إشاعة: المغرب يستخدم برامج NSO الإسرائيلية دولية للتجسس على المواطنين
رشيد نيني | المغرب
القصص الممنوعة والأخرى المختلقة
من حق المغرب أن يقاضي مؤسسة القصص الممنوعة ومنظمة العفو الدولية وجريدة لوموند بسبب اتهامهما المغرب باستعمال برمجيات NSO الاسرائيلية للتجسس “بيغاسوس” (Pegasus)، وأن المغرب حاول التنصت على 10 آلاف رقم هاتفي مُستعينًا بـ”مشغل” تابع للدولة.
كما من حق النيابة العامة أن تطلب من الفرقة الوطنية فتح تحقيق في هذه المزاعم. فيبدو أن هناك اليوم حملة مدبرة لتصوير المغرب كما لو كان هو وكالة NSA الأمريكية التي تتنصت على الكرة الأرضية بأسرها.
الناطق الرسمي باسم الحكومة الفرنسية قال أن ما حدث خطير وصادم وأضاف جملة على قدر كبير من الأهمية هي “إذا تأكد ذلك”.
السؤال نفسه طرحه نائب برلماني فرنسي على الوزير الأول جون كاستيكس مطالبا إياه بتوضيح الرد الذي ستقوم به الحكومة الفرنسية أمام هذا “العدوان” فكان رد هذا الأخير أن هذا الأمر خطير فعلا، في حالة ما إذا تأكد، وأنهم فتحوا تحقيقا، وأنه ليس لديه أية معطيات يمكن أن يعطيها للنواب.
قصر الإليزيه نفسه قال في بيان رسمي أن تهمة التجسس على هاتف الرئيس ماكرون وهواتف وزراء في حكومته تهمة خطيرة إذا تأكدت، وأنهم يقومون بالأبحاث اللازمة حول هذا الموضوع.
في كل المقالات التي عممتها الجهة الناشرة ومنظمة العفو الدولية على الصحف المنخرطة معها في حملة النشر هناك كلمة لا ينتبه إليها الصحافيون كثيرا وهي “المفترضة”، ففي كل اتهام باختراق هاتف ترد كلمة “استهداف مفترض”، أي أن تهمة الاختراق غير مؤكدة بأي دليل مادي وأنها مجرد احتمال.
عندما يتناول إدوي بلينيل صاحب موقع ميديا بارت، الذي يعرف الجميع طبيعة ارتباطاته مع أجهزة مخابرات بلده، والذي نشر مقالا يقول بالحرف أنهم يقبلون أن تتجسس عليهم روسيا أو الصين أو أمريكا لكنهم لا يشعرون بالخجل عندما تتجسس عليهم دولة مغاربية صغيرة ومسلمة، عندما يتناول قضية الاختراق المفترض لهاتفه لا يتردد لحظة واحدة في توجيه الاتهام للمغرب وأجهزته الأمنية، لكنه عندما ذهب لكي يضع شكاية حول الموضوع وضعها ضد مجهول.
والسبب واضح، فلكي يقبل القضاء شكاية مواطن ضد دولة محددة فيجب أن يدلي بما يفيد هذا الاتهام، وإلا فإن شكايته لا تقبل.
ولو كان لإدوي بلينيل دليل واحد على الاتهامات التي ينشرها ضد الدولة المغربية لما تردد في تقديمها للقضاء، لكنه لا يملك سوى التسريبات التي ينشرها موقعه إلى جانب 16 مؤسسة إعلامية مختارة بعناية عبر العالم.
وهذه التسريبات مبنية على الاحتمال وليس اليقين طالما أن مؤسسة “القصص الممنوعة” ومنظمة العفو الدولية لم تقدما أي دليل مادي يؤكد الاتهامات التي وجهاها.
وقد وصلت الوقاحة بوسائل إعلام فرنسية وأهمها موقع فرانس 24 حدود طرحه سؤالا غريبا يقول “ما أدلة المغرب على عدم استخدام برنامج التجسس بيغاسوس الإسرائيلي؟ “.
وهذه أول مرة نسمع أن هناك جهة تتهمك بشيء وعوض أن تقدم الأدلة التي تدينك تطلب منك أن تقدم أنت أدلة براءتك.
من جانبها الحكومة المغربية نفت توفرها على هذا البرنامج التجسسي، ويبقى الشيء الوحيد المؤكد في هذه القضية هو أن الشركة المنتجة لهذا البرنامج NSO هي شركة إسرائيلية، ومع ذلك لم نسمع نوابا أو صحافيين أو سياسيين فرنسيين يطالبون بمقاطعة هذه الدولة بسبب صناعتها وتصديرها لهذا البرنامج، ما سمعناه هو أن برنامج بيغاسوس هو سلاح مثله مثل جميع الأسلحة التي تصنعها إسرائيل وتبيعها بطريقة قانونية، وأن البرنامج مصنوع أساسا لمراقبة التنظيمات الإرهابية وشبكات التهريب الدولي للمخدرات، وبفضله سقطت شبكات إرهابية وعصابات منظمة للمخدرات عبر العالم.
تتحدث اللائحة عن 38 صحافيا مغربيا تم استهداف هواتفهم بالبرنامج، لكن الجهة الناشرة لم تكشف سوى عن أسماء معدودة على رؤوس الأصابع، وأغلبهم لديه قضايا رائجة أو محكومة أمام القضاء. أحد الصحافيين أحمد نجيم مدير نشر موقع كود استغرب نشر اسمه ضمن اللائحة وطالب الجهة صاحبة التحقيق عن تقديم شروحات له حول طريقة توصلهم إلى كون هاتفه كان ضحية اختراق. الجواب جاء في اليوم الموالي بحيث حذف موقع مؤسسة القصص الممنوعة اسمه من اللائحة، مما يفيد أن تساؤلات نجيم أحرجت الجهة الناشرة التي كانت تعتقد أن هذا الأخير بمجرد رؤيته لاسمه سيفتح النار على الجهات التي يتهمها أصحاب اللائحة، مثلما صنع أغلب الذين وردت أسماؤهم والذين ينتظرون مثل هذه المناسبات لتقديم أنفسهم كضحايا.
المحامي شارية الذي ورد اسمه كذلك في اللائحة استغرب الأمر وقال إن هاتفه لم يكن موضوع أي خبرة أو تجسس، أما البطل المغربي أبو زعيتر الذي ذكر اسمه كذلك فقد هدد ناشري هذه التسريبات بمقاضاتهم إذا استمروا في حشره اسمه في مواضيع لا علاقة له بها.
إنه لمن الغباء الاعتقاد أن التحقيق الذي وزعته مؤسسة “القصص الممنوعة” على شركائها الإعلاميين عبر العالم هو عمل صحافي. فليس هناك صحافي واحد قادر على اختراق برنامج تجسس والحصول منه على معلومات تخص أهدافه وطريقة اشتغاله، فهذا العمل هو عمل لا تستطيع القيام به سوى جهة مخابراتية لديها وسائل أقوى وأعتى من تلك المتوفرة للشركة الإسرائيلية المنتجة للبرنامج المعني.
وهذا ما ألمح إليه أحد كبار رجالات المخابرات الفرنسية برنار سكوارسيني الذي قال لإذاعة أوروب 1 أن قضية بيغاسوس هي جزء من لعبة تعودوا عليها في أجهزة المخابرات، وطالب رجال الدولة باستعمال هواتف مشفرة عوض الهواتف العادية التي يستعملون.
إلى حدود الساعة جميع الاتهامات الموجهة لأجهزة المخابرات المغربية تبقى مبنية على الاحتمال والشك، وذلك في غياب أدلة مادية تؤكد هذه الاتهامات، وبالمقابل ما نحن متأكدون منه هو أن المؤسسات الأمنية المغربية ورؤساءها يوجدون منذ سنوات في مرمى مدفعية جهات أجنبية تبحث بكل الوسائل لإلصاق تهم متعددة بها، من التعذيب إلى الاختطاف وانتهاء اليوم بالتجسس على رؤساء الدول.
والهدف الأساسي من وراء هذه الهجمات كان دائما إحداث شرخ داخل هذه الأجهزة ووضعها في قفص الاتهام أمام الرأي المحلي والدولي.
يحدث هذا في وقت تشهد فيه جميع الدول العظمى بنجاعة عمل المؤسسات الأمنية المغربية سواء الداخلية أو الخارجية في حماية أمن وسلامة هذه البلدان، بالنظر لدقة ومصداقية وصحة المعلومات التي يتم توفيرها في المكان والوقت المناسبين.
لذلك يجب أن نكون حذرين في التعامل مع التسريبات التي تقوم بها هذه الجهات والتي تستهدف بشكل أساسي المغرب وحكومته ومؤسساته السياسية والتنفيذية والتشريعية الضامنة لاستقراره وأمن مواطنيه.
إننا نرى ما يحدث حولنا في دول انهارت مؤسساتها الأمنية السيادية وأصبحت نهبا للفوضى والاقتتال، مثلما يحدث في جنوب إفريقيا ولبنان وغيرها من الدول التي كانت مستقرة فتحولت الأوضاع داخلها إلى ما يشبه الحرب الأهلية.
هناك سياسة ينهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة هي سياسة تنويع الشركاء وعدم الارتهان لمعسكر معين أو قوة إقليمية أو دولية معينة، وهذا ظهر من خلال الشراكات المتنوعة التي أبرمها المغرب مع الصين وأمريكا وروسيا والهند وتركيا ودول أوروبية وأفريقية، وهذا أزعج قوى دولية ظلت دائما تعتبر المغرب حديقتها الخلفية.
ولذلك فمثل هذه الضربات كانت شيئا منتظرا بالنظر لحجم المصالح المهددة لهذه القوى بسبب انفتاح المغرب على العالم ورفضه الانصياع لسياسة الاستعمار الجديد. وليس خافيا على أحد أن الصحافة الفرنسية بجميع توجهاتها توحدت ضد المغرب في هذه المعركة مستعملة جميع التهم، مما يكشف أن فرنسا هي أحد البلدان المتضررة من تنويع المغرب لشركائه وانخراطه في مشاريع كبرى في إفريقيا ترى فيها فرنسا تهديدا مباشرا لمصالحها، كما هو حال خط الغاز بين نيجيريا والمغرب والذي يتوقع أن يضر بمصالح فرنسا وشركاتها في الجزائر .
باريس لا تنظر أيضا بعين الرضى لمخططات المغرب الاستثمارية في النيجر والتوغل في ساحل العاج الذي حصلت فيه شركات مغربية على مجمل طلبات عروض الخدمات في هذا البلد بما فيها المناجم التي تعتبرها فرنسا ضيعتها الخاصة. أما في مالي فقد أشارت جريدة لوفيغارو اليمينية بشكل محتشم للدور السلبي الذي يلعبه المغرب هناك بعدما لاحظ الفرنسيون أن المغرب رفض إدخال قواته إلى مالي وكيف أن الرئيس الجديد يميل نحو المغرب.
ولعله ليس من قبيل الصدفة أن هذا الهجوم على المغرب ومؤسساته الأمنية جاء مباشرة بعد إشهار السفير المغربي الدائم في الأمم المتحدة لورقة منطقة القبايل وحقها في تقرير المصير، فموضوع القبائل ورقة تعتبرها فرنسا خاصة بها تبتز بها الجزائر وليس من حق أحد آخر استعمالها.
هناك أيضا موضوع صفقات التسلح من السوق الفرنسية التي تراجعت بشكل مهول رغم أن فرنسا عرضت بيع مقاتلاتها أكثر من مرة على المغرب لكن الصفقة لم تتم بسبب ارتفاع كلفة صيانة هذه الطائرات.
وقبل أسابيع فوت المغرب على فرنسا صفقة شراء فرقاطتين حربيتين بعدما اختارت الرباط الشركة الإيطالية فينكانتييري لتصنيع الفرقاطتين، مما دفع بالشركة الفرنسية نافال غروب لتجهيز بعثة سيتم إرسالها إلى الرباط لتفقد الخسائر.
وفي موضوع ملف الصحراء ظلت فرنسا تستغل حاجة المغرب لحليف قوي في مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي، لكن اليوم بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أصبح المغرب متحررا من هذه التبعية الفرنسية، وهذا ما جعل باريس تكثف من ضغوطها لاسترجاع هيمنتها على ملف الصحراء في مجلس الأمن حتى تتمكن من الهيمنة على المغرب مجددا بواسطة ضغوطات الإعلام الفرنسي المجند خلف مصالح بلده، وهو درس لجميع الصحافيين المغاربة، بما فيهم “وليدات فرنسا” المقيمين بالمغرب الذين يرددون بخشوع كل ما نشرته لوموند، لكي يقفوا مع مصالح بلدهم العليا عندما تكون هذه المصالح مهددة من طرف عملاء وقوى أجنبية تبحث لكي تخلق الفتنة وتشرع الباب أمام الفوضى.