قراءة في رواية ” صبري ” وتراث القدس
جميل السلحوت | أديب مقدسي
صدرت رواية ” صبري ” للكاتب عزام أبو السعود في شهر آيار 2008 عن منشورات الدائرة الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني بالقدس، وتقع الرواية التي اهداها المؤلف إلى ابنته لانا في 197 صفحة من الحجم المتوسط .
مدخل:
تأتي هذه الرواية عن مدينة القدس بعد رواية ” برج القلق ” للأديبة ديمة السمان الصادرة عام 2005 في جزئين عن الهيئة العامة المصرية للكتاب في القاهرة وسبقها ايضا في العام 1994 كتاب ” ظل آخر للمدينة ” للاديب محمود شقير، وإذا كان كتاب الأديب شقير أشبه ما يكون بالسيرة الذاتية للكاتب ومدينة القدس التي أبعده عنها المحتلون عام 1975 وعاد اليها في عام ،1993 فإن راوية الأديبة ديمة السمان برج اللقلق كانت فاتحة لبدء الرواية عن المدينة المقدسة؟ وتأتي راوية عزام أبو السعود التي نحن بصددها، لتشكل علامة فارقة متميزة وجديدة في نبش معلومات وعادات وتقاليد كانت سائدة في القدس،وطواها غبار الزمن.
موضوع الرواية :
تتحدث الرواية عن فترة ما بين سنوات 1914 و 1929 كما ذكر الكاتب في المقدمة، ومع تعدد الشخوص الذين وردوا في الرواية إلا أنّ بطليها الرئيسين هما الدكتور فؤاد الذي درس الطب في فرنسا، وشارك في الحرب العالمية الأولى كطبيب مع الجيش العثماني، وابنه صبري الذي درس الحقوق في كامبردج ، كما أن لأبي محمود ذلك القروي من قرية ”خربة مبروكة ” في مرج بن عامر دور هام في الرواية أيضا.
ومع إن الرواية تتحدث عن أسرة الدكتور فؤاد تحديدا إلا أنها كشفت لنا أشياء كثيرة عن حياة العائلات المقدسية في تلك المرحلة، لقد نفضت غبار الزمن عن عادات وتقاليد وصراعات داخلية وخارجية سادت المدينة المقدسة بشكل خاص، وعموم البلاد بشكل عام في تلك المرحلة.
ومع إن الدكتور فؤاد الذي درس الطب في فرنسا تنقل ما بين القدس وبقية المدن الفلسطينية، وبعض مدن بلاد الشام مثل دمشق وبيروت وغيرهما، وشارك في اتصالات ضد العثمانيين، ولاحقا ضد الانجليز الذين فرضوا انتدابهم على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، إلا أنه يشكل نموذجا لأحد أبناء العائلات المقدسة البارزين.
وجاء ابنه صبري الذي درس في المدرسة الصلاحية قرب باب الأسباط، وفي الكلية العربية ثم درس الحقوق في كامبردج، والذي حملت الرواية اسمه من خلال نموذج تربية ونشأة وتعليم ابناء العائلات المقدسية في تلك المرحلة .
شخصيات الرواية :
– الدكتور فؤاد : طبيب مقدسي ، درس الطب في فرنسا في اواخر العهد العثماني ، يشكل زبدة لخليط من عدة شخصيات مقدسية في تلك المرحلة ، يمثل نموذجا للزوج والأب وكبير العائلة الصارم الحازم ، وطبيبا يحترم عمله ويساعد مرضاه ، ومناضلا وطنيا حمل قضية شعبه ، فاتصل مع الامير شكيب ارسلان في دمشق ، وتحدث معه عن مظالم جمال باشا ، وعن ضرورة الخلاص من حكم العثمانيين ، واختلفا على ذلك ، كما اجرى اتصالات مع الملك فيصل الاول بن الحسين بن علي للخلاص من العثمانيين ، ولاحقا للخلاص من الانجليز والفرنسيين الذين تقاسموا بلاد الشام ، وكانت له علاقاته مع الشخصيات المقدسية والفلسطينية البارزة التي كانت تتفاوت في مواقفها المناهضة للاحتلالات الأجنبية .
– صبري : ابن الدكتور فؤاد ، والذي رافق مسيرة والده منذ ولادته ، ومن خلاله نتعرف كيف كان ينشأ ابناء العائلات المقدسية، من حيث الالتزام بالعادات والتقاليد ، وطاعة الوالدين في كل الأحوال والظروف ، درس في المدرسة الصلاحية قرب باب الأسباط في القدس ، ثم في الكلية العربية على قمة جبل المكبر، وبعدها الحقوق في كامبردج ، كان ذا توجه قومي منذ نعومة اظافره ، واصيب بجراح في مظاهرة ضد الانجليز .
– ابو محمود : قروي من قرية “خربة مبروكة ” واعتقد انها قرية وهمية ابتدعها خيال الكاتب ، في مرج بن عامر ، شارك في الحرب العالمية الثانية كجندي مع الجيش العثماني ، واصيب بجراح انقذه منها الدكتور فؤاد ، اصطحبه في طريق العودة الى فلسطين وارتبطا بصداقة متينة على مستوى العائلتين ، شارك في الجمعيات السرية العاملة ضد العثمانيين وضد البريطانيين ، كان بسيطا ساذجا بحذاقة ، ووفيا لأصدقائه ، ومؤتمنا في علاقاته السياسية .
– زليخة: ” ام صبري ” : مع ان دورها ثانوي وهامشي ، الا ان ذكر شخصيتها يأتي للدلالة على المرأة التقليدية الأمّية ، التي تطيع زوجها ، ولا ترفض له امرا ، همها الوحيد توفير الراحة لزوجها ولابنها وبنتها ، ورعاية البنت الثالنية بالتبني، تعلمت القراءة والكتابة لتستطيع قراءة رسائل ابنها صبري وهو يدرس في بريطانيا .
الأسلوب :
اسلوب الكاتب سلس، ولغته منسابة بعذوبة ، سرد احداثا عديدة عن تلك الفترة، تداخل في أسلوبه فن الرواية مع فن الحكاية ، ولا غرابة في ذلك، فالسرد عن فترات سابقة يتداخل فيه الروي مع الحكي ، وان كان الحكي في روايتنا هذه يطغى على الرواية .
التشويق:
عنصر التشويق طاغ على الرواية، بحيث انه يأسر القارئ ويجبره على متابعة احداث الرواية.
معلومات وعادات وتقاليد :
جاء في الرواية مجموعة من المعلومات والعادات والتقاليد في تلك المرحلة التي يجهلها كثيرون نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
– بعض الفلسطينيين الذين اعدمهم جمال باشا مثل :الدكتور علي النشاشيبي من القدس، الشيخ عارف الحسيني وابنه احمد من غزة.
– مشاركة بعض المقدسيين والفلسطينيين في تأسيس جمعية العرب الفتاة المناهضة للعثمانيين. ص26
– موسى كاظم الحسيني والد الشهيد عبد القادر الحسيني وجد امير القدس فيصل كان زعيم فلسطين حتى وفاته في بداية ثلاثينات القرن الماضي.
– حالة العوز والفقر التي وصل اليها الشعب في اواخر العهد العثماني وصل الى قيام بعض التكايا مثل تكية ” خاشكي سلطان” في القدس بتوزيع حساء الفريك مجانا على المحتاجين ، ومنهم بعض ابناء العائلات المعروفة ، أو من الأكابر كما ورد في الرواية ص 30.
– لجوء العثمانيين الى اقتلاع اشجار الزيتون الرومانية ، لاستخدامها كوقود لتسيير القطارات لنقص الفحم ص .33
– كانت اتصالات بين الشريف حسين بن علي وبعض القيادات الفلسطينية والعربية في سوريا لتأليب الجنود والضباط العرب في الجيش العثماني لتركه ، والانضمام الى القوات الانجليزية لمحاربته. ص 39
– وصل الفقر في اواخر العهد العثماني الى درجة ان الناس لم يعودوا يجدون الا خبز الذرة ص 41
– رئيس بلدية القدس في اواخر العهد العثماني كان حسين بيك الحسيني ص43 وبعده موسى كاظم الحسيني ص 74
– عندما دخل الجنرال اللينبي القدس رُفعت الأعلام البريطانية والفرنسية والايطالية على بوابات وأسوار القدس ، ولم يرفع أي علم عربي. ص 45
– شارك عدد من الفلسطينيين في العمل مع الملك فيصل الاول الذي كان يعسكر في منطقة الازرق في الاردن قبل ان يتوجه الى دمشق ويؤسس حكومته هناك ، بينهم خليل السكاكيني صاحب نشيد ” ايها المولى العظيم” ، الذي كانوا ينشدونه امام الملك. ص 49
– تأسست في فلسطين في تلك الفترة ” الجمعية الاسلامية المسيحية ” وطالبت بالغاء اتفاقية سايكس بيكو ووقف الهجرة اليهودية الى فلسطين. ص53
– سوريا الطبيعية – بلاد الشام – تمتد من جبال طوروس شمالا الى قناة السويس جنوبا .
– قبل الحرب العالمية الثانية وتقسيم البلاد العربية الى دويلات كان بعض المزارعين الفلسطينيين يسوقون نتاجهم في دمشق وبيروت. ص 55
– حاكم القدس البريطاني ” ستورز ” عزل موسى كاظم الحسيني عن رئاسة البلدية لآرائه السسياسية ، فاستلم الرئاسة مكانه راغب بيك النشاشيبي ص 74
– كلية الروضة في القدس اسسها آنذاك كل من الشيخ محمد الصالح والشيخ حسن ابو السعود وعبد اللطيف الحسيني ص 78
– تأسست في فلسطين ” الجمعية العربية اليهودية ” من قبل اليهودي كالفرسكي وحسن شكري رئيس لبلدية حيفا.
– عند وفاة مفتي فلسطين كامل الحسيني ، تولى شقيقه الحاج امين الحسيني منصب المفتي وهو في الخامسة والعشرين من عمره ، مع ان المرشح الأقوى كان الشيخ حسام الدين جار الله احد العلماء البارزين في القدس. ص 110
– كان الصراع على زعامة القدس بين عائلتي الخالدي والحسيني ، ثم تحول الى صراع عائلي بين الحسيني والنشاشيبي ص 111
– كان موسى العلمي خريج كامبردج ضابطا في الجيش التركي ، وشغل والده فيضي العلمي منصب رئيس بلدية القدس في نهاية القرن التاسع عسر.
– امتد العمران الفلسطيني من القدس القديمة الى حيّ الطالبية والبقعة في المنطقة الجنوبية خارج سور المدينة ص 119
– ساهم الملك فيصل الاول في التعليم الجامعي لأبناء بعض العائلات المقدسية والفلسطينية. ص 1120
– عند افتتاح الأبنية الجديدة وسكنها ، كان المقدسيون يعملون حلقة ” مولد ” تـُنحر فيها الخراف والجمال. ص 130
– كانت أبواب القدس القديمة تغلق ليلا. ص 131
– مراسيم الخطبة والزواج في القدس كانت شبيهة لعادات القرويين حاليا. ص 132
– خطبة العروس عند المقدسيين هي المدة بين الطُّلبة الرسمية وبين يوم الزفاف. ص 134
– زار اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني القدس عام 1925 لحضور افتتاح الجامعة العبرية ، ولم يسمح له المجلس الاسلامي الأعلى والجمعية الاسلامية المسيحية بزيارة المسجد الاقصى ، وكنسية القيامة ، ولم يقاطعه راغب بيك النشاشيبي رئيس البلدية والقاضي علي بيك جار الله ، وهما العربيان الوحيدان اللذان رفضا مقاطعة بلفور ص 138
ما كان يجب:
يؤخذ على هذه الرواية أن الكاتب أسهب في وصف لندن وبعض المدن البريطانية والعادات البريطانية،بحيث أنها اخذت عشرات الصفحات من الرواية ،فلا مبرر لذلك حسب رأيي خصوصا وأن الرواية عن القدس.
هذه بعض المعلومات وبعض العادات والتقاليد التي وردت في الرواية ، ونحن اذ نسجل هنا ، ان هذه الرواية تشكل اضافة نوعية للمكتبة العربية ، فإننا ننتظر الأجزاء اللاحقة من الكاتب ، كما ننتظر اعمالا اخرى لكتاب آخرين عن القدس ، وعن بقية المدن الفلسطينية والعربية