مساء مختلف.. قصة قصيرة
محمد حسين | فلسطين – دمشق
المساءُ الذي حملَ أظافرَ الشّمسِ المغروزةِ في جسدِ الموت المؤجّل بكى على عتبات عنق العناق..
لم يعرف شكلَ المحطّة جيّداً لكنّه حزم حقائب الأفئدة ومضى يلهو مع تذكرة اللّقاء يصنع منها أشكالاً تشبه هياكلَ عظميّة فقدت لذّةِ الطّعام عندما غاب ملح المساء عن وجوههم..
كان المساء جنونيّاً هكذا وشوشَ له اليمام .
أشواقه تسابق الزّمن تلتقط من رذاذ دّمعه ملامحَ حبيبٍ يقطن في الجزء المرهق من مذكّراته الحالمة يتردّد في أعماقه صوتُ حكيم كهل :
لا تُسرعِ الرّكض في شوارعِ النّعاس أيها المسكون بالرّغبات
فهذا المساء يكتب رسائلَ الأرصفة الذّابلة ،
أتقنَ عزفَ العشق الممزوجِ بالأوجاع
لتنالَ النّجمةُ قسطاً من قُبَلٍ شاحبة.
تمرّ ساعاتُ الضّجر فوقَ خطوطِ جفونه يوغل عميقاً في بئر هدوئه..
تامر الذي بدت عليه علاماتٌ غربيةٌ لم يجد هو نفسه تفسيراً لها، كان يمشي تحت أجنحة السّماء يردّدُ كلماتٍ تبتلعها الرّيحُ عند خروجها من حجرةِ التّطويق
يمسكُ بسيلٍ من حرقةِ الانتظارِ المقيم في أوردته،
يتأبّطُ ظلّ اللّه قبل أن يغادرَ وجهه ،
يعيد تشكيلَ عطرِه من رائحةِ الزّعتر ،
ينادي على ظلّهِ:
لاتسرع الخطا ، أنت وحدك في شوارع الضّجيج الملتصقة بأفواهٍ من حديد ، لا تذهب بعيداً ،
لا تقرعْ أجراس اللّيل
أنت وحدك
تُعِدّ مشهدَ النّهاية بيديك وتنام على ركبة دّمع أمك المنساب فوق البنفسج ،
لا تطلقْ قدميك للرّيح، أنتظر خطواتها اللاهثة فأمواج صوتها تحطّم زجاج المسافات لتصافحَ روحك المثقلة بالشّوق والأمنيات،
تهمس في أذنه وسط صخب المدينة:
أيّها المعجون باللّقاء المترامي على أوجاع السّنين
تمهّل
عند انعطاف صراخك فوق السّحاب
خذ جرعةً من الهواء النّقيّ لتلك الجثث المصلوبة في بيوت الظّلّ ؛
تمهّل
فالوقت لم يحن بعد لتشربَ بقايا عطرِ التّعب
امسحْ ندى عمرك الموغل في خصرِ المساءات
افتحْ وسادةَ نومك
رتّبْ قصائدك
فوق دفاتري
وانتظرْني مع حكايةَ مساءٍ جديد…!!!