين، عملا بميثاق الأمم المتحدة، فلا بأس من التوجه للأمم المتحدة _ رغم عجزها وخذلانها _ مطالبين بعمل ما واتخاذ إجراء على الأرض متمثلا في خلق قوات للحماية الدولية للفلسطينيين تحت الإحتلال أو على الأقل لحماية المقدسيين من عسف الضم الإسرائيلي وآثاره، كما حدث لكثير من الشعوب ولكثير من المنازعات الحدودية وغير الحدودية . ولا باس من عرض لموضوع الإنتهاكات الإسرائيلية في القدس الشريف والمسجد الأقصى بكل صورها على مجلس الأمن ثم الجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية واليونسكو والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. ولا يعتقدنّ أحدٌ ان هذا مجرد تعداد وانتهى، فكل جهاز من الأجهزة التي ذكرت لها مدخل في الإختصاص فيما حدث من أحداث في فلسطين والمسجد الأقصى قريبا ويجب أن تحمل دورا لتنفيذه . بل يجب استذكار ما أقره قرار 181 من صلاحيات وانتخابات وهيكليات لمدينة القدس الكبرى، علما بأنه هو قرار التقسيم وهو من وضع وضعا خاصا للقدس أسموه فيما بعد بالتدويل. لم لا يحيى هذا القرار الذي تعلقت به الدول الغربية عموما والولايات المتحدة الأمريكية. ويجب استذكار الوضع القانوني لحائط البراق في عام 1932 عبر القانون الإنتدابي البريطاني والمطالبة بتنفيذه.
هاذين الإقتراحين لا يسقطا الوسائل الأخرى والمتوافرة لمقاومة المحتل التي درج الشعب الفلسطيني من تبنيها وممارستها، فهاذين الإقتراحين لا يلغيان شيئا، وإنما يضيفان ولا ينتقصان لما هو موجود أو قائم أو يمكن أن يستجد من وسائل للمقاومة. فالهبة الجماهيرية يمكن أن تفضي لانتفاضة شاملة وعامة تجعل المحتل يفقد زمام المبادرة كما حصل معه فعلا. بل يمكن تفسير ما جرى من عنف شديد داخل المسجد الأقصى وقصف قنابلي بانه محاولة فاشلة لاستعادة الشرطة الإسرائيلية الهمجية دورها ومبادرتها الذي افتقدتها ضمن الهبة الجماهيرية الفلسطينية ومحاولة على تأكيد دورها وذاتها.
من المعروف وفي حكم المؤكد أن القانون الدولي بكل فروعه بدون مخالب، وأن إسرائيل دأبت على الإستخفاف بالقانون الدولي والدوس عليه، وان المجتمع الدولي وبخاصة أمريكا تساند العدوان الإسرائيلي، وأن توازن القوى الدولي مختل، وأن العسف الإسرائيلي لا حدود له، وأن الأمور ستعود لجمودها السياسي، لكن هناك بقية باقية من الضمير العالمي الملتزم بالسلم والعدل الدوليين الذي أقدم اقتراحي المزدوج لهم، لعله يضيف ولا ينتقص من قدرة الشعب الفلسطيني على المقاومة فكل امرىٍ يصنع قدره بنفسه.