لماذا أضعنا الفرصة.. دراسة في المضمر الثقافي العربي: بداية لكتابة تاريخ جديد
د. خضر محجز | فلسطين
استهلال:
“لنشد الانتباه إلى الواقع كما هو حقيقة. ولنفعل ذلك بقوة؛ ذلك إذا ما أردنا تغييره… علينا أن نكون متشائمين في ذكائنا، متفائلين في إرادتنا”. أنطونيو غرامشي
وهكذا عدنا من حيث أتينا. وكأن الأمر لا يعدو مشاهدة فيلم من أفلام الرومانسية، ثم الخروج من القاعة، لمواجهة زحمة الحياة، واستغوال القوة، وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات.. هكذا عدنا، وهكذا استقررنا في مأوانا، الذي لا مأوى لنا سواه، بعد أكثر من خمسين عاماً من الأحلام الجميلة، والكفاحات الجميلة، والشعارات الجميلة.. هكذا عدنا، والتفّ آخر مسيرتنا على أولها، ليعيد التاريخ نفسه بهذه الصورة المأساوية. لكأننا أبطال رواية من روايات السخرية السوداء!. فهل آن الأوان لجردة حساب؟.
لقد حصلنا على استقلالنا الوطني في منتصف القرن الماضي، ممنين أنفسنا بتحقيق الوحدة والديموقراطية والعدالة وحرية الإنسان. فكيف نرى المشهد الآن، بعد مرور أكثر من خمسين عاماً؟. ولو أننا أمعنا النظر في حال الإنسان العربي، والدولة العربية، والواقع العربي الآن، وقارناه بما كان عليه، قبل حصولنا على (الاستقلال الوطني) قبل خمسين عاماً، فهل نرى من فارق؟.
أعتقد بأن الجواب بالسلب. أو ربما، إن وجد مثل هذا الفارق؛ فهو فارق سلبي لصالح الماضي: أي أن حال العرب قبل خمسين عاماً كان أفضل. ولم يعد أحد يجادل في هذه الحقيقة.
كنا نناضل من أجل التحرر من السلطان الأجنبي. وها قد عدنا نفعل نفس الشيء، في بدايات القرن الواحد والعشرين. وما لم يتم احتلاله من أرضنا، فهو في الطريق إلى ذلك. والمسألة مسألة وقت، ليس إلا.
كنا نناضل لتحقيق الديموقراطية، أو للمشاركة في صنع القرار. وها قد عدنا نكرر نفس الشعار ـ الذي لم نستطع تحقيقه في مرحلة الاستقلال الوطني الماضية ـ بعد أن تنازلنا عن شيء من محتواه، لعل الحكام يشفقون علينا، أو يخجلون منا، فيهبونه لنا مجاناً، أو بعد بعض المظاهرات المحسوبة!.
كنا نناضل في سبيل الوحدة العربية. وها قد عدنا، مرة أخرى، نناضل في سبيلها، بعد أن أصبحت أبعد منالاً ، كأنها السراب أمام عين المسافر في الصحراء.
كان يحكمنا الحكام الأجانب، فيجورون كثيراً ويعدلون قليلاً. فصرنا الآن نعاني من حكام (وطنيين) يجورون تماماً، ولا يعرفون العدل ساعة من نهار ـ ثم يعيروننا بأنهم هم الذين جلبوا لنا هذا (الاستقلال الوطني) ـ حتى صرنا نترحّم على عهود الاحتلال!.
كان يحكمنا حكام مستعمرون، ينهبون ثرواتنا، وينفقون علينا منها القليل. وصار الآن لدينا (أو علينا) حكام وطنيون، يأخذون ثروتنا بالكامل، ويسجلونها بأسمائهم الشخصية في البنوك الخارجية، ثم يتركوننا نهيم في الطرقات، ونأكل من المزابل، وننام على الأرصفة.
كان يحكمنا حكام من غير جنسنا، يكممون أفواهنا، ثم يفتحونها قليلاً لكي نمارس هواية الصراخ. والآن لم تعد لدينا صحيفة وطنية واحدة، تستطيع كشف ممارسات الحاكم، ومن تحدثه نفسه ـ في ظل الحكام الوطنيين ـ بأن يفتح فمه، فلا أحد سوف يعرف أين مكانه.
كانت بلادنا مقسمة فزادت تقسيماً، وكانت الحدود بيننا مصطنعة ومؤقتة، فأصبحت دائمة ودليلاً على الاستقلال. كان حكامنا ملوكاً فاسدين، فأصبحوا الآن رؤساء جمهوريات، من أخبث ما أنجبت هذه التربة من نبت مسموم، يورثون الكراسي لأبنائهم، مستعينين بصمتنا والمستعمر، بعد أن انقلبوا على أرباب الكراسي السابقين. والويل لنا، من محدثي النعمة هؤلاء، إذا نحن تنفسنا بطريقة لا تعجبهم.
والآن وقد حدث ما حدث، مما لم نستطع تغييره طوال خمسين عاماً، لا بد من جردة حساب، تبدأ بطرح الأسئلة المصيرية مرة أخرى.. هكذا تفعل الشعوب الحية بعد كل هزيمة: تنهض وتطرح الأسئلة وتحاسب الحكام.
أيها السادة، لا بد من محاسبة أحد، إذ لا بد للهزائم من أسباب، لأنها لا تأتي هكذا قدراَ. ولا بد للتراجعات من صانعين، لأنها لا تحدث من نفسها.. هكذا فعلت تركيا، بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى. وهكذا فعلت فرنسا، بعد هزيمتها أمام النازي في الحرب العالمية الثانية. وهكذا فعلت الباكستان، بعد هزيمتها وانفصال شطرها الشرقي، في بداية السبعينات من القرن المنصرم. وهكذا فعلت الأرجنتين، بعد هزيمتها أمام بريطانيا، في حرب الفوكلاند(1)، في سنوات قريبة من ذلك التاريخ. وفي عز لحظات القهر والظلام والهزيمة، لم تحدّث أيّاَ من هذه الأمم نفسُها بالاستسلام، كما تفعل أمتنا الآن. بل لقد سبق لنا أن فعلنا ما يشبه ذلك، في فترات الصعود القومي القليلة، خصوصاً بعد هزيمتي1948 و1967 فلماذا لا نفعل ذلك الآن، قبل أن نفقد كل شيء؟.
لماذا يحدث لنا الآن ما يحدث، من دون الأمم، ثم لا نثور ولا نحاسب؛ بل إننا حتى لا نرفع الصوت!. ثم كيف حدث لنا أن قفز هؤلاء الحكام على أكتافنا، وكيف حدث لهم أن نجحوا في تغييب إرادتنا، وإلهائنا عن عدونا الحقيقي بأعداء وهميين؟!. وهل العيب فيهم وحدهم، أم فينا وإياهم؟. ثم من أين تسلل هذا العيب إلينا؟. وكيف قُدِّر له أن يغيّب وعينا خمسين عاماً، لنصحو فنكتشف أننا لم نحقق شيئاً مما وعدنا به أنفسنا سابقاً؟.
كيف حدث أن مر علينا نصف قرن من (حكم وطني) واستقلال محمي بتوازن قوى عالمي، دون أن نستثمر (عمرنا) في بناء الذات؟!. لماذا سبقتنا كل مخلوقات الأرض، التي تحررت من الاستعمار بعدنا، وحققت نسبة من التنمية والديموقراطية، التي لا نحلم بتحقيق جزء منها، في المستقبل المنظور؟. لماذا أضعنا فرصة أن نتوحد، وأن نتقوى، وأن ننمو، وأن نحيا بحرية، وأن نملك وسائل مواجهة هذا الاستقواء العائد إلينا أسوأ مما كان؟!. وهل بات مفروضاً على شعوبنا أن تدفع ـ لأجيالٍ قادمة ـ ما سبق أن دفعناه، لمجرد أننا لم نستطع جني ثمار مرحلة (التحرر الوطني)؟!.
لماذا حدث لنا كل هذا؟. ثم ما العمل لكي لا يتكرر لنا هذا، مرة أخرى، عشية استقلال قد يتحقق يوماً؟!.. وهل العيب في ثقافتنا، أم في جينات الوراثة عند العربي سليل الصحراء؟!. وهل تسلل هذا العيب الثقافي إلى خلايانا، فباتت تورِّث مفاهيم الخنوع، للأبناء، من الآباء؟!. وهل لطريقة تديّننا ـ باعتبار الدين أهم مكون ثقافي عند العربي ـ دخل في كل ما يحدث لنا؟.
أعتقد أن الجواب على كل هذه الأسئلة لن يتحقق، إلا بعد قراءة الماضي، قراءة ناقدة تتيح لنا معرفة أين أخطأنا. فلربما نتعلم في مرة قادمة.
يقول إدوارد سعيد: “إن الكيفية التي بها نصوغ الماضي، أو نمثله، تصوغ فهمنا للحاضر، ووجهات نظرنا فيه”(2).
ونحن العرب كلما فهمنا لحظة حاضرة، فلا بد لنا من الحفر فيما وراء هذا الفهم، وما هي محدداته، وكيف رأيناه، ولماذا رأيناه بهذه الصورة دون سواها؟. وعلى سبيل المثال يمكن القول بأن انقلاب غزة في العام 2008، هو ناتج عن طريقة معينة في قراءة التراث، أو ربما عن قراءة سائدة غير ناقدة لهذا التراث. فكلنا يعلم بأن الجماعات الأصولية تقدس التاريخ، ومن ثم يمكن لها أن تسعى إلى إعادة إنتاجه. ولئن لم يتمكن الحاكم الأصولي من أن يكون عمر بن الخطاب، فإن بإمكانه أن يتمثل هارون الرشيد، أو معاوية، أو يزيد، أو حتى الحجاج بن يوسف الثقفي: فلا شك أنهم كلهم ـ من وجهة نظر أصولية ـ حكام مسلمون!. وعندئذ يصبح بالإمكان ارتكاب كل الموبقات، بضمير مرتاح، واعتبار أن لهم فيمن سبقوا من (العظماء) أسوة حسنة!.
أيها السادة، “إن ضروب الماضي التي لم تجد طريقها إلى التعبير، أو التمثيل، لا تزال تتعقب الحاضر التاريخي”(3)؛ ولن تتوقف عن ذلك البتة. إن قروناً كاملة، من القهر والظلم والطغيان والانقلاب على الوعي، تتعقبنا وتتدخل في رؤيتنا للحاضر. ولكي نتمكن من فهم الحاضر فهماً واعياً، فلا لنا بد من الكشف عن كل هذا الإرث وتحليله، على طريقة مدارس التحليل النفسي، لكي تنفك العقدة، ونعرف كيف نقرأ الحاضر.
دعوني أقل لكم أن كلاً من (رباني)، و(حكمتيار)، و(سياف)، و(طالبان) وكل أمراء الحرب في أفغانستان ــ ما قبل غزو أمريكا ــ لم يكن لهم أن يطلقوا الصواريخ على بعضهم البعض، لولا أنهم قد قرأوا التاريخ قراءة مغلوطة. ولئن تذكرنا أنهم يحملون شهادات الدكتوراه في الشريعة، لقد نعلم أن كل واحد منهم كان يسبق كل قذيفة، يطلقها على أخيه، بركعتين لله مطالبا بالنصر.
هكذا كان يفعل علي، وهكذا كان يفعل معاوية. ولقد سكتنا عن كليهما، ووقفنا على الحياد، في معركة دارت على وعينا ومستقبلنا؛ بل ربما يمكن القول بأن صمتنا ذلك هو الذي ساهم ـ مساهمة جديرة بالمراجعة ـ في انتصار البغي على الحق، لنستحق من بعدُ كل هذه اللعنات التاريخية.
إذن فقد عدنا بالفعل إلى البدايات الأولى!.
لا جرم، فأنا من هؤلاء الذين يعتقدون أن بداية بداياتنا هي الإسلام، لا أي لحظة سواها: فالأمة العربية تكونت بالإسلام. واللغة العربية لم تتبلور، في صورتها النهائية، إلا قبيل الإسلام، وكمقدمة لنزول القرءان. والتاريخ العربي يبدأ من لحظة ظهور ذلك الشخص المميز: محمد صلى الله عليه وسلم؛ بما جاء به من السماء، ثم بما انبثق من داخله من الأخلاق، التي جاء الإسلام ليتمم مكارمها.
إذن فلنبدأ بوصف ما كان عليه حال هذه المزق، من المخلوقات التي كناها، قبل أن نتحول إلى أمة. ولا أجد أشد تكثيفاَ في وصف تلك الحال، مما قاله جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، أمام النجاشي وقد سأله عن هذا الدين، وكيف فعل بهم ما فعل:
“أيها الملك، كنا قوماً أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف. فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان. وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء. ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات. وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً. وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام”(4).
ولقد كان ما كان. وحققنا ذاتنا كأمة، وأنجزنا وثبة حضارية من نوع مميز، بهذا الدين، وفق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ولقد كان مقدراً لنا أن نواصل مسيرة صعودنا الحضاري، لو استمسكنا بما به نشأنا.
لكننا شئنا شيئاً آخر، فكان لنا ما شئنا، ثم نسبنا ذلك إلى الله. وما ذلك إلا لقرب عهدنا بالفوضى والتواكل والاستسلام للطغيان؛ وهي السمات الأساسية من عهد الجاهلية.
لقد تسللت إلى دمائنا جرثومة الطغيان مبكراً، من لحظة ابتداء الانحراف الكبير. وإنني أرصد تلك اللحظة، من يوم أن قرر برلمان الأمة الخضوع لسلطة الخوف من المجهول، وفضل الاتباع والسكون وهيمنة الأدوات القديمة، على الاجتهاد ومواجهة المستقبل واختراع أدوات جديدة. والبرلمان كان هو طبقة أهل الحل والعقد في المدينة المنورة. والأدوات القديمة كانت هي طريقة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، في اختيار الحاكم. وسلطة الخوف كانت تتمثل في ذلك الشعور القوي، الذي غلب على أعضاء البرلمان، بأن علياً رضي الله عنه يريد السلطة، ويتوق إلى جعل الخلافة وراثة في أبنائه من بعده.
إنني أود أن أقرر حقيقة هامة هنا مفادها، أنني لا أنتقص من قدر أحد، عندما أصفه بالرغبة في الوصول إلى السلطة، ما دام ذلك بالوسائل المشروعة. إنني أرى أن علياً كان فعلاً يريد السلطة، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لا لطمع، بل ليقيم دولة على مثالٍ يراه في نفسه. وإن كون علي شخصاً مميزاً وحكيماً وشجاعاً ونزيهاً وزاهداً ـ كما يرى نفسه، وكما نراه نحن كذلك ـ لا يلغي حقيقة رغبته في الوصول إلى السلطة، لتحقيق ذلك المثال، الذي كان يخاف عليه، بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم. لكن خطورة هذا المثال كانت اعتقاد علي بأحقية آل محمد بالخلافة من بعده؛ مما يعني إقامة مملكة ثيوقراطية وراثية، الأمر الذي لم يكن له أن يعجب أغلب أعضاء البرلمان.
وإذ كان ذلك كذلك، فقد وجد الشيخان نفسيهما مندفعين إلى المبادرة بالالتفاف، على هذا التصور الجنيني، بفعل سريع، تمثل في جمع الناس في سقيفة بني ساعدة، وحثهم على مبايعة أبي بكر، وإقرار نظام الخلافة على شكله الذي صار عليه.
ولئن كان هذا النظام هو أفضل المتاح، في تلك اللحظة، فلقد يمكن القول بأن السرعة في إقراره، كان دافعها الخوف من اجتهادات علي، المشغول تلك اللحظة بتغسيل النبي صلى الله عليه وسلم، وتجهيزه لرحلته الأخيرة.
ولقد كان ما كان. ولقد حدث ذلك بأبدع طريقة. ولقد كان ذلك لا مفر منه. ولقد كان ذلك مرضياً للسابقين واللاحقين، بحيث نال ما يشبه الإجماع، منذ زمنه حتى الآن.
ثم تُوفي أبو بكر بعد عامين. وكان الخوف من اجتهادات علي ما زال قائماً، مما جعل من المناسب أن يستخلف أبو بكر صاحبه عمر بن الخطاب، ليكمل المشوار، تمهيداً لإقرار شكلٍ آخر للنظام المستقبلي.
ولقد كان. وزادت خلافة عمر على العشر سنوات. ثم مات بعد استقرار الدولة فعلاً، واستقرار شكل النظام، وفق النموذج الأقرب إلى الديموقراطيات الحديثة، بعد ذلك: حيث كان قد تقرر، من قبل وفاة عمر أن الخلافة بالانتخاب، وأن الشورى ملزمة، وأن أهل الدين كلهم لهم الحق في الترشح والانتخاب: لا فضل لأهل البيت في هذا عن غيرهم، ولا فضل لعربي على عجمي، ولا لغني على فقير. مما يعني أن رغبة عمر في توسيع دائرة اختيار الحاكم، من مرشح واحد إلى ستة من أعضاء البرلمان الموثوقين، باتت أمراً تقرره طبيعة التطور المجتمعي؛ لا السماء، ولا دعوى الوراثة. ومما يعني، كذلك، أن على الخليفة، الذي يليه، تطوير هذا التصور، وتوسيع دائرة اختيار الخليفة، في شريحة أوسع، لأن هذا هو ما تقتضيه طبيعة تطور الأمور، في سياقها الذي جاء به الإسلام، وفي شكلها الذي بلوره الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فلنقرأ هذه السطور من رواية ابن إسحق، لخطبة عمر بن الخطاب بالمدينة، بعد قدومه من آخر حجة حجها قبيل وفاته:
“قال ابن عباس: فقدمنا المدينة. فلما كان يوم الجمعة، عجلت الرواح [إلى المسجد] حين زالت الشمس، فأجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالساً إلى ركن المنبر. فجلست حذوه، تمس ركبتي ركبته. فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب… فلما سكت المؤذنون، قام، فأثنى على الله بما هو أهل له. ثم قال: أما بعد، فإني قائلٌ لكم اليوم مقالة قد قُدّر لي أن أقولها، ولا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته… ثم إنه قد بلغني أن فلاناً قال: لو قد مات عمر بن الخطاب، لقد بايعت فلاناً. فلا يغرّنّ امرءاً أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت. وإنها قد كانت كذلك، إلا أن الله قد وقى شرها. وليس فيكم من تنقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر. فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين، فإنه لا بيعة له، هو ولا الذي بايعه؛ تغرةً أن يُقتلا”(5).
وبعد موت عمر، كان حرياً ببرلمان المسلمين اختيار أفضل الستة، دون حسابات غير حسابات المصلحة العامة، ودون الوقوع تحت طائلة تهديد لم يعد موجوداً: فعليّ تلك اللحظة ليس عليّاً يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل اثني عشر عاماً. فلقد تقرر شكل النظام، واستقرت الدولة، وكان على المؤسسات أن تقوم بدورها، وفق روح الدستور، لا وفق ما تمليه تهديدات وهمية.
لكن البرلمان اختار أضعف الستة، وألينهم، وأحبهم لأقاربه، وأقدرهم على السماح بالفساد في الدولة: عثمان بن عفان. ومن هنا بدأ التهديد الحقيقي لنصوص الدستور. مما أدى في النهاية إلى الثورة عليه وقتله، وإعطاء الفرصة للطامعين في السلطة بغير حق، لتحويل خلافة علي، إلى سلسلة كاملة من الحروب الداخلية، التي سوف تنتهي بانتصار الانقلابيين على الشرعية، وإقرارهم لنظام ما جاء الإسلام أصلاً إلا للقضاء عليه.
يقول الكاتب البولندي ب. باتشيكو: “يسقط الطغاة حين يسأل الإنسان من أين جاء الطغاة؟”(6).
ولعل هذه الدراسة مساهمةً في طرح السؤال، ومحاولة للإجابة على شيء منه. ومن أهم مقدمات السؤال والجواب كليهما، أن نبحث عن مكامن الخطر الأول، الذي كان موجهاً إلى وعي الأمة، لدفعها إلى القبول بالطغيان. ولقد كان هذا الخطر، للأسف، قادماً من الجبهة الثقافية: جبهة علماء الدين، الذين أسسوا مذهب أهل السنة والجماعة، على الهيئة التي نراه عليها اليوم. فجاء مذهباً متصالحاً مع الحكام الجدد، الذين لم يكونوا يريدون من الدين إلا أن يسير على خطى الأديان السابقة، في إعطاء ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.
ومن هنا كانت خيانة المثقفين، الذين أقروا، للمذهب الجديد، بضرورة القبول بمن تسيّد عليهم بحد السيف؛ معللين ذلك بخوف الفتنة. وقد تكفلت تلك القواعد الأولى لحزب السلطة، المسمى بـ(أهل السنة والجماعة) بتخدير أي وعي ثوري لدى أي فئة ترغب بالتغيير، وذلك عن طريق التلويح باستخدام النصوص ضدهم، واتهامهم بتهمة (الخروج على السلطان الحق بغير الحق). ومن الجدير، ذكره أن كتّاب هذا الحزب، هم الذين كتبوا التاريخ بعد ذلك، بعد أن أصبحوا طبقة ذات امتيازات، بدلاً من أن يكونوا على الهامش، ويرعوا أحلام المقهورين. وعندما يصبح المثقف من أصحاب الامتيازات، فمن الطبيعي أن يحافظ على امتيازاته هذه، ومن السخف والسذاجة أن نتوقع منه بعد ذلك، أن ينحاز إلى المقهورين؛ لأن أحلامه عندئذ تتوحد “مع أحلام الحاكمين. وتجري وساطة الكاتب في صميم تلك الطبقة. ويكون موضوع الجدل هو التفاصيل: إذ يمارس الجدل باسم المبادئ، التي لا جدال فيها”(7).
ولنتذكر جميعاً، أن أول كتاب في التاريخ، كان هو الذي ألفه محمد بن إسحق بن يسار، للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وهو نفس الكتاب الذي سوف يختصره، فيما بعد، ابن هشام(8)، ويقتبسه ابن كثير، ليصبح أهم مرجع في السيرة النبوية. وليت شعري، هل كان محمد بن إسحق قادراً على أن يورد في هذا المؤلف، ما من شأنه أن ينتقص من قدر العباس، وهو يهدي الكتاب لحفيده (المنعم الجبار)؟ هل كان قادراً مثلاً على ذكر حادثة سرقة ابن عباس لأموال الأمة، في خلافة ابن عمه الذي استعان به، فانقلب عليه(9)؟ هل كان قادراً على توثيق ما يقال حتى لو كان صحيحاً؟. إذن لما عاش الرجل، ولما عاش الكتاب، ولما تمكن ابن إسحق من نيل الجوائز، ولا من نيل لقب إمام أهل السير والمغازي(10!.
ولعل من المناسب هنا، الاستشهاد بنص بسيط من نصوص الحافظ ابن كثير الدمشقي القرشي، للإشارة إلى حجم ولاء فقهاء هذا المذهب للطغيان، وإلى حجم تفريطهم بمهمات المثقف، التي من المفترض أنها منوطة به. النص من كتاب (البداية والنهاية). والمناسبة ثورة قادها ابن الأشعث، على حكم بني أمية، وأيده فيها عدد كبير من التابعين والعلماء المجاهدين. يقول ابن كثير ما يلي:
“والعجب كل العجب من هؤلاء الذين بايعوه بالإمارة، وليس من قريش، وإنما هو كندي من اليمن. وقد اجتمع الصحابة، يوم السقيفة، على أن الإمارة لا تكون إلا في قريش… فكيف يعمدون إلى خليفة قد بويع له بالإمارة، على المسلمين من سنين، فيعزلونه وهو من صلبيّة قريش؛ ويبايعون لرجل كندي، بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد؟!”(11).
إن هذا النص يمكن اعتباره (النص الأب)، الذي تعود إليه النصوص عند الاختلاف؛ نظراً لمكانة صاحبه، التي لم يصل إليها إلا لكونه معبراً صادقاً عن مذهب أهل السنة والجماعة: فابن كثير مرضيٌّ من كافة ألوان الطيف السني: فهو في الفقه شافعي من مدرسة أهل الحديث، وفي علم الكلام سلفي، ومفسر بالنقل، ومؤرخ ذو هوى قرشي أموي عباسي. إضافة إلى حيازته لقب (حافظ)، بما تعنيه هذه الدرجة العلمية من رسوخ قدم في علم الحديث، روايةً ودرايةً. أي أن هذا النص له، في نصوص التاريخ، مكانة المحكم من الآيات بين باقي آيات القرءان. فلنلاحظ في هذا النص ما يلي:
1ـ أن ابن كثير لا يهمه كيف أخذ الخليفة الأموي، عبد الملك بن مروان، تلك البيعة: فمع علمه بأنها كانت بالقوة، وتحت تهديد السيوف، إلا أن ابن كثير جعلها واجبة الطاعة.
2ـ إصرار ابن كثير على شرط القرشية هذا، حتى في غياب شروطٍ أهم، كالعدالة والعدل واحترام الدستور. وهو الذي يروي، في نفس الكتاب، أن هذا الخليفة نفسه، قد ودع القرءان بمجرد توليه الخلافة، قائلاً: هذا فراق بيني وبينك(12).
3ـ أن هؤلاء، الذين ينعى عليهم ابن كثير ثورتهم على الخليفة، كانوا أعلم أهل زمانهم وأتقاهم؛ باعترافه هو، خصوصاً عندما نعلم أن بعض هؤلاء هم كبار التابعين: كسعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وكميل بن زياد، ومجاهد بن جبر، وعطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وطلق بن حبيب… وأمثالهم. ومضمر خطاب ابن كثير هنا هو أنه أعلم منهم، أو أتقى، أو كلا الأمرين معاً(13).
وبقتل هؤلاء وإسكاتهم وتغييبهم في السجون، تبلور مذهب أهل السنة، كمذهب يقبل بالحاكم، وينظّر لدستورية حكم كل من حكم بحد السيف، حتى جاء زمن تساقطت فيه حتى تلك الشروط الواهية، التي تذرعوا بها سابقاً حول القرشية، وتولى السلطة رجال لا هم من قريش ولا هم من كندة، ولا هم من العرب حتى. ومع ذلك فقد ظل ابن كثير، وأستاذه ابن تيمية، يساندون حكمهم، وينظّرون لمشروعيته، مخادعيننا بأن هناك خليفة قرشياً من بقايا العباسيين في بغداد، يعطيهم وكالة بممارسة الحكم كولاة له، وأي ولاة!. وكلنا يعلم أن خلافات ابن تيمية مع السلطان المملوكي محمد بن قلاوون، لم تكن بسبب العدالة أو الشورى أو على طريقة الوصول إلى الحكم، بل ولا على أسلوبه في توزيع الثروة على المحيطين، بل كان الخلاف على مشروعية شد الرحال إلى المسجد الإبراهيمي بالخليل. على هذا سُجن، وبسبب هذا يصدع تلاميذه رؤوسنا بمقولاته حول الصمود والتعذيب وثبات العلماء، رغم أنه وافق أخيراً على مشروعية السفر إلى هناك بدون شد رحال!. وكأن محمداً صلى الله عليه وسلم جاء بهذا الدين، من عند رب السماوات والأرض، ليحل لنا مشكلة الرحال على الجمال!(14).
وقبل أن نستكشف أهم مميزات مذهب أهل السنة والجماعة ـ المذهب الذي سوف يصوغ وعي الأمة طوال دهور ـ يجدر بنا أن ننقل هذا النص عن ابن تيمية: شيخ ابن كثير و(شيخ الإسلام) أو (أستاذ الأساتذة)، بلغة اليوم. يقول ـ في معرض رده على أحد علماء الشيعة (الروافض) ـ ما يلي:
“ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة، الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة: فإن المقصود من الإمامة، إنما يحصل بالقدرة والسلطان. فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان، صار إماماً. ولهذا قال أئمة السنة: من صار له قدرة وسلطان، يُفعل بهما مقصود الولاية، فهو من أولي الأمر، الذين أمر الله بطاعتهم، ما لم يأمروا بمعصية الله… والقدرة على سياسة الناس: إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم. فمتى صار قادراً على سياستهم ـ بطاعتهم أو بقهره ـ فهو ذو سلطان مطاع، إذا أمر بطاعة الله. ولهذا قال أحمد [أي: ابن حنبل] : … ومن ولي الخلافة، فأجمع عليه الناس، ورضوا به، ومن غلبهم بالسيف، حتى صار خليفة، وسُمي أمير المؤمنين، فدفع الصدقات [أي: الزكاة] إليه جائز؛ برّاً كان أو فاجراً”(15).
وخطورة هذا النص تأتي من كونه من النصوص المجمع على محتواها، بين أهل السنة، على اختلاف مذاهبهم، كما أنه تلخيص أمين لكل ما ورد في كتب السياسة الشرعية التي سبقته(16)، ولكل ما سوف يلحقه. وإذا كانت أي مراجعة لآراء جمهور علماء المذاهب الأربعة الأولين، سوف تبين لنا إلى أي حد كان هذا النص تعبيراً مباشراً وأميناً عنهم؛ فإن أي مراجعة مثلها، لنصوص المعتبرين المؤثرين من علماء المذاهب الأربعة المتأخرين، سوف تعطينا نفس النتيجة، لنتبين كم يتناسخ هذا (النص الأب) في كتابات المحدثين، مما لا يُرجى معه تغيير، في نظرية أهل السنة والجماعة، إلى طبيعة علاقة الحاكم بالمحكوم.
ولنقرأ النصين المتأخرين التاليين: أولهما من كتاب (العقيدة الطحاوية)، وهذا الكتاب له فعل السحر عند متكلمي أهل السنة، حتى إنه ليوشك أن لا تجد له مخالفاً(17)؛ وثانيهما من كتاب (إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء) للشيخ محمد الخضري، من علماء القرن العشرين.
النص الأول لصاحب الطحاوية:
“ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا، وإن جاروا؛ ولا ندعو عليهم. ولا ننزع يداَ من طاعتهم. ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضةً؛ ما لم يأمروا بمعصية. وندعو لهم بالصلاح والمعافاة… [ثم لا يكتفي الشارح بهذا الإجمال، حتى يتبعه بالتفصيل التالي] وأما لزوم طاعتهم، وإن جاروا؛ فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم، من المفاسد، أضعاف ما يحصل من جورهم. بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات، ومضاعفة الأجور”(18).
النص الثاني للشيخ الخضري
“أما إذا خرج هو [أي الخليفة] في أعماله عن حد الشرع، بأن ظلم، أو استأثر بالحقوق، أو فسق بشرب خمر، أو ترك صلاة، فالواجب على المسلمين القيام بأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر… بشرط أن لا يؤثر ذلك في طاعته شيئاً، فلا يجوز الخروج عليه، وإشهار السلاح في وجهه أبداً، مهما استأثر أو فعل… [لأن] الإمام خليفة رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم: فمن عصاه فقد عصى الرسول، ومن عصى الرسول فقد عصى الله. ومن حارب الإمام فقد حاربهما. وأجدر بمن حارب الله ورسوله أن يبوء بإثم عظيم. وقد بين الله سبحانه وتعالى جزاء المحاربين في سورة المائدة، فقال: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله، ويسعون في الأرض فساداً، أن يُقتّلوا، أو يُصلَّبوا، أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب أليم)”(19).
مما سبق، ومن خلال تفحص النصوص السابقة، يمكن القول بأن أهم ما يحكم علاقة الشعب بالحاكم ـ في وعي الأمة الذي صاغه علماء أهل السنة ـ هي المحددات الآتية:
1ـ قبول بكل من اعتلى سدة الحكم، بأية طريقة، وتحت أي ذريعة.
2ـ الامتناع عن محاسبة الحاكم سياسياً ومالياً.
3ـ الولاء التام للحكام واعتبار الطاعة لهم، طوال حياتهم، واجبة وجزءاً لا يتجزأ من الممارسة الدينية.
4ـ القبول بمبدأ الوراثة في الحكم: حيث تتم البيعة للابن بولاية العهد، في حياة الأب، وبقوة القهر.
5ـ التركيز على الانتصارات الخارجية، وجعلها وسيلة للتعمية على الإحباطات الداخلية والظلم الاجتماعي.
6ـ كتابة التاريخ وفق ما سبق، والترحم على كل من سبقوا من الحكام، مهما كانت درجة ظلمهم.
7ـ الانصراف عن شؤون السياسة إلى نقاش مسائل الفروع، على اعتبار أنها هي الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، مما أدى إلى ظهور الفرق الكلامية المتعددة، في المذهب الواحد، زيادة في إشغال الناس وإلهائهم عن واقعهم الاجتماعي المتردي.
8ـ اتخاذ المواقف السلبية، في مواجهة كل الثورات السياسية والاجتماعية، والحرص على إصدار الفتاوى المؤيدة للحاكم، في مواجهتها، حتى فيما بعد زوال دولته.
لكن أهم حدث صاغ وعي هذا الحزب الرسمي ـ وصاغ بصياغته لاوعي الجمهور والأمة طوال أحقاب ـ كان هذه التسمية العجيبة (أهل السنة والجماعة) ومناسبتها التاريخية: فأهل السنة والجماعة تعبير يراد منه ـ وفق مفهوم المخالفة ـ أن يقول: بأن كل من هو من غير هذا الحزب، فهو ضد وحدة الأمة، ومعارض لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالعام الذي اغتيل فيه الإمام الحق: علي بن أبي طالب هو عام الجماعة!. في إشارة إلى قبول مبكر بحقيقة القوة وأحقيتها بالقول، بغض النظر عن كل مبادئ العدالة السماوية، وقوة المنطق السليم؛ الأمر الذي سوف يؤسس في اللاوعي الجمعي، مع كثرة الترداد، قبولاً وإيماناً باعتبار عهد معاوية عهداً مشرقاً. ولئن كان علي طوال حياته، منشغلاً بالحروب المفروضة عليه من البغاة، فإن معاوية قد قيّض له أن يدخر جزءاً من وقته، المتبقي بعد وفاة خصمه، لتحقيق انتصارات خارجية، تحقق المجد للحاكم، مع أن الناس يعانون من الجوع والقهر. وفي أسوأ التقديرات يصبح عليٌ كمعاوية، باعتبارهما خصمين اختصما، وافترقت باختصامهما الأمة، قبل أن تعود للاجتماع على معاوية، الذي تم اختراع لقب جديد له: كاتب وحي رسول الله!. فليت شعري، متى كتب معاوية الوحي، وهو قد أسلم عام الفتح، ثم ظل في مكة، في حين غادر الذي ينزل عليه الوحي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، ومات بعد عامين، لم يقدم خلالهما معاوية إلى المدينة، ليلتقي ويصاحب ويكتب؟!. فانظر كيف تغلب الشائعةُ الحقيقةَ، بحيث صرنا، نحن جمهورَ أهل السنة، لا نسمع عن كتبة الوحي العظام: كعلي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير(20)… ثم صرنا نسمع بمعاوية!.
إن القيم السلبية التي يغرسها مثل هذا الخطاب المعلن، تملك قدرة سحرية على اختراق الوعي، والاستقرار هناك في أعماق اللاوعي الجمعي للأمة. وهذه القدرة السحرية منبثقة من هذه السردية الكبرى، التي يتشكل بها الخطاب، لتقود العقول في دروب الحكاية: حكاية الرجل الذي وحد الأمة، بعد فرقتها، وكتب الوحي النازل من السماء، وصار من ثم هو الحليم الحكيم، الذي لا يقطع ما بينه وبين الناس، ولو كان في دقة الشعرة. وكل هذا يعني في مضمر الخطاب ـ وهو أخطر من معلنه ـ أن كل من وقف ضد هذا الرجل مفرق للجماعة، ولا يحب كتابة الوحي ولا كتّابها، ولا يحترم الحكمة!. ومن كان هذا حاله، فلا يحق لنا أن نناصره إذا ثار، حتى لو كان يدعونا إلى الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد بلغ انحياز ابن كثير، لمعاوية، إلى الدرجة التي تسمح له بنسبة الخطأ والتعجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ـ شخصياً ـ في سبيل تبرئة معاوية، من خُـلُقٍ يأنف أشعب من أن يُنسب إليه. فلنتأمل كيف فعل المؤرخ المأمون عند أهل السنة ذلك. يقول:
“وروى الإمام أحمد ومسلم والحاكم في مستدركه من طريق ابن أبي عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري عن أبي حمزة عمران بن أبي عطاء عن ابن عباس، قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فقلت: ما جاء إلا إليّ. فاختبأت على باب. فجاءني، فخطاني خطاة أو خطاتين، ثم قال: اذهب، فادعُ لي معاوية ـ وكان يكتب الوحي ـ قال: فذهبت، فدعوته له، فقيل: إنه يأكل. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إنه يأكل. فقال: اذهب فادعه. فأتيته الثانية. فقيل: إنه يأكل. فأخبرته. فقال في الثالثة: لا أشبع الله بطنه. قال: فما شبع بعدها. [والكلام من هنا لابن كثير] وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه: أما في دنياه، فإنه لما صار إلى الشام أميراً، كان يأكل في اليوم سبع مرات: يُجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل، فيأكل منها. ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً، ويقول: (والله ما أشبع، وإنما أعيا). وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك. وأما في الآخرة، فقد أتبع مسلم هذا الحديث بالحديث الذي رواه البخاري وغيرهما، من غير وجه، عن جماعة من الصحابة، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (اللهم إنما أنا بشر، فأيما عبد سببته أو جلدته، أو دعوت عليه، وليس لذلك أهلاً، فاجعل ذلك كفارة وقربة تقربه بها عندك يوم القيامة). فركب مسلم من الحديث الأول وهذا الحديث فضيلة لمعاوية”(21).
ولا أعرف ما هو هذا الكلام، من المؤرخ المأمون عند أهل السنة؛ إن لم يكن هو العمى والمصلحة!.
إن واقع الحال يدل تمام الدلالة، على أن المثقفين مفيدون غاية الفائدة في تفعيل الهيمنة ـ كما يقول غرامشي ـ لأن مساهمة هؤلاء (المتعلمين المأمورين) في الوصول بالأداء السياسي للحكام، إلى حد الكمال، هو الشيء الذي يشكل جوهر خيانتهم(22). وإن نظرة سريعة إلى أهم كتب التاريخ، التي صنفها مؤرخو أهل السنة وعلماؤهم، تبين لنا كم كانت هذه المساهمة مفيدة للحكام وضارة بالشعوب. ولننظر كم هو حجم هذا الاهتمام، الذي أبداه مؤرخ كابن كثير، بتسطير الصفحات المطولة، بغية إلقاء الضوء على حياة الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي، وتسجيل انتصاراته، وعرض بلاغته، وتمجيد إحسانه!. في الوقت الذي ألزم فيه نفسه ببخل غريب، كلما تطرق الأمر إلى ذكر ثائر من الثوار، ولو كان من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وعلى سبيل المقارنة، نستطيع القول، بأن عدد الصفحات التي أفردها ابن كثير، لاستعراض حياة الحجاج وبطولاته وبلاغته، بلغت ثلاثاً وعشرين صفحة كاملة من القطع الكبير(23)، بينما لم يبلغ عدد الصفحات التي تناولت حياة الإمام الباقر الأربع صفحات(24).
من معاوية حتى نهاية العصر العثماني، وأيدي الطغيان تتداول هذه الأمة، وتصوغ هذا التاريخ. أي أن الأمر استمر على ذلك ما يقرب من ثلاثة عشر قرناً. وإن ثلاثة عشر قرناً، من ممارسة الحكم بهذه الطريقة المشينة، لكفيلة بغرس جرثومة الاستسلام، في وعي المجتمع بكامله. لقد تعود المجتمع الإسلامي على هذا القهر، حتى أصبح ما سوى ذلك شاذاً ومؤقتاً: يزول فلا يحزن أحد، ولا يثور أحد؛ كما حدث بعد موت عمر بن عبد العزيز مسموماً، بعد أقل من سنتين يتيمتين، من توليه الحكم، رحمه الله. فهل يمكن القول بأن ممارسة مجتمعية، بهذا العمق الزمني والنفسي، كفيلة بأن تتحول إلى عادة مسلكية، تتسلل إلى جينات الأفراد، فيورثها الأب للابن؟!. وهل يمكن القول بأن الطغيان قد تحول، بهذه الطريقة، من مجرد حادث اجتماعي، إلى مرض نفسي، أصاب مجموع أفراد الأمة؛ مما يستدعي القول بصعوبة العلاج؟!. ربما!. لأن هذا هو التفسير الوحيد، لقبول الأمة بكل هذا الحجم من الطغيان السافر، وامتناعها عن محاولة التغيير، حتى وهي ترى العالم من حولها يتغير.. يقول أرسطو: “إن العبد يفتقر تماماً إلى ملكة التفكير والتأمل”(25).
ولقد يُخشى أن يكون شيء من هذا قد أصاب الأمة، لطول ما استعبدها حكامها، وإلا فما هذا الصمت من أمة ترى، رأي العين، بذخ حكامها، واستقواءهم عليها، ونهبهم غير المحدود لكل ثرواتها، بينما هي تجوع وتعرى يومياً، وتتعرض للغزوات؟!. لقد بلغ الأمر ببعض هذه الشعوب حداً من الامّحاء والتماهي في الحاكم، يفوق قدرة العاقل على التخيل: فها هي ترى كشف الوثائق لعمالة حكامها، وتآمرهم مع عدو الأمة، ونقلهم الأخبار لإسرائيل ـ بوشك الهجوم المصري السوري عليها عشية حرب1973 ـ ثم ها هي تواصل صمتها العاجز، الذي لا يكتفي بالصمت، أحياناً، بل ينبري كثير من أهل الرأي فيها، للدفاع عن الحاكم ذاته، ويوجه لك اللوم الشديد، إذا تناولت أفعاله بما لا يحمل معاني الحمد!. أفلا يدل هذا على حدوث شيء، في اللاوعي الجمعي، هو أخطر من مجرد القبول بالظلم؟. ألا يحتمل أن يكون مثل هذا استدعاءً للظلم، وتأييداً للخيانة؟!.
إن المرض السلوكي متغلغل، ولا يجوز الصمت عن معالجته، لأنه بات الآن يهدد وجود الأمة، ويعرضها للزوال. يقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيتم أمتي تهاب الظالم أن تقول له أنك أنت ظالم، فقد تُودِّع منهم”(26).
وإن معالجة هذا المرض تبدأ بإعادة كتابة التاريخ، وإعادة قراءته. فلو أن حاكماً ما علم أن التاريخ سيلعنه؛ إذن فلربما شكل هذا شيئاً من الرادع له، وإن كان وحده لا يكفي. لكنه يرى أن التاريخ سيمتدحه، كما فعل مع كل أمثاله. ونحن الآن نسمع خطباء، منسوبين إلى جماعات تدعو إلى إقامة (الدولة الإسلامية) يترحمون على الحجاج، ويمتدحونه، وينهون عن اتهامه بالظلم، إلى درجة تأليف الكتب في الدفاع عنه: فقد رأيت يوماً في يد أحدهم كتاباً، هو عبارة عن رسالة ماجستير، بعنوان: (الحجاج بن يوسف الثقفي ـ رحمه الله ـ المفترى عليه)!!!.. أي والله!. هذا هو العنوان بالتمام والكمال، فيما لا حاجة بعده لقراءة الكتاب، لأن المحتوى كله قد صار على الغلاف. فماذا يريد الكاتب بعدُ أن يقول، وقد قال، منذ الغلاف، كل شيء؟!. لقد قال لنا العنوانُ أن ثورة ابن الزبير كانت باطلاً. ولقد قال لنا العنوانُ أن قتل سعيد بن جبير كان حقاً. ولقد قال لنا العنوانُ أن قصف الكعبة، وهدمها على رؤوس المصلين، كان مبرراً. ولقد قال لنا العنوانُ بأن حكم بني أمية كان عدلاً. ولقد قال لنا العنوانُ بأن استباحة الجيش الأموي للمدينة المنورة كانت فعلاًً جميلاً. ولقد قال لنا العنوانُ بأن قتل الحسين كان مطلوباً!!… لقد قال لنا العنوانُ كل هذا وزيادة!.
ومرة أخرى نعود إلى التاريخ لنقرأ شيئاً مما يقوله مثل هذا العنوان:
“قال المدائني: وأباح مسلم بن عقبة [قائد جيش يزيد بن معاوية] المدينة [المنورة] ثلاثة أيام: يقتلون من وجدوا من الناس ويأخذون الأموال. فأرسلت سعدى بنت عوف المرية إلى مسلم بن عقبة تقول له: أنا بنت عمك، فمرْ أصحابك أن لا يتعرضوا لإبلنا بمكان كذا وكذا. فقال لأصحابه: لا تبدأوا إلا بأخذ إبلها أولاً. وجاءته امرأة فقالت: أنا مولاتك، وابني في الأسارى. فقال: عجّلوه لها. فضُربت عنقه. وقال: أعطوها رأسه… ووقعوا على النساء، حتى قيل أنه حبلت ألف امرأة، في تلك الأيام، من غير زوج. فالله أعلم. قال المدائني عن أبي قرة قال: قال هشام بن حسان: ولدت ألف امرأة من أهل المدينة، بعد وقعة الحرة، من غير زوج… فدخل مسلم بن عقبة المدينة، فدعا الناس للبيعة على أنهم خول [عبيد] ليزيد بن معاوية، ويحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء”(27).
هذا بعض مما قالته رسالة الماجستير المذكورة. ولو اطلعنا على ما يحب أهل السنة أن يحفظوه من وصايا، ويورثوه من ثم لأبنائهم، لأمكن لنا أن ندرك كم بلغت لديهم عبادة الحاكم، من سمو ورفعة، لا يدانيها إلا اقترانها بشهادة التوحيد. ولنقرأ شيئاً من وصية الحجاج بن يوسف الثقفي ـ التي نقلها ابن كثير، بكثير من الامتنان والإعجاب ـ لندرك كم تغلغل هذا المرض السلوكي في الحاكم والمحكوم:
“عن يزيد بن حوشب أنه قال: بعث إليّ أبو جعفر المنصور فقال: حدثني بوصية الحجاج بن يوسف. فقال: اعفني يا أمير المؤمنين. فقال: حدثني بها. فقلت: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك: عليها يحيا، وعليها يموت، وعليها يُبعث… قال: فرفع أبو جعفر رأسه إلى أبي العباس الطوسي ـ وكان قائما علي رأسه ـ فقال: هذه والله الشيعة، لا شيعتكم”(28).
إذن، هكذا يفعل الطغيان بالعبيد. وهكذا يفعل الطغيان بالمعبودين: العبد يقرن الطاعة بالإلوهية، والمعبود لا يكتفي من المطالبة بالمزيد. فماذا نفعل ونحن نرى جامعات حزب السلطة (أهل السنة والجماعة) تمنح شهادات بدرجة الامتياز، على بحوث كهذه؟!. ألا يدل هذا على أن الجامعات، ودور العلم، قد تحولت إلى أدوات هدم، بدلاً من قيامها بواجباتها في التنوير وفتح مغاليق العقول؟. إنني أعتقد، شخصياً، بأن من يترحم على الحجاج وأمثاله، بهذه الطريقة، فإنه يشتم عليا رضي الله عنه، في ذات الوقت، لأن هذا هو مضمر خطاب بهذه الصياغة.
لقد تم التأسيس للقهر الاجتماعي والسياسي بأيدي علماء الأمة. ولقد استمر هذا القهر المحمي بـ(العلم الشرعي) طوال قرون، بحيث بات من الصعب الدعوة إلى الثورة، على حكام على هذا المستوى من تدني الأخلاق، ونهب المال العام، والعمالة للعدو. فما العمل؟. وهل أمامنا من طريق سوى استمرار الكفاح؟!. لا أعتقد ذلك؛ لسبب بسيط، هو أننا لا نملك خياراً آخر، من يوم أن قررنا بأن الاستسلام، لكل هذا الاستغوال، ليس خياراً مطروحاً: على الأقل، ليس على المثقفين العضويين. وإذا كنا نريد امتلاك أدوات البقاء، فلن تتوفر لنا هذه الأدوات، مع أمثال هؤلاء الحكام، وإنما تبدأ نهضتنا فقط بعد زوالهم. فهم جزء من المشكلة، ولا يمكن أن يكونوا جزءاً من الحل. ومن بعدهم، فقط، يمكن نيل الحرية والقوة ووسائل البقاء. وقبل أن يحدث ذلك، فسوف نبقى شعباً من العبيد: ينهب الحاكم ثروته، ويبيع استقلاله، ثم لا يجد ما يتقوت به، وينام على الأرصفة، في كل فصول السنة، ثم لا يشبع الحاكم ولا المحكوم: لا يشبع الحاكم من المطالبة بالمزيد من الخضوع، ولا يشبع المحكوم من استدعاء المزيد من القهر، والجوع، والإذلال القومي. إن قيامتنا لن تقوم إلا بانتزاع حريتنا من سالبيها: “فلا يجوز لنا قط، أن نتوقع انبثاق حكم ليبرالي نشط وحكيم، من أصوات شعب من العبيد”، كما يقول ألكسيس دو تو كفيل(29).
والآن ما زال المثقفون العرب ينظرون يميناً ويساراً، ويعيشون غرباء في مجتمعاتهم، التي يريدونها أكثر قدرة على الاستجابة لرغباتهم، فلا تستطيع هذه المجتمعات، تلبية هذه المطالب الباهظة، لأبنائها العاقين: إنهم يريدون حرية، ثم يتحالفون مع الطغيان. ويريدون شفافية، ثم لا يتورعون عن مد أيديهم إلى المال العام، مما تجود به أيدي الحكام. ويريدون تنويراً لا يتيح لهذه الأمة إلا أن تفتح الأبواب للرذيلة على مصراعيها. ويريدون علماً لا يمكن لهم أن يقبلوا به إلا إذا كان قرين الكفر. ويريدون ليبرالية تسمح لهم بأن يسمعوا أنفسهم فقط… إنهم لا يفهمون الحضارة إلا سكرتيرة حسناء، ومكتباً فارهاً، ومرتباً مجزياً، وعطالة عن العمل، وانشغالاً بالشعار، غير مدركين أن كل مثل هذا لم يتحقق، في أوروبا، بأدوات مثل أدواتهم الكليلة هذه؛ بل بالتضحيات والموت والدم والمثابرة وتقديس العمل واحترام المختلف. لقد انخرط الكتاب والشعراء الأوروبيون في المعارك المصيرية، وقُتل منهم عدد كبير في الحرب الأهلية الأسبانية، وفي حرب المقاومة الشعبية الفرنسية للنازي، وأُعدم العديد منهم حرقاً إبان عصر النهضة. فهل يستطيع أحد أن يدلنا على مثقفين، من بلادنا، ماتوا في سبيل الحرية، اللهم إلا إذا استثنينا اسماً أو اسمين، يكفي كثرة تردادهما دليلاً على الشعور بالخيبة الذي تعانيه الأمة من أمثال هؤلاء المثقفين؟!.
لقد حدث ذلك في الماضي، بما يعنيه هذا الماضي لأمة تحسن الاتباع وتحارب الابتداع!. فماذا يحدث اليوم؟. ألا نرى أن الكثيرين منا لا يزالون يحنون للحكم العثماني، رغم كل ما رواه لنا عنه آباؤنا؟. ألا نزال نطالب بدولة الخلافة رغم أنها هي، لا غيرها، من أجبرنا على البحث في بعر الجمال، عن بقايا طعام نهبته من بيوتنا؟. ثم إذا كنا كذلك، أفلا يعني هذا أننا أحد رجلين: إما أننا لا نصدق آباءنا، أو أننا مستعدون لمواصلة أكل بعر الجمال، في سبيل الحصول على (حكومة إسلامية)؟.
ــــــــــــ
الإحالات:
1ـ لعل مما له دلالة هنا أن نتذكر أن رئيس وزراء الأرجنتين سئل حينها: فيما إذا كان الأرجنتينيون ينوون التنازل عن حقوقهم، في الجزر المتنازع عليها؛ فأجاب: بأن الأرجنتينيين لن يفعلوا ذلك، لأنهم ليسوا عرباً.
2ـ إدوارد سعيد. الثقافة والإمبريالية. ترجمة كمال أبو ديب. ط1. بيروت. دار الآداب. 1997. ص75
3ـ هومي. ك. بابا. موقع الثقافة. ترجمة ثائر ديب. ط1. القاهرة. المجلس الأعلى للثقافة. المشروع القومي للترجمة. 2004. ص60
4 ـ ابن هشام. السيرة النبوية. ج1. ط1. القاهرة. مكتبة الإيمان. 1995. ص210
5ـ ابن هشام. المصدر السابق. ج1. ص122 ــ 123
6ـ انظر: فيصل دراج. التاريخ وصعود الرواية. الكرمل (رام الله). ع70/71. 2002. ص148
7ـ جان ﭙول سارتر. ما الأدب. ترجمة محمد غنيمي هلال. القاهرة. نهضة مصر. 1990. ص73
8ـ انظر: عبد السلام هارون. تهذيب سيرة ابن هشام. ط10. بيروت والكويت. مؤسسة الرسالة ودار البحوث العلمية. 1984. ص9 ــ 10
9ـ انظر: الطبري. تاريخ الأمم والملوك. م3. بيروت. دار الكتب العلمية. 1997. ص155
10ـ علينا ملاحظة أن هناك من طعن في صدق ابن إسحاق واتهمه بالوضع، ومن هؤلاء الإمام مالك. ولم يقبل الباقون روايته إلا بشروط أصعب من الشروط التي فرضوها على من سواه، باعتباره مدلساً.
11ـ ابن كثير. البداية والنهاية. جزء9. بيروت. دار الفكر. 1978. ص54
12ـ انظر: ابن كثير. المصدر السابق. ص63
13ـ انظر: ابن كثير. المصدر السابق. ص96
14ـ انظر: ابن كثير المصدر السابق. جزء14. ص123 ــ 124
15ـ ابن تيمية. منهاج السنة النبوية. ج1. بيروت. دار الفكر. دون تاريخ. ص141 ــ 142
16ـ انظر كمثال: المارودي. الأحكام السلطانية. تحقيق خالد عبد اللطيف. ط2. بيروت. دار الكتاب العربي. 1994. ص37 ــ 39
17ـ ورد في صفحة الغلاف الداخلي لشرح هذا الكتاب العبارة التالية للإمام السبكي، وهو من كبار مجددي المذهب الشافعي في العصر المملوكي: “جمهور المذاهب الأربعة على الحق يقرون عقيدة الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفاً وخلفاً بالقبول”. انظر: ابن أبي العز الحنفي. شرح العقيدة الطحاوية. حققها وراجعها جماعة من العلماء. خرج أحاديثها: محمد ناصر الدين الألباني. والتوضيح بقلم زهير الشاويش. ط6. بيروت. المكتب الإسلامي. 1400هجرية.
18ـ ابن أبي العز الحنفي. المصدر السابق. ص428… ص430
19ـ محمد الخضري بك. إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء. القاهرة. المكتبة التجارية الكبرى. دون تاريخ. ص11 ــ 12
20ـ انظر: جلال الدين السيوطي. الإتقان في علوم القرءان. ج1. بيروت. دار الفكر. دون تاريخ. ص58 ــ 61
21ـ ابن كثير. المصدر السابق. ج8. ص119 ــ 120
22ـ انظر: إدوارد سعيد. العالم والنص والناقد. ترجمة: عبد الكريم محفوض. دمشق. منشورات اتحاد الكتاب العرب. 2000. ص16
23ـ ابن كثير. المصدر السابق. ج9. ص117 ــ 139
24ـ انظر: ابن كثير. المصدر السابق. ص309 ــ 312
25ـ انظر: سو إيلين كيس. النسوية والمسرح. كتاب لعدة مؤلفين بعنوان: التفسير والتفكيك والأيديولوجيا. ترجمة نهاد صليحة. القاهرة. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 2000. ص172
26ـ رواه أحمد. انظر: المسند. تحقيق شعيب الأرناؤوط. ج2. القاهرة. دون تاريخ. مؤسسة قرطبة. ص163
27ـ ابن كثير. المصدر السابق. ج8. ص220 ــ 221… 222
28ـ ابن كثير. المصدر السابق. ج9. ص139
29ـ انظر: فيصل دراج. الرواية العربية: الولادة المعوقة في التاريخ المقيد. الكرمل (رام الله). ع74/75. 2003. ص103 ــ 104