الحياة تحت بند الإختيار
بقلم: دالية الحديدي | كاتبة مصرية
لم يعش من أمضى عمره دون أن يختار.
لم يعش من أمضى سنواته دون مجازفات.
لم يعش من لم يهشم روتين حياته.
لم يعش من لم يتمرد على عاداته.
لم يعش من لم يجرب طعام الغرباء.
لم يعش من لم يلعب الورق، الكوتشينة “البنت تؤش”.
لم يعش من لم يكتب بالأرقام الرومانية.
لم يعش من لم يغير ستايل ملابسه واسلوب هندامه.
لم يعش من لم يجرب الكتابة بالخط الكوفي أوالأندلسي أو “الوايد لاتين”.
لم يعش من نسخ حياته من حياة الآخرين.
لم يعش من لم يجرب عطر العود كمبودي لتسمكه بقاروة عطر باريسية.
لم يعش من لم ينفتح على نعمة التنوع.
لم يعش من لم يرحب بالآخر.
لم يعش من لم يختبر اللهجات ونطق بهم.
لم يعش من لم يغير وضعية الأثاث في داره.
لم يعش من لم ينفتح على الموسيقى الكلاسيكية، الجاز، البلو والميتال.
لم يعش من لم يقرأ الأدب العالمي -لا اعني بالعالمي الروسي،الفرنسي والإنجليزي فحسب – بل اللاتيني والأفريقي المهجور.
لم يعش من لم يركب “التوك توك”، الحنطور، الدراجة، الحافلات، الميني والميكروباس، السرفيس، المترو والترام، وإن إمتلك سيارة “رباعية الدفع”.
لم يعش من لم يركب المخاطر.
لم يعش من لم يجرب المشي حافيًا على العشب، الأسفلت، الرمال ولو امتلك محلات “دكتور شول”.
لم يعش من لم ينتخب المبادئ ولو تعرف عليها من العجم.
لم يعش من لم يستمتع بتداول العملة ساعة السفر.
لم يعش من اهدر حياته دون النبش في نفسه لمعرفة قائمة مفضالته من الخيارات ولو غير متاحة.
لم يعش من فهم أن الرضى مناقض لحق الإختيار والتغيير.
لم يعش من لم يرفض.
لم يعش من لم يتردد.
لم يعش من لم يقاوم.
لم يعش من لم يشترط.
لم يعش من لم يصمم.
لم يعش من لم يتوجس.
لم يعش من لم يندهش.
لم يعش من لم يحلم.
لم يعش من لم يقرر مصيره.
لم يعش من لم يتكبر على أوجاعه.
لم يعش من يتبع، ينقاد وينساق.
لم يعش من لم يراكم الذكريات في حقيبة قلبه.
لم يعش من لم يمارس البوح.
لم يعش من امتلك عينين سليمتين، لكنه احادي التوجه.
لم يعش من لم يجرب اضطرابات الموج في أعالي البحار وفي عقر داره.
لم يعش من لم يتذوق الفقر والغني، الإكتفاء والإحتياج، الخطر والامآن، التكريم والتجاهل.
لم يعش من لم يلون لوحة حياته بالقوس قزح وبدرجات الباستيل.
لم يعش من لم يغير وجهة مصيفه، مشتاه ومشتهاه.
لم يعش من لم يأنس بالوحدة أو من لم يعاني الزحام.
لم يعش من لم يضع كنزة برتقالية على سبيل التغيير.
لم يعش من لم يتذوق جبن الماعز، ملح خفيف، الجريار، البري، الايمنتال، الماسكربوني، الصفيحة، الاسطمبوللي، الجودا، الروكفور، الريكوتتا، الرودوريك، العكاوي، النابلسية، الليمبورغ، التشيتشيل، الشيدر، القريش، الباسينديل، الحلوم، الفيتا، الدمياطي، الرومي البطارخ، القشقوان، الكامونبار، الباراميزان، وصنوف أنواع الجبن.
لم يعش من يستميت لنيل رضا مجتمعه.
لم يعش من لم يضع ساعته في اليمين إن شاء.
لم يعش من لم يكسر القاعدة ليقيم قواعد من ابتكار راحته.
لم يعش من لم يفهم أن السفر كشف،لاقتناص تجارب، لا لمحض التقاط صور الفسحة.
لم يعش من لم يهبط بعكس اتجاه سلم الصعود الكهربائي ولو مرة.
لم يعش من لم يصرخ من الفرحة لعودة ضال فقده.
لم يعش من لم يقدر النعم قبل زوالها.
لم يعش من عاش لسواه ونسي نفسه.
لم يعش من لم يحضر لحظة وداع قريب أو غريب على فراش الموت.
لم يعش من لم يختبر بلوغ القلوب الحناجر من الخوف أوالترقب.
لم يعش من لم يقبل يد وجبين خادمه الأمين.
لم يعش من ادمن الإنحناء وتنكيس الرأس.
لم يعش من لم يخض خضم انفعالات حب، كراهية، نفور ووفاق.
لم يعش من لم يضاحك الغرباء.
لم يعش من لم يختبر طائرة مقاتلات.
لم يعش من لم يفهم أن الاعيب المتسول شبيهة بغش التجار.
لم يعش من لم يفهم أن استغلال القريب يشبه سرقة اللص.
لم يعش من لم يخض تجربة المشي بلا رؤية تحت عواصف الجليد.
لم يعش من لم يهتد بالنور في عشاء دامس
لم يعش من يتقوت بكرامته.
لم يعش من لم يبصر 360درجة من زوايا مختلفة لدائرته او محيطه.
لم يعش من لم يزر الجامع والكنيسة والكنيس والمعبد.
لم يعش من دجج صدره بصلبان ومصاحف ذهبية بينما يبخس الفقير حقه كسقط متاع ريفي.
لم يعش من لم يزر الريف، البداوة والحضر ويقدرهم جميعا.
لم يعش من لم يختر نعشه وطريقة دفنه.
لم يعش من لم يختبر سجدة خالصة مع خالقه.