سياسة اللاحلّْ ليست حلاً
سهيل كيوان | فلسطين
شهدنا في الأيام الأخيرة، حلقة أخرى من مسلسل إدارة الصراع، الذي تمارسه حكومات إسرائيل المتعاقبة منذ قيامها. الهدف الرئيس لم يتغير، منذ قرار التقسيم عام 1947 حتى يومنا، وهو منع إقامة دولة للفلسطينيين، بأي طريقة كانت.
من يسافر إلى الضفة الغربية ومنطقة القدس ومحيطها، وإلى الأغوار ومنطقة أريحا والبحر الميِّت، يعرف أنه لا يوجد شيء اسمه دولة فلسطينية، وهذا غير وارد أبداً حتى على المدى البعيد، بالعكس، فوفق ما يجري على الأرض، سوف تتضاءل الأرض تحت نفوذ السلطة الفلسطينية إلى الحد الأدنى، وبصورة مستمرة، ولن يبقى في النهاية سوى تجمُّعات بشرية بلا مجال حيوي تعيش فيه.
في إسرائيل يرون أن الفرصة مواتية جداً لاستمرار قضم الأرض والحقوق الفلسطينية، وذلك في ظل وضع الانقسام الفلسطيني والنظام العربي المهرول إلى التطبيع، والمنشغل في حروبه وصراعاته الداخلية، والنظام العالمي المبني على المصالح المتبادلة من دون أي أيديولوجيا أخرى. الشغل الشاغل لنظام الاحتلال في إدارة هذه الحلقة من الصراع، هو ضمان عدم السماح لفريق من فريقي الانقسام في غزة ورام الله بالسيطرة الكاملة، لا حماس تتمكن ولا فتح وحلفاؤها، هذا هو السَّبب الأساسي، الذي حدا بوزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس إلى لقاء أشبه بعملية لصوصية مع الرئيس محمود عباس في رام الله.
تبنّت السياسة الإسرائيلية في الخمسة عشر عاماً الأخيرة، سياسة تعزيز الانقسام، وهذا يعني استمرار سيطرة حماس في إدارة شؤون قطاع غزة، واستمرار سيطرة السُّلطة الفلسطينية في رام الله، مع الحرص على عدم سقوط أي طرفٍ منهما لصالح الآخر، لأن سقوط طرف يعني سيطرة الآخر على المنطقتين الجغرافيتين، وعودة ملايين الفلسطينيين للتنسيق في مقاومة الاحتلال، وهذا يعني أن مشروع الاحتلال سيعود ليكون مكلفاً، مثلما كان قبل اتفاقات أوسلو التي حرَّرت الاحتلال من مسؤولياته، وبعد انتفاضة الأقصى عام 2000 حتى الانقسام عام 2007. تحرُّك غانتس ممثلاً لحكومة نفتالي بينت – لبيد، جاء بهدف دعم السُّلطة في رام الله، ونفخ الروح فيها، ومنع سقوطها، أو اضطرارها إلى مواجهة شعبها بمزيد من القمع، الذي سيؤدي بالتالي إلى تمرُّد واسع، الأمر الذي سيُترجم في نهاية المطاف إلى مواجهات أكثر حدَّة مع الاحتلال. غانتس وعد بقرض من نصف مليار شيكل للسلطة لمواصلة تسيير أمورها ودفع الرواتب، هي في الواقع من أموال الضرائب الفلسطينية، ووعد بلم شمل ألف أسرة من بين عشرات آلاف الأسر، وهذه خاضعة لسيطرة الشاباك ومعاييره، وسلسلة طويلة من المماطلات، وفي النهاية قد تسفر عن لم شمل بعض العائلات، والسّماح في بناء ألف وحدة سكنية في المنطقة (سي) يقابلها بناء غير محدود من آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات، وإدخال بضعة آلاف من العمال الفلسطينيين إلى فرع البناء، الذي لا حياة له من دون الفلسطينيين، وللتخفيف من حدة البطالة في الضفة الغربية، وفي الوقت ذاته المزيد من إطلاق النار على أي مظهر مقاوم، ولو كان مقاومة سلمية، آخرها كان قبل ليليتين في بيت عور التحتا، واستشهاد الشاب رائد يوسف راشد 38 عاماً.
من جهة أخرى فإن هذه الزيارة بعد أحد عشر عاماً من التجاهل للرئيس الفلسطيني، عبارة عن غمزة للرئيس الأمريكي بايدن، بأن حكومة إسرائيل ليست لامبالية، وهي غير معنية بسقوط سلطة رام الله، وهو ما تراه الإدارة الأمريكية بعين الرضا. السياسة الإسرائيلية نجحت منذ قيام إسرائيل حتى اليوم في إدارة الصراع وكسب المزيد من الأرض والوقت، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي استراتيجية الحكومات الإسرائيلية في نهاية الأمر؟ ما الذي يريدون الوصول إليه؟ هل يريدون دولة إسرائيل من البحر إلى النهر؟ حسناً، لم تقم دولة فلسطينية، فماذا مع ملايين الفلسطينيين بين النهر والبحر؟ هل يحلم حكام دولة الاحتلال بظروف مستقبلية مهيأة لطرد جماعي للعرب؟ وهو ما يقوله ورثة الراب كاهانا في الكنيست بلا مواربة. من جهة أخرى، إذا بقي الفلسطينيون في تجمُّعات سكنية مكتظة، بلا أرض ولا مجال حيوي يعيشون منه وفيه، فهل هذا يعني انتهاء الصراع؟ أم انفجاره من جديد بقوة أكبر؟ كل هذا ولم نتحدث بعد عن اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية وحقوقهم.
في رأيي أن الاحتلال أيضاً في ورطة، وسياسة اللاحل ليست حلاً، لأنها تعني اليأس، وجرِّ الجميع إلى جولات مقبلة من المآسي والكوارث إلى أجل غير مسمى.