آثام وولادة الموت.. قراءة في رواية ( آثام ) للكاتب السوري سهيل الذيب
مجدولين الجرماني | كاتبة سورية
على الغالب لا نستطيع فصل الرواية عن التاريخ واحداثه المتطارقة كما يقول الكاتب صنع الله إبراهيم (المؤرخ الجيد هو الروائي)؛ لذلك نرى التفاعل بين التاريخ و الرواية مع ثنائية الذاتي والموضوعي حسب طريقة الكاتب الخاصة وهذا يستحق التأمل والتفصيل
لست ممن يحب الخوض في التاريخ الدموي المتواصل على هذه المنطقة النبية وأهلها الطيبين لكن حين خضت في غمار هذه الرواية نسيت نفسي وبكيت بين شخوصها وردودهم بالشخصية الميتافيزيقية بين عوالمهم و ذواتنا المنتهية الصلاحية.
ففي بحثٍ أعدّه الدكتور قاسم عبده قاسم حول الرواية التاريخية، يُعلّق الرجل عن الترابط بين حقيقة الرواية ومنهجية التأريخ قائلًا إنه “يمكن تفسير ذلك جزئيًا في ضوء الحقيقة القائلة بأن الرواية تمثّل الشكل النهائي، حتى الآن، لأقدم ممارسة ثقافية عرفها الإنسان في تاريخه، وهي الحكي”. فالتلاقي الحادث بين السرد التاريخي والفن الروائي في المطلق ناتج عن كونهما يؤدّيان نفس الوظيفة الاجتماعية الثقافية نفسها وهي إشباع الرغبة الإنسانية في المعرفة: ماذا كان؟ وماذا حدث؟
البداية من الإهداء تحاكي السمو الانساني حيث كاتبنا ناشد قيم الحق والخير والجمال، ثم انتقل بنا إلى المدينة السورية أفاميا الممثلة لكل أجزاء سوريا واهلها ببساطتهم بعفويتهم وانسانيتهم هكذا فجاة تحل عليهم لعنة الحرب بلا سابق انذار
يبحر كاتبنا من خلال تقمصات روح مبعاث الذي هو رمز للبعث والقيامة وتقمصاته في أجساد عدة وكأنه ولد من موت من تاريخ النكبة في ( ١٩٤٨)، وهنا يرشدنا كاتبنا إلى تردد الحياة بنفس وتيرة الحروب عندما يقول على لسان بطل الرواية مبعاث: “شاهدت بعيني بصري وبصيرتي حرب داحس والغبراء وحضرت جزءا من معركتي صفين والجمل ورايت كيف خدع علي بن أبي طالب لأنه حكم القرآن بينه وبين معاوية وشاهدت الحربين العالميتين الأولى والثانية “.
وكذلك يدعونه مبعاص وهي كلمة مذمة تدل على انتهاكه كإنسان حقيقي معاناة العائلة من الحرب موت الوالدة قهرا ثم دفنها في ارض مشاع كاي حيوان نافق ونزوح العائلة ثم الحياة في الحدائق و التنقل بالخطر بين المناطق الهروب واللجوء إلى لبنان بحيث يتم عبور السوري بذل وشتيمة وكيفية التعامل معهم من الأمن اللبناني ثم دير مارالياس للاجئين السوريين وأخته التي استخدمت التخاطر وهي قوة روحانية عالية ودعت بمبعاث ليسوقه مصيره اليها ويسوع الذي يدعي للمحبة هو سوري يقول مبعاث ” كوكبنا غير مهيأ للفرح علينا ان ننتزع السعادة من الأيام القادمة ان نموت في هذه الدنيا ليس صعبا لأن الاصعب أن نصنع الحياة “.
لقد بين الكاتب لنا دور الإعلام في الحرب والتطرف الديني الذي يدعو لقتل الآخر وإنهائه وكأنه لاوجود للنسيج السوري الفسيفسائي، وأرّخ لهذه الحقبة كما حصل تماما من تشويه وقتل وتمثيل واغتصاب و نكاح جهاد وهدم وخراب وتفجير فالكل آثم في تنكيل هذا الشعب المسالم والقضاء على إنسانيته الحقيقية.
ينتقل بنا الكاتب ببراعة ليكشف ما يختفي بخبايا النفوس البشرية من برمجة داخلية تحملك إثم الحب والجنس والتواصل مع الآخر وكأنك تنتهك حدود الله فتقف عاجزا بالنهاية عن الحياة حتى بين حرام وحلال وخطيئة ونار وجنة يقع الإنسان فريسة سهلة لمعتقدات بالية تخدم سلطة ما في زمن ما ليحيا بخوف وارهاب حتى في داخله اي يحارب نفسه.
ويشير لنا الكاتب بأن النصر العظيم هو الحب ولا شيء سواه، والجنس هو عملية وعي كامل وإنقاذ من كل مرارة هذا العالم المتهالك، وكأن الاثم أن نحب بعضنا ونتوافق و نصنع لحن سلام، والحرب والقتل هي الخدعة التي يحاولون نشرها وتعميمها من خلال فئات متطرفة تحت ستار الدين. وأخيرا كانت الحرية بالانتقال للعالم الآخر حتى هذا هيهات الحصول عليه.
لروعة الكاتب بإشارته لاستمرار المعاناة الإنسانية أبقى النهاية مفتوحة ولادة موت جديدة بتقمص جديد لكنه الحرب ولا سواها هذه الرواية تصور ما يحصل الآن بفلسطين تماما نرجو من الجميع الاطلاع عليها لأنها تستحق القراءة سلسة الفهم والسرد لغة تحاكي الجميع بكل سهولة وسلاسة.
…
هامش:
رواية من القطع المتوسط صادرة عن دار العراب في دمشق