إلى الحاء الوحيدة … حمودي السلامي

هدى عبد الحر | العراق –  النجف

ربما يختلف معه كثيرون فكراً! وقد لا يلتقي معه كثيرٌ من الناس طباعاً وربما لا يعدًهُ متذوقو الشعر والنقاد شاعراً كبيراً. وقد يُقالُ: إنّ النقادَ، والباحثين لم يُنصفوا شعرَهُ إذْ لم يكتبوا عنه!! لكنني لا أريد أن أظلم الدراسين لما في شعره من رمزية كثيفة و غموضٍ يصل حد الإبهام، الشيء الذي لا يمكّنَ الناقدَ من الإمساك بالمفاتيح التي يلجُ بها إلى شعرهِ .

حتى ان إهداءاتِهِ تحتاج إلى التأمل بغير أن نصل إلى دلالاتها، وربما لا نصل إلى المعنى المقصود ذاتِهِ فنضيع في غمار التأويلات، فإهداؤُه في مجموعة (خطوة النفق الأخيرة) حتى المتأمل طويلاً لا يصل إلى أسرار معناه )إلى الراء الكبرى).

ولولا أنني عرفت وبشكلِ شخصي أنه كان يحب فتاةً اسمُها يبدأ بحرف الراء لم يستطعْ الزواج منها، وتزوجت من غيرهِ، فعاش على ذكريات ذلك الحب سنواتٍ طويلةً معَذَّباً بسرّ هواه، وكان هذا الإهداء إشارة إليها بذكر الحرف الأول من اسمها!

 وقد لا نحتاج إلى الدخول إلى الإهداء، فعناوين المجموعات المتمثلة (بخطوة النفق الأخيرة، بدو رحل، المنعطف) تذهب بنا إلى تساؤلات كثيراً لعلنا لا نصل إلى إجابة واحدة. فرمزية عننوان (خطوة النفق الأخيرة) واضحةٌ ! فما هي خطوة النفق الأخيرة؟ وما المقصود بالنفق؟ أي هي خطوة باتجاهِ القبر؟ بعد أن عافت نفسُهُ الحياه؟ هل النفق هو الحياةُ ذاتُها!

ولا ضوء يلمع في آخرِ النفق. نعم.. قد نختلف في شعره، وقد لا نتفق معه في رؤاه، ولكنّنا لا نختلفُ أبداً في أنّه إنسان، ظلّ وفيّاً لمعاني الإنسانيةِ الكبرى. فهو أحد الذين كتبوا أسماءَهم في سِفر الوطنيةِ الحقّةِ عراقيّاً نازفاً محبّةً للعراق، أصيلاً كنخلةٍ تمتدُّ جذورها عميقاً في الأرض، وتشمخ عالياً على ضفاف الفراتين. وهو المثقفُ الحرُّ ثباتاً على المبدأ، واحتراماً للكلمةِ/ الموقف.

 كان شخصيةً فريدةً من نوعها، ألفناها جميعا حتى لا نكاد نسأل عن صمتهِ المتفرد مع الذات! سبعون عاما ونيفٌ من العزلة التي عاشها مع الروح، ينطوي على أسرارٍ عصيةٍ على النسيان، والبوح بصمتٍ هادئٍ أصيل، لأنّه نابع من صمت الصمت. رحل وتركنا عاجزين عن الإحاطةِ بتلك الأيقونات التي كانت مغلقة أدمنت الابتعاد عن العلاقاتِ الاجتماعية، والولوج في عالم العلاقات المفرطة بلا نوعية، بطريقة لا يجيد التعامل بها إلا هو.

وكان يشغل الوقتَ بقراءاتٍ متعمقةٌ وتأملاتِ العقل المأخوذ بهموم الإنسان. ولقد سبق سفرَهُ الاخيرَهذا مرضُهُ الذي اوجع قلوبنا قبل أن يُطيحَ بجسده !! أيها الراحلُ الذي لم يتركْ وراءَه غير صمتٍ يعلنُ احتجاجاً صارخاً، ومحبّةٍ للحق والحقيقة..اتمنى ان تليقَ هذه الكلمة بروحك وانسانيتك، فلا مجال للحزن وأنت رسمت لوحةَ فرحٍ للأخرين بتواضعك وصمتك وانتمائك وحزنك السرمدي الصامد في قلوبنا دائما. كم هو عزيزٌ فقدُك أيها المتجذِّر بالإنسانية بكل دلالات هذه المفردة؟

 أخلاقُك السامية وإخلاصك المتناهي في عملك ولمن حولك جعلاك رمزَ وفاءٍ أثيرٍ في نفوسنا. أنت الذي عشت ومت وحيدا لن تختار أنيسا غير (طريق الشعب) صحيفتِك الأثيرة، ولا صديقا مقربا غير الكتاب ولا دارا سوى البيوتات الأدبية ولا حدائق ورد غير قصائد الشعراء، ولا تزال ابتسامتُك المليئةُ بهمومك المختبئة والمحن المرتسمة على عودك النحيل وجسدك النحيف الذي يطوي عناء الحياة أيها المناضل الأبيّ يكفيك فخرا أنك كابدت ظلم العتاة والظالمين ومصادري الكلمة الشريفة، وكم سجنت وعذبت بسبب انتمائك الفكري وتحزبك السياسي أيها المناضل حقا.. نعدك أننا سنواصل المسيرة على طريقك الثقافي الذي ابتعدت به عن الأنانية، المعطر بطيبتك وحب الآخر والابتعاد عمّا سوى ذلك.

 ااااه من وداعك كم هو مُعذب؟؟!! نم قريبا من ثرى النجف التي عشقت تأريخَها العتيد وثقافتَها المميزة وداعا أيها المعلم ..وداعا إيها الإنسان….

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى