رقصـة عطر.. قصة قصيرة

كرما الإبراهيمي | كاتبة جزائرية

شيء ما يركض في الروح..
شيء يشبه الحب..
يحملني إليكَ المكان ودفء هذا المساء الذي من شعر..
يحملني إليك ذاك الضوء المشع من عينيك،
يزرعني في راحتيك وردة..
أتطلع إلى قلبك وأقول:لا تغب..كل المدن غادرة..
شيء ما يركض في الروح..
شيء يشبه الحب..
قاعة الشاي نفسها حيث يتوزع الياسمين والرقص اللذيذ..
حيث كل الأشياء الراحلة قد تعود..
أنتحي الزاوية ذاتها التي تتدفأ على ضوء شموع مذهلة تمنح الروح رغبة بالارتماء في صدر مخملي..
يتعالى ذاك الصوت الممزوج بنكهة الحب”الأماكن كلها مشتاقة لك”..
تعيدني الكلمات إلى لحظة فرح في ليل قاهري المذاق..
تنسجني على ظهر فراشة خيطا رفيعا يسافر في أجواء بعيدة..وغامضة..
تعيدني الكلمات إلى عينيه..
إلى رحلة على سفح جبل-المقطم- حيث يمكن للحب أن يولد فجأة وينطفئ كقوس قزح..
كان كقوس قزح مشعا..
ومذهلا..
دافئ إلى حد كبير وهو يروي لي حكايات أشبه بقصص الأطفال حين يبكون في قلوبنا بصدق..
أشعر بأشياء تتكدس في داخله ما تلبث أن تتلاشى..
“الأماكن كلها مشتاقة لك”..
وكل الأماكن في القلب كانت مسكونة به..
كان عبق الروح وفرح العمر حين ينشر صباحاته الملونة..
كان شعاعا يحملني في غيمة زرقاء حين يدعوني إلى الرقص كلما أغمضت عيني وسافرت معه..
مد يده فجأة وسحبني إلى صدره.. قال: لنرقص..
كانت القاهرة تغوص في ليلها الشفاف حد النجوم..
مددت يدي كطفلة تتعلم مبادئها الأولى..خبأت رأسي في قلبه وشعور بالدفء يغمرني..
تمنيت لو لا يوقظني..لو لا يتركني أبدا..
كان الصوت الملائكي يتصاعد بهدوء”Pour que tu m’aime encore “وكنتُ أحلق في أشعة ملونة..
عدت إلى لحظة الحلم المنطفئ بعيني يوم أسلمتك لبرد المكان..
يومها كان البحر ثالثنا..
وكان المساء الممطر مغريا بالركض..
انسللنا من حفلنا الصاخب وركضنا كطفلين في شارعنا الوردي..
سبقنا الشوق وحط على الموج المترامي..
جذبتني إلى الماء الدافئ والمطر مازال يتساقط بلطف لذيذ..
ألبستني ذاك الخاتم الجميل وقلت لي: لا تنزعيه أبدا..انه أنا..سأتوحد معك في كل الأمكنة..
يومها..
رقصت معك والمطر يدفئ وجهينا..
ألقيت بجسدي الصغير في حضنك واستعذبت اللحظة..
كانت يدك التي تطوقني تدخلني شموسا وأقمارا..تملؤني حبا وعيناي تتعلقان بك وإذا أصابعك تتخلل شعري الطويل..
تشبثت بصدرك بقوة وكأني أخشى أن تنفلت مني فجأة..
ودعتك وأنا لا أدري أن رقصتنا تحت المطر ستختم ما تبقى من الحكاية.. ويدك التي طوقتني مساء كانت بعد يومين بلا دفء..مجرد يد غريبة مضمومة إلى أشلاء جسدك
المفتت..
لاشيء سوى موت متكرر..
لا شيء سوى أنك تصادفت مع قنبلة في ذاك المتحف..
لا شيء بعدك ظل على حاله..
قصصتُ شعري،
وما عاد الرقص يغريني..
“الأماكن كلها مشتاقة لك”..
والقلب أكثر اشتياقا..
أشتم رائحة عطره في يدي وأنا أدخل القاهرة بعد زمن..
شيء ما تحرك في القلب..
تطاير السنونو عابثا بالقلب..
وتدفق العمر الباهت أغنية من ورد أحمر حين قدمته لي يداه في لحظة وداع..
أعادني عطره إليك ..
أعادني وجهه إليك في ليلة مقمرة والشاطئ الجميل يضمنا..
يومها كان كل شيء يولد في القلب..
كان الحب..
وكان الفرح..
لم تتبعثر الأحلام بعد..
ولم تتمزق الصور إلى أشلاء..
يومها كنتَ معي..
وكان الحب لنا..
ولم أرك باردا كقطعة ثلج في رداء أبيض..
لو تأخر الوداع قليلا..
لو يدعني أشتم عطره مرة أخرى..
لو فقط يأخذني من جديد في صدره ويراقصني على ذاك النغم اللذيذ..
أعادتني –القاهرة-إليك ..
وغسلني صدره بعطر منك في رقصة على هامش الليل الدافئ..
وحين تدفقت أوراق الورد الأحمر في الطائرة، كانت المضيفة تجمعه بابتسامة.. قالت: لو أنا مكانك ما تركت صاحب هذه الورود..
تمنيت لحظتها لو عدت إليك..وتشبثت بصدرك ألا تُعدني إلى زمن البرد..
خذني إلى رقصة عطر لا تموت أبدا..
وفي عمق الأمنية،
كانت الطائرة قد أقلعت ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى