الفكر والحلم في رواية أرواح برية لـ” عبد السلام صالح”
رائد محمد الحواري | فلسطين
الفكر
بما أننا أمام رواية تتناول مواضيع (محرمة) اجتماعيا ودينيا، وتتحدث عن الإيمان بطريقة غير معهودة، فإن هذا له جذور/أسس اعتمدت عليها الرواية، فالشخصيات المتمردة بالتأكيد ليست عادية، وتمتاز بثقافة ومعرفة فكرية تميزها عما هو عادي، لهذا نجدها تتحدث بأفكار تحتاج إلى وقفة وتأمل، منها هذا القول: “نحب الوطن اللي بعيش فينا وما بتعيش فيه” ص47، اجزم أن هذا القول كاف لإيصال حجم الألم/الاغتراب الذي يعانيه الموطن في الوطن، وكما أنه يشير إلى عقم وفساد وشراسة قمعية النظام الرسمي العربي.
ولم تقتصر الأفكار على عبارة متعلقة بالسياسي، بل تعدتها إلى ما هو فكري: “فأنت كنت تقول أن الحياة أعطية الموت، منحناها لا لأجل أن نعيش بل لكي نموت، الوت المعنى، والحياة تفصيلة صغيرة، نزهة سريعة، استظلال قليل من قيظ الموت.. غفلة.. برهة وتزول” ص50، واقع حياة الإنسان/الفرد على الأرض قصيرة جدا، إذا ما قارناها مع الحياة على الأرض، أو بحياة البشر كلهم، فهناك آلف الأعوام سبقته وأخرى ستلحقه، وهذا ما يجعل حياة محدودة، وأنها جزء صغير من كلي ضخم وهائل.
قلنا أن الرواية تتناول العلاقة المحرمة بين الرجل والمرأة، يتحاور خالد ومريم حول هذا العلاقة بهذا الشكل: “ـ أردت أن نلتقي ذهنيا وفكريا، نتحاور، نقرأ كل شيء معا نحاوره ثم نذهب في رحلة الروح معا، لكنك أردتها عكس تراتيبي التي لا أدري من أين أتت، سحبت الروح من خصرها ونثرتها على سامات الجسد.
ـ المادة والمحسوس أولا.. لنعرف جسدينا أولا، فربما يدلنا إلى دروب الروح” ص92، اللافت في هذا الحوار الإشارة إلى أن العلاقة الجسدية لم تكن بدافع الغريزة الجنسية، بل بدافع المعرفة، أو بدافع إيجاد طرق للمعرفة، وإذا أخذنا ما قالته “مريم” يمكننا الاستنتاج أنها تستخدم الجسد كوسيلة للتحرر مما علق به من شوائب، فأرادت تظهيره من خلال جسد آخر. وهذا ما يجعل الجسد وسيلة وليس غاية، بمعنى أنه من سيوصلهما إلى الحالة الروحية التي ينشدانها.
الحلم
في الواقع البائس، يلجأ عقل الإنسان إلى ما يجعله قادرا على تحمل وتجاوز هذا الواقع، فيأتي الحلم/التخيل ليكون طاقة يستمد بها الإنسان هذه القدرة على التحمل/البقاء/الاستمرار.
الطبيعة احد عناصر الفرح، التخفيف، كحال المرأة والكتابة والتمرد، التي يلجأ إليها الأديب وقت الشدة/الضيق، بما أن هناك واقع مرير، فإن هذا يستدعي استخدام كافة عناصر الفرح، يقدمها لنا “خالد” بهذا الشكل: “أحلم بجبل أبني به بيتا وأشجره، أزرع أشجار كرمتنا وأعتقها نبيذا، جرارا هائلة من الخمر. ونساء .. نساء نقرأ لهن شعرا، ونساء يسكبن لنا خمرنا ويمزجنه باحتراف، نساء ماجنات ونساء قديسات. بيت على جبل وأرض نزرعها، ونداعبها عند الصبح، نمشط لها قمحها، وأشجار نرعاها ونستظل بها، بيت لا حوله إلا العراء، نسكوه نحن بأيدينا اخضرارا وشجرا، وحين نسكر نخلع كل ملابسنا.. نعوي .. نركض حتى نهاية ذلك الجبل البعيد، حتى يهدنا التعب فنرتمي على التراب.. نبكي .. نعفر روحنا .. نملأ فمنا من ترابه ونعض على كل شيء” ص72، نلاحظ أن هناك استخدام لكافة عناصر الفرح/التخفيف، الطبيعية نجدها في: “جبل (مكرر)، أشجار (مكرر)، كرمتنا، أرض، قمحها، تراب (مكرر)، والمرأة نجدها في: “نساء (مكرر) ماجنات، قديسات، والكتابة نجدها في: “نقرأ، شعرا” والتمرد نجده في: “يسكبن خمرا، ماجنات، قديسات، نسكر، نخلع ملابسنا، نعوي، نركض، نعفر، فنرتمي، نملأ، نعض، وكأن “خالد” في هذا المقطع يعبر عن واقعه، فاستخدام كافة عاصر الفرح/التخفيف في مقطع واحد، يشير إلى حجم الضغط الواقع عليه، لهذا يريد طاقة كبيرة واستثنائية حتى تخرجه مما هو فيه، فكان لا بد من الأخذ بهذا الزخم وهذه الكيفية في الاستخدام.
وقبل أن نغادر ننوه إلى أن هذا المقطع يتماثل تماما مع حمولة الألفاظ الشعرية، بمعنى أن الشعر هو النموذج الأكثر تطبيقا لعناصر الفرح/التخفيف، وبما أن مقطع الرواية جاء متماثلا لطريقة تحليل القصيدة، فهذا يعطيه قيمة جمالية استثنائية، لما فيه من صور وسلاسة ولما يحدثه من متعة للقارئ.
الرواية من منشورات أزمنة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 1999.