الذئب الذي عاش وحيداً

خالد جمعة | فلسطين

وجهي قلق الغابات، أحتلُّ فصلاً في الحكايةِ، أنامُ بعينٍ مفتوحةٍ تربِكُ الليلَ نجماً نجماً، وحيداً أرتّبُ الفصولَ والأشجار، وحيداً أصنعُ خيالاتٍ من خوف، أجنّدُ ما يقولُهُ أرنبٌ خائفٌ لأصنع أسطورتي، أنا الذئبُ لا أجارى، وحدي أعرفُ الطُّرُقَ التي تتلوى في بطن الجبل، وحدي أخبّئُ المأساةَ في صخرةٍ يجلسُ عليها راعٍ مع نايِهِ، فيقطرُ حزناً ولا يعرفُ أنّي تماماً خلفَهُ أحفظُ اللحنَ كي أردّدَهُ كعواءٍ على افتراضات الهضاب.
|||
مخلبي قلمُ الحكايةِ، ينيرُ لي المسالكَ كلما وصلت رائحةُ البيوتِ إلى غاباتي الأليفة، البيوتُ مقتلُ البرّيّ فينا، وحينَ صادقنا أصحابها صرنا كلاباً تحرس الغنم من أخوتنا، صرنا نقعي كجنودٍ مجّانيين على أبوابِ السادةِ، نمجّدُ اللحظة التي يطلقون فيها أعناقنا من طوقِ الأسرِ، ونسينا تماماً كيف كنّا حرّيةَ الأرض والوقت والتمائم، نسينا تماماً أولادنا الذين تركناهم وحيدين في معاركَ مع الليل والعواء، نسيناهم وهاجمناهم كأننا لا نعرفهم، قتلونا، قتلناهم، ولم ننتبه أن الدوائر في ماء البحيرة كانت بكاءَ المكان على ما أصبحناه، لم ننتبه ولو للحظة أن أسماءنا تغيرت كذلك.
|||
ذكرياتي طرائدُ من نارٍ ومسافات، كم أبكيتُ أمهاتٍ على أبنائهنّ، كم أبكيتُ أشجاراً على سناجبها، كم أخجلتُ جحوراً من سكانها فلم تحمِهم من فضولي، وكم وضعوني رمزاً في خزائن الشعر والأغنيات، وأنا لم أكن هذا ولا ذاك، كنتُ طريدةَ نفسي التي لم أفلح يوماً في اصطيادها.
|||
أنا وجه أسلافي، لم أعد أدافع عن براءتي من دم الأنبياء، ولا عن صورتي في الكتب المقدسة، هل كان غدراً أن أفترسَ من أباحَ جلدي للآتين من رغبة الحياةِ إلى رغبة القتل؟ هل كانت شراسةً أن ألوّن أنيابي بالدمِ لأعيدَ من دخلَ عالمي إلى وعيه؟ هل كان حقداً أن أشعر بالجوعِ فأكتبُ شبعي على رقاب المستسلماتِ لناي الرعاة؟ أنا وجه أسلافي، لا شأن لي في الفكرةِ عني، أنا ما أنا، فرائي دوزانُ الطبيعةِ حينَ أرادت تجميلَ الرماديّ في عين الأرض، أنا ما أنا، كلّما وضعتم باباً بيني وبين الفضاءِ، متُّ، وانطَلَقَ عواءٌ من جثتي تسمّونهُ الريح، فأعودُ، لا انتقامَ تحت جلدي، ولا رغبةَ قتلٍ في أنيابي، أعودُ لأحرّرَ الطبيعةَ من كل فكرةٍ خرَجتْ من خارجِ الغابةِ.
|||
صاحت ليلى في وجوهكم بقصّتِها
فلوّنتُ فمي بالأحمرِ كي تصدقوا…
أنا ابن ليلى وحبيبُها السّرّيْ
أنا الذئبُ الذي عاش وحيداً
بذاكرةٍ من أسئلة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى