استفحال العنف في زمن كورونا بتونس وصيحات فزع تخترق الصمت
محمد المحسن | تونس
تفاقمت ظاهرة العنف ضد النساء في ظل جائحة كورونا وأصبحت تشكل تهديدا جديا يستهدف المرأة بالأساس،ومع تنفيذ البلدان تدابير الإغلاق اشتد العنف ضد المرأة وبخاصة العنف المنزلي في بعض البلدان،حيث احتجزت النساء بين أربعة جدران ما ادى الى ارتفاع المكالمات إلى أرقام المساعدة خمسة أضعاف،بحسب الأمم المتحدة.
هذا، واحتفلت الأمم المتحدة،في اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة، في 25 نوفمبر الماضي (2020)،مؤكّدة في تقرير لها ارتفاع معدلات العنف بسبب الجائحة،طالبةً إيقاف هذه الممارسات عبر حملة “تحويل العالم إلى البرتقالي: موّلوا،واستجبوا، وامنعوا، واجمعوا”، وذلك لاتخاذ إجراء دولي لتمويل وضمان توفر الخدمات الضرورية للناجيات من العنف خلال أزمة كورونا.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن العنف يظهر في أشكال جسدية وجنسية ونفسية وتشمل: عنف العشير (الضرب،الإساءة النفسية،الاغتصاب الزوجي، والمضايقات الجنسية (الاغتصاب، الأفعال الجنسية القسرية،التحرش الجنسي غير المرغوب فيه،الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري،التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)،الاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال الجنسي)، تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، وزواج الأطفال.
وكانت بيانات لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، قد نشرت في نهاية سبتمبر الماضي (2020)،أنّ التدابير الذي فرضها الحجر المنزلي أسفرت عن ارتفاع معدلات البلاغات والشكاوى حول قضايا عنف أسري، بنسبة 30 بالمائة في فرنسا وقبرص،33 بالمائة في سنغافورة،و25 بالمائة في الأرجنتين.
حتى قبل ظهور جائحة فيروس كورونا المستجد، تعرضت واحدة من كل خمس نساء للعنف المنزلي.
ووفقاً لما نقلته منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن بيانات الحكومة الفرنسية،قتلت 146 امرأة على يد شريك حالي أو سابق عام 2019،أي بمعدل امرأة واحدة كل يومين ونصف اليوم، وأكثر بنسبة 20 بالمائة عن عام 2018.
العنف ضد المرأة وصمة عار فى جبين الإنسانية:
رغم التطورات الكُبرى التي شهدها واقع المرأة دولياً منذ عقود إلاّ أنه ما زال العنف ضد المرأة وصمة عار فى جبين الإنسانية،فواقع الإنسانية يقول: إنَّ من بين كل ثلاث نسوة في العالم تتعرض واحدة على الأقل في حياتها للعنف،وهناك أكثر من 60 مليون أنثى حُرمن من الحياة جراء عمليات الإجهاض الانتقائية الرامية إلى التخلص منهن ومن جنينهن.
ولا يمر عام إلا وتتعرض الآلاف من النسوة للاغتصاب على أيدي الأقرباء أو الأصدقاء أو الغرباء أو أرباب العمل أو الزملاء في العمل أو جنود وأفراد الجماعات الإرهابية المسلحة! وتحت مسميات أخرى كــ”ملك اليمين” و”نكاح الجهاد” وغيرها.
أما العنف العائلي فقد صار هو الآخر بلاءً مستوطنًا في جميع أنحاء العالم والأغلبية الساحقة من ضحاياه هم من النساء والفتيات،وكثيرًا ما يربط بعض الناس العنف ضد المرأة بالدين الإسلامي إلا أنه كالإرهاب لا دين له فهو غير مرتبط بدين ولا بلد،ففي الولايات المتحدة -مثلاً- تشكّل النساء نحو أكثر من 80% من ضحايا العنف المنزلي، وضحايا الاغتصاب والإجهاض ليست ببعيدة عن مثل هذه البلدان.
أرقام مفزعة وأسباب مختلفة:استفحال ظاهرة العنف في زمن كورونا بتونس..ونواقيس الخطر تدَّق:
ظاهرة العنف استفحلت في تونس خلال هذه الفترة الحرجة على الصعيد الكوني (تفشي وباء كورونا) حتى أصبحت هاجسا يؤرق جزءا من التونسيين الذين فقدوا الإحساس بالأمان.كما أصبح العنف عقيدة الجزء الآخر من الشعب وآليته الوحيدة للتعبير،حتى أن الامر تطور وبلغ حد تصدير العنف إلى ساحات قتال خارجية
اللافت في ظاهرة العنف في تونس أنها امتدت على نسبة عالية من فئة الشباب،حتى أن العنف أصبح السمة الطاغية على هذه الفئة.وهو ما جعل الخبراء يدقون ناقوس الخطر إيذانا بضرورة التحرك لتطويق هذه الظاهرة والبحث في اسباب تشكّلها وآليات تفكيكها.
بعض الارقام والاحصائيات المتعلقة بهذه الظاهرة تؤكد أن نسبة قضايا العنف في تونس بلغت 25 بالمائة من مجموع القضايا في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017.حيث كشفت دراسة أنجزها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول “العنف الحضري بتونس”،أن المجموع العام لقضايا العنف في تونس تجاوز في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2017 أكثر من 600 ألف قضية مسجلة،أي بمعدل 25% من العدد الجملي للقضايا.وهو ما يعكس ارتفاع مؤشر العنف بالبلاد.
حملة تضامنية:
وبالتوازي مع مجهودات وزارة المرأة في الإحاطة الجسدية والنفسية لضحايا العنف الزوجي خلال فترة الحجر الصحي،أطلقت جمعية “النساء التونسيات للبحث حول التنمية” حملة تضامنية وتوعية تحت شعار “ماكش وحدك” (“لست وحدك”) موجهة للنساء.
وحذرت الناشطة النسوية في الجمعية عفاف التومي من أن النساء بتن الحلقة الأضعف والأكثر تضررا نفسيا وجسديا من إجراءات الحجر الصحي الذي فرضته السلطات للوقاية من انتشار وباء كورونا.
وأكدت في حديثها للجزيرة نت،أن الحملة التضامنية تهدف لفضح جميع الانتهاكات الجسدية ضد المرأة،والتي شهدت منحى تصاعديا مخيفا خلال فترة الحجر الصحي،بالتوازي مع ارتفاع نسبة الخلافات الزوجية.
وشددت على أن خلية الإنصات التي أنشأتها الجمعية بالشراكة مع وزارة المرأة،شهدت ارتفاعا مطردا في عدد الشكاوى والبلاغات الخاصة بحالات العنف المسلط على النساء،حيث شهدت الفترة الممتدة من 23 إلى 27 مارس/آذار 2020/ 39 حالة تبليغ عن العنف مقابل 7 حالات في الفترة ذاتها من سنة 2019.
رعاية نفسية
وبالتوازي مع تواصل الحجر الصحي في البلاد،توجهت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجريبي بنداء إلى الأطباء ومختصي علم النفس ورجال القانون للانخراط بشكل طوعي لتخفيف منسوب التوتر وتقديم الاستشارات القانونية للمواطنين بشكل مجاني.
وأكدت الجريبي في تصريح لوكالة الأنباء الحكومية،تلقي المنظمة النسوية في الأيام القليلة الماضية الماضية 20 مكالمة هاتفية لنساء من ضحايا العنف بسبب الضغط والتوتر داخل الأسر التونسية،مع تواصل فترة الحجر الصحي المنزلي.
“كورونا”.. هاشتاغ تونسي لحماية المرأة:
أطلقت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات هاشتاغ #العنف_ضد_النساء_يقتل_ كيف_الوباء للتوعية بمخاطر العنف الذي تتعرض له المرأة بالتزامن مع إجراءات الحجر الصحي الشامل.
وشاركت تونسيات هذا الوسم على صفحاتهن بمنصات التواصل الاجتماعي،مع استعراض أرقام وحقائق حول تضاعف العنف الموجه ضد المرأة في الفترة الأخيرة.
وقالت رئيسة الجمعية،يسرى فراوس،إن”الحملة تأتي لإبلاغ رسائل للمعنفين بأنهم لن يفلتوا من العقاب،ولمطالبة السلطات باتخاذ إجراءات واضحة بهدف حماية النساء”.
وأوضحت فراوس في تصريح لـ”أصوات مغاربية” أن “الجمعية نبهت منذ منتصف مارس إلى إمكانية تصاعد حالات العنف الموجه ضد النساء في الفضاء الخاص”.
وأكدت أن “مركز تونس للاستماع والدعم والتوجيه تلقى خلال الأيام القليلة الماضية 43 شكاية لنساء ضحايا العنف”.
وأضافت أن “النساء يواجهن صعوبات كبرى في التنقل إلى المستشفيات لتلقي العلاج أو إلى مراكز الأمن لتقديم شكايات ضد المعنفين علاوة على تعطّل مرفق القضاء”.
وكانت وزيرة المرأة السابقة،أسماء السخيري،قد أكدت في تصريحات إعلامية سابقة “تضاعف عدد إشعارات النساء ضحايا العنف خمس مرات، خلال الفترة ما بين 23 و27 مارس 2020”.
من جانبه اعتبر المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي في تصريح اعلامي أن العنف جزء من التركيبة البشرية.واشار الى ان ظاهرة العنف في تونس تفاقمت خلال السنوات القليلة الماضية ملاحظا أن العنف كان موجودا قبل الثورة ولكن الدولة كانت قادرة على إخفاء جزء منه لتكون بذلك هي الأكثر احتكارا لهذه الظاهرة.واضاف أنه كلما تفاقمت ظاهرة العنف في مجتمع معين فإن ذلك يعكس ضعف الدولة.
واعظ ديني اتصلنا به واستقسرناه حول هذه الحالة المَرَضية (استفحال ظاهرة العنف الموجه ضد المرأة) فقال :”إن للخطاب الديني التوعوي دورا كبيرا في التصدّي لكل أشكال العنف الذي قد يُسلّط على المرأة”.ولاحظ محدثنا ”أن تونس لها جذور ضاربة في القدم في رفض هذه الظواهر المجتمعية”.
وأضاف أن مسؤولية مناهضة العنف ضد المرأة مسؤولية جماعية لوزارة الشؤون الدينية دور فيها،بالتعاون مع بقية أجهزة الدولة والمكونات المجتمعية.
وإذن؟
أن مسألة العنف المسلط على النساء إذا،ظاهرة خطيرة وتتطلب النظر فيها بأكثر جدية،وأغلب ضحاياه يكشفن عن العنف المادي وقد لا يتحدثن عن بقية أصناف العنف،ذلك أن العنف بمعناه الشامل والذي يشمل العنف والتحرش الجنسي والعنف الاقتصادي والسياسي لا يزال التبليغ عنه ضعيفا،ومن هنا لم نصل بعد إلى درجة الوعي للمعالجة والإحاطة بالنساء المعنفات والمتابعة النفسية لهن ولأطفالهن.
على سبيل الخاتمة:
ان تحديد العنف لا يزال طبق التعريف القديم الكلاسيكي،وهو ما تعكسه الأرقام الحالية،فقانون مناهضة العنف ضد النساء،جاء ليكون أشمل ولحماية النساء والأسرة إلا أننا بعيدون عن الأهداف التي وضع من أجلها،ذلك أن الأرقام تكشف حقيقة مفزعة سيما خلال تفشي وباء كورونا وفرض الحجر الصحي،وهو ما يستدعي معالجة ظاهرة العنف والإحاطة بالنساء أكثر،ومحاولات إيواء الضحايا وتوفير المعالجة النفسية لهن لأن هذا هو المطلوب،خاصة وأن ظاهرة العنف تؤثر على التنمية وتمس الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان،وبات بالتالي من الضروري تطبيق الدستور التونسي ووضع الآليات لحماية الحقوق الاقتصادية للنساء..