أخطاء مهنية في أخبار الفضائيات

هدى عبد الحُـرّ |  إعلامية وكاتبة عراقية

قال أستاذنا ونحن طلبة في السنة الأولى بقسم الإعلام:” إننا كثيراً ما نرى أخطاءً تصدر عمّن يُفتَرض أنّه مختصّ، ويعرف أسرار مهنته ويحترم عمله، فنبدأ بالحديث عنه مع كلّ من نصادفه- ممّن يعنيه الأمر أو لا يعنيه !- ونعلن عن استيائنا وتذمّرنا بما يقرب من التشنيع بالمخطئ، وكأنّ ذلك هو الغاية من رصد الأخطاء، ونحن في موقفنا هذا نمارس خطأً أشدّ فداحة من الأخطاء التي نعيب عليها أصحابها!!”.

وفي السنة الأخيرة من هذه المرحلة بدأت أدرك عدداً من الأخطاء التي لازمت قنواتنا الفضائية التي تجاوزت أعدادها العشرات!، فتذكّرت قول أستاذي الفاضل، وتنبّهت إلى أنّه يريدنا أن ننبّه أصحاب الأخطاء أنفسهم، ونسعى إلى أن يصل الأمر إلى من يملك القدرة على تصويب الأخطاء، ليتحقق هدف الإصلاح النبيل الذي ننشده.

ومن هنا سأقف على عدد من الأخطاء  المهنيّة في أخبار الفضائيات لعلّ ذوي الشأن يتداركونها، وبخاصّة وهي أخطاء لا تليق  بمؤسّسات مرّ على وجودها زمن ليس قصيراً. ومن أهمّ ما نراه من هذه الأخطاء في أغلب قنواتنا الفضائية  هو عدم تحديث الشريط الإخباري المكتوب في أسفل الشاشة(السبتايتل) الذي يعدّ من  أهم وسائل بث الأخبار لما يمتاز به من سرعة عالية في تزويد المشاهد بها، ولإمكان متابعتها وملاحظة التطورات التي تحدث عليها، ولاختزال الكثير من الوقت على المشاهد، وتحقيق القيمة الإخبارية الأولى والأهم وهي السرعة في نقل الحدث فضلاً عن تمكين المشاهد من متابعة الأخبار في أيّ وقت يشاء عن كثب لأنها تتكرّر أمام ناظريه أسفل الشاشة. إنّ عدم تحديث المحرّر  للأخبار هنا سيفقدها قيمتها حتماً لاسيما ما يحتاج إلى تعديل، أو تصحيح المعلومة أو إضافة ما يستجد بشأنها وحذف ما يلزم الحذف فلا يُقبَل أن يمرّ على الخبر الذي تغيّر في الواقع  24 ساعة دون تغيير، وقد نجد في كثير من الأحيان أخباراً  انتهت صلاحيتها لأنّها محددة بزمن معيّن كإقامة مهرجان أو افتتاح مبنىً تتكرّر في الشريط الإخباري رغم انتهائها، وهذا دليل على عدم انتباه المحرّر إلى ضرورة التحديث.  

وممّا يرتبط بهذا أيضاً، ويُخِلّ بالقواعد العامة للرسالة الإعلامية ،التي لا تكاد تخفى على المتابع الاعتيادي وليس المتخصّص، هو إطالة الخبر ليتجاوز عشرين كلمة أو أكثر في حين أن المفروض عدم تجاوز الخبر (7-9) كلمات لضمان وضوح الخبر وعدم تشظّيه والمحافظة على تركيزه في ذهن المتلقي، وهذا يتطلّب محرّراً متمكّناً من اللغة ليتجنّب الإسهاب الذي تسببه الزوائد التي تسهم في إطالة الخبر كقولنا:(( تمّ افتتاح معرض الكتاب السنوي الذي شاركت فيه مؤسسات حكومية ودور نشر خاصة وكان من الأهمية بحيث حضره مئات المواطنين بل وحتى عدد من كبار المسؤولين في وزارة الثقافة وعلى رأسهم السيد وزير الثقافة والمدراء العامّون)) الذي تجاوز عدد كلماته خمساً وثلاثين كلمة بسبب هذه الزوائد التي أوضحُها استعمال ثلاثة حروف عطف في موضع واحد( بل، و، حتى)،  والتكرار الذي لا يغني ولا يسمن جوع، ويمكن صياغة الخبر نفسه على النحو الآتي((افتتح السيد وزير الثقافة معرض الكتاب السنوي بحضور جمهور كبير)) ويمكن صياغته بأحسن من هذا باختيار ألفاظٍ أكثر دلالة على مضمون الخبر وبيان أهميته مع الحرص على تجنّب حروف العطف والأسماء الموصولة التي تجعل الجمل طويلة متداخلة بملاحقة التفاصيل ممّا يُفقِد الخبر خاصيّة التركيز المطلوبة في هذا المجال.

إنّ صياغة الخبر فنٌّ يحتاج إلى تمكّنٍ من اللغة وإدراكٍ لأهمية الخبر الذي يستحق البث ومراعاةٍ لاختلاف مستويات الفهم لدى المشاهدين، كما يحتاج إلى الخبرة اللازمة التي تصقل هذه المهارات. ولعل إغفال هذه الشروط، من أسباب هذه الأخطاء. وإذا انتقلنا إلى نشرات الأخبار نفسها سواء في الإذاعة أم في التلفزيون فإنّ من اللافت للنظر غياب النشرات الخاصّة بالفئات  على الرغم من أهميتها بالنظر إلى جمهورها وتوقيتاتها المحددة التي تعرض فيها مثل نشرة أخبار المرأة والطفل التي تهتم بشؤون الأسرة، والنشرات الخاصة بأخبار الصناعيين، والزراعيين، والاقتصاديين، وغيرها من النشرات التي تُعنى بأخبار فئة اجتماعية  بعينها لتقدم لهذه الفئة ما يهمها في الحياة اليومية والمهنية، وغياب هذه النشرات يؤشر خطأً كبيراً بغير شك.

وقد لا أكون مخطئة حين أقول: إنّ غياب الوعي المهني، وقلة المتخصّصين المؤهّلين حقّاً وامتلاء الساحة الإعلامية بالدخلاء الذين لا يملكون المقوّمات التي يجب أن تتوافر في من يتصدّى للعمل الإعلاميّ من أسباب الأخطاء التي تضجّ بها مؤسساتنا الإعلامية المسموعة والمرئية على حدٍّ سواء. وأعتقد أنّ بعض الحل يكمن في زجّ الإعلاميين الشباب في  ندوات متخصّصة يحاضر فيها أساتذة متخصّصون مدركون لحقيقة المشكلات التي يعانيها  إعلامنا المسموع والمرئي لتكون محاضراتهم منطلقة من تشخيص دقيق لجوانب الخلل في هذا الإعلام لتزويد الشباب بما يؤهلهم لتجاوز الخلل، كما أنّ إقامة الدورات التدريبية الجادّة، وإيفاد هؤلاء الإعلاميين الشباب إلى مؤسسات إعلامية كبيرة متميزة  خارج العراق سيسهم  في تسديدهم وصقل مهاراتهم وإلاّ فإنّ بقاء الحال على ما هو عليه سيزيد في تعميق المشكلة ويؤدي إلى ما هو أكبر من أخطاء يمكن رصدها وتلافيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى