الدلاي لاما.. والغرض من الحياة
د. محمد سعيد حسب النبي | أكاديمي مصري
كتب الزعيم الروحي للتبت “الدلاي لاما” عن اعتقاده في الحياة فقال: “الغرض الحقيقي للحياة هو السعادة، فما نطمح إليه من صميم وجودنا هو الشعور بالرضا، ولقد اكتشفت أنه كلما اعتنينا بسعادة الآخرين؛ ازداد لدينا الإحساس بالسعادة، ذلك أن ترسيخ المشاعر الودودة بداخلنا تجاه الآخر يشعرنا باطمئنان النفس، ولما كان وجودنا غير مقتصر على الجانب المادي فقط، فمن الخطأ أن نقصر كل آمالنا في السعادة على الارتقاء الظاهري وحده، بل إن السبيل إلى السعادة هو تحقيق السلام النفسي”.
عجيب أمر هذه الكلمة، والأعجب أن ينشغل بها الفلاسفة وعلماء النفس والمفكرون والروحانيون والماديون والمتدينون.. بل والبسطاء والعلماء.. والفقهاء ليسوا من هؤلاء ببعيد، فما سر هذه الكلمة التي أقضت مضاجع الناس واستعبدت فكر كثير منهم، ولا ندهش إذا عرفنا أن مادة السعادة تدرس في معظم البيئات التعليمية الراقية في أكبر جامعات العالم؛ فمدرسة “ولينجتون كوليدج” بالمملكة المتحدة تدرس مادة السعادة وعلم النفس الإيجابي، وجامعة “كامبريدج” تدرس مادة علم النفس الإيجابي وعلوم السعادة، وكذلك جامعة “هارفارد” الأمريكية تعقد دورات تدريبة في السعادة، وتعمل هذه الدورات على تعزيز فهم الأشخاص لأهدافهم في الحياة، ثم تساعدهم في رسم خطوط عريضة لتحقيقها، ليصل المتدرب في النهاية إلى النجاح؛ فيستشعر الرضا نتيجة بلوغه السعادة الناجمة عن النجاح، أو يستشعر النجاح في الوصول إلى السعادة.
ولا يبتلع كثير من الفلاسفة والمفكرين فكرة انتظار السعادة لتُلقى علينا من السماء أو تهدى إلينا من الأرض، وإنما هي عملية إرادية تخضع لك فيها السعادة من خلال عمل جاد ناجح،وإيمان قويراجح، وخيال فتيجامح. فلا يرتقب أحد أن تُحسَّن ظروفٌ، أو تختلف أوضاعٌ، أو تتحول مسارات، وإلا فلن تطرق السعادة بابك لا بعد شهور ولا سنوات.
ولتخض معي تجربة تتوج بها نفسك بالسعادة، فعندما تهمّ بعمل ما، عليك أن تؤمن بيقين أنك ناجح، ولتسترجع خبرةسابقة لك حالفك فيها النجاح والتوفيق، واستدع كل أحداثها، وسترى ابتسامة علتْ وجهك دون أن تشعر، رسخ السعادة التي استشعرتها من هذه الذكريات في نفسك، وقل سيكون هذا شعوري، ولتقيد هذه المشاعر في عقلك الواعي، واستبعد أي ذكرى تراودك من أحداث الماضي خالفك فيها النجاح، فأحداث الماضي كمنطاد أحباله بيديك، إن شئت صاحبته أينما حللت وارتحلت، وإن شئت قطعت رباطه وغادرت.
كرر هذه التجربة لتقوّي مراكز الشخصية الإيجابية لديك، فتعزز شعور السعادة وتستنهض حلاوة الرضا، ويضحى قدرك سعيداً؛ فتُكشَف لك حُجب الوجود.. فتراه سعيداً.