الدكتور سعيد الجعفر يحاضر عن الاستشراق السويدي وفشل مشروع التنوير العربي بدار المأمون

عليّ جبّار عطيّة / خاص بمجلة (عالم الثقافة)


نحنُ الآن في منطقة فراغ ولا أحد يستمع إلى المستشرقين !

قال الأُستاذ الدكتور سعيد الجعفر: لقد وصمنا الاستشراق بأنَّه معادٍ،ونحنُ الآن في منطقة فراغ، ولا أحد يستمع إلى المستشرقين،وقد فشل مشروع التنوير العربي، وانقرض المشروع العلماني والقومي والإسلامي الذي بدأ مع رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده.
جاء ذلك خلال محاضرةٍ قيّمة أُقيمت في دار المأمون للترجمة والنشر بوزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية ضحى الاثنين الموافق ٢٠٢٢/١/١٧م بعنوان (قراءة في كتاب الاستشراق السويدي) على قاعة (طارق العُبيدي) في الدار ضيَّفت فيها أ.د سعيد الجعفر وقد أهدته المُدير العام للدار المترجمة إشراق عبد العادل شهادةً تقديريةً تعبيراً عن الامتنان والتقدير؛ لحضوره الى دار المأمون متجشماً عناء الطريق من محافظة ذي قار (تبعد نحو ٣٥٠ كيلو متراً جنوبي شرقي بغداد)، وإلقائه المحاضرة، وترجمته كتاب (الاستشراق السويدي).
تضمنت المحاضرة عِدّة محاور، وكان من أبرزها (إشكالات الترجمة)، و(ظاهرة الاستشراق السويدي).
ورحبت مُديرة الجلسة المترجمة زينب عبد اللطيف بالدكتور سعيد الجعفر قائلةً: قد لا يبدو من المُغَالاة لو قلنا: إنَّ ثقافتنا لا تعرف شيئاً عن الاستشراق السويدي على الرغم من كونه ينافس مدارس الاستشراق الكبرى في ألمانيا
وروسيا وإنكلترا وأمريكا، إلا إنَّه بقي مجهولاً في الثقافة العربية، ولم يترجم سطراً واحداً من أعمال المستشرقين السويديين إلى العربية، ولذا كان المُترجم متحمساً لترجمة الأعمال المهمة.
ثُم تطرقت إلى نبذة مُختصرة عن مسيرة الجعفر قائلة: إنَّهُ من قضاء الفهود في أهوار الناصرية، وأكمل الدراسة الجامعية في كُلية الزراعة جامعة البصرة عام ١٩٧٩- ١٩٨٠ م ثمَّ أكمل دراسة الماجستير والدكتوراه في اللسانيات بجامعة (سان بطرسبورغ )بالاتحاد السوفيتي ، التخصص العام : اللسانيات والدقيق علم الدلالة عام ١٩٩٩م، وعمل أُستاذاً في جامعة (ستوكهولم) قسم الاستشراق عام ٢٠٠٦م، ثمَّ عمل أُستاذاً في قسم اللُّغة العربية كُلية الآداب جامعة ذي قار، وصدرت له مجموعتان شعريتان ،وخمسة كُتب مُترجمة من ضمنها للعالم (نعوم جومسكي)عن هجمات ١١ أيلول ، وآخر إصداراته هو كتاب (الاستشراق السويدي)، ويعكف حالياً على ترجمة كتاب في (علم الإشارة)، وله مشاريع أُخرى في مجال الترجمة والتأليف.
التأويلية وما أدراك ما هي !
وتطرق الجعفر في بدء محاضرته إلى التأويلية، ومما جاء فيها :
بدأ التأويل مع اليهودية، فموسى كليم الله،
وجبرائيل كذلك، الحكيم هرمس في اليونان ومنه اشتقت الهرمونطيقية (التأويلية).
أما الترجمة فبدأت متأخرة في الثقافة الإنسانية.
اللغة الآرامية كانت لغة الثقافة لمدة ألف عام، ووريثتها السريانية والكلدانية تسيدت بعد ظهور المسيح حتى الفتح الإسلامي.
التأويلية المعاصرة اتخذت هي العلم المركزي في الفكر الإنساني في القرن العشرين.
التأويلية علم متعدد العلوم له علاقة مباشرة وعميقة بالفلسفة وبالإنسانيات المقارنة وبعلم الأساطير.
إنَّ التأويلية hermeneutics انفصلت عن الترجمة translation
(علم التأويل أو التفسيرية أو الهرمنيوطيقا هي المدرسة الفلسفية التي تشير لتطور دراسة نظريات تفسير وفن دراسة وفهم النصوص في فقه اللغة واللاهوت والنقد الأدبي. ويستخدم مصطلح هرمنيوطيقا في الدراسات الدينية للدلالة على دراسة وتفسير النصوص الدينية.. عن الويكيبيديا ).
وأضاف : إنَّ اللغات الرومانسية والجرمانية تحمل المعنيين، وأنَّ مترجمي القرآن الكريم مؤولون وليسوا مترجمين.


أهمية الترجمة
وبيَّن أهمية الترجمة، و دورها العميق في الثقافة الإنسانية، وتجسير العلاقات بين الشعوب، وتبادل الآراء وتطوّر العلوم، ولولا الترجمات التي قام بها جابر بن حيان، ولحقه (إسحاق بن حنين) في زمن (المأمون)، لما استطعنا معرفة شيئاً عن الحضارة اليونانية، ولما استطاع الغرب أصلاً أن يطوّر ثقافته،
يطلق في الغرب على ابن رشد (الشارح) وهناك اتجاه يسمى بـ (الإتجاه الرشدي) لعب دوراً في الثقافة الغربية، وفي تطوير ثقافة الغرب، وظهور عصر النهضة، ولحقه عصر التنوير، والعلمانية، والفكر المعاصر، كان السبب الحقيقي وراء ظهورها.
وأردف : لقد ترجم العرب من اللغة اليونانية إلى اللُّغة العربية، ولاحقاً تُرجمت هذه الكُتب من العربية إلى اللاتينية، ومن خلالها بقيت هذه الكُتب كتباً منهجية إلى درجة أنَّ (ابن رُشد) أصبح يُسمى بشارح (أرسطو) في الثقافة الغربية.

أنواع الترجمة
قسم الجعفر أنواع الترجمة حسب طبيعة الفنون والأغراض إلى :
أولاً : ترجمة النصوص التقنية وهي أسهل أنواع الترجمة،وتقوم على ترجمة المعنى أو ترجمة الدلالة، وهي سهلة في الهندسة والفيزياء والسياسة ولغة الصحافة.
ثانياً : ترجمة النصوص الفلسفية التي تحمل نوعاً من الشعر، ولغة المفكر هي لغة شعرية مثل لغة نيتشه، وهيدغر،وربما تكون لغة المناطقة أسهل، وقد اتبع السويديون نهج المدرسة الانكلوسكسونية أما الروس فأخذوا المنهجين الانكلوسكسوني والفرنسي.
ثالثاً : ترجمة الرواية والقصة التي يكثر فيها المجاز والأمثال، وتكون مُعقدةً فالأُسلوبية كعلم أصبح علماً مهماً جداً باللسانيات.
رابعاً : ترجمة الشعر، وهي من أعقد أنواع الترجمات، فإذا لم يكُن المُترجم شاعراً لا يستطيع أن يترجم الشعر.
خامساً : ترجمة أدب الأطفال ، وهي أصعب الأنواع، وإذا قُلنا : إنَّه يجب في ترجمة النص الشعري أن يكون المترجم شاعراً، فترجمة أدب الطفل تتطلب أن يكون المترجم طفلاً لكي يستطيع أن يترجم، وأن تكون لديه تجربة ربما (غريبة) أو (مُحزنة)، وهو الأمر الذي جعله يشعر باليأس من الحصول عليه حين ترجم كتابين للأطفال.


إميل في لنبريا يسرح ويمرح
وتحدث عن تجربته في ترجمة أدب الأطفال فقد ترجم عن اللغة السويدية قصة الأطفال (إميل في لنبريا يسرح ويمرح) لكاتبة الأطفال السويدية الشهيرة أستريد ليندغرين(١٩٠٧م ـ ٢٠٠٢م) التي نقلت الكثير عن الشرق، ورحلة البحث التي قام بها عن الطفل أميل في ضواحي وشوارع العاصمة ستوكهولم، داعياً الى التوجه لترجمة أدب الأطفال .
وحصر المحاضر الصعوبات التي واجهته عند ترجمته للكتاب بوجوب ترجمته مئات المصطلحات من السويدية، وأنَّه لم يكن بوسعه اشتقاق مصطلحات كما يفعل غيره من المترجمين العرب؛ لأنَّ التحديث في اللغات والمصطلحات ليس من اختصاص المترجم وإنّما يجب أن يكون عن طريق المجامع العلمية وخبراء اللغة تحديداً ، مشيراً على وجه التحديد الى اشكالية ترجمة مصطلحي السلفية والجهاد إذ إنَّ بعض المصطلحات تترجم ترجمةً دلاليةً دون اعطاء المعنى الحقيقي الذي قد يجهله المتلقي، وقد نُقل إلينا مصطلح (الأُصولية الإسلامية) وهي ترجمة خاطئة لفرقةٍ مسيحيةٍ ظهرت في القرون الوسطى كانت تقتل مَنْ يخالفها.
من هنا تبرز صعوبة ترجمة النصوص البلاغية ومنها القرآن الكريم ونهج البلاغة، والمواقف والمخاطبات، و الفتوح المكية، فالنصوص الصوفية صعبةٌ جداً، وكذلك النصوص الغنائية كقصائد نزار قباني التي شبَّه نقلها إلى لغةٍ أخرى كنقل هيكل عظمي لسمكةٍ!
وأضاف: فنحتاج إلى قراءة السياق، ووضع حواشٍ كثيرةٍ تؤدي الى أن يفقد النص قيمته الحقيقية ليكون هذا الأمر سبباً في عدم انصاف النصوص المنقولة، من هنا أُؤمن بالترجمة القائمة على المعنى، أي أنقل فكرة الكاتب، وهو أهون الشرين فحين ترجم الشاعر حسب الشيخ جعفر قصائد (بوشكين) كانت القصائد باللغة العربية تعد إبداعاً، لكنَّني حين قرأتها باللغة الروسية عرفت الفرق !

6 ترجمات للقرآن الكريم
وتناول ترجمات القرآن الكريم من اللغة اللاتينية إلى اللغة السويدية التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر بثلاث ترجمات عليها مؤاخذات مثلاً ينقل المترجم الآية (وثيابَك فطهّر) بمعنى: (اغسل ثيابك).
مضيفاً : ثمَّ هناك ترجمة رابعة للقرآن الكريم لـ(تورن بيرغ)، وهي أقرب الترجمات التي تحاول أن تنقل النص، والسبب أنَّ اللغة العربية منذ الجاهلية، وحتى العصر الجاهلي حصلت فيها انزياحات كثيرة.
وأشار إلى أنَّ مجموع ما ترجم من اللغات الأخرى إلى اللغة العربية منذ زمن المأمون إلى الآن يعادل ما ترجم إلى اللغة الإسبانية خلال سنة واحدة، الأمر الذي يدعونا إلى تكثيف الجهود من أجل المزيد من الترجمة، لما لها من دورٍ عميقٍ في الثقافة الإنسانية، وتجسير العلاقات بين الشعوب.
وأضاف : إنَّ العراقيين المقيمين في مملكة السويد يبلغ عددهم نحو ٤٠٠ ألف عراقي، والعرب نحو نصف مليون شخص ، لكنَّ مَنْ يمارس الترجمة لا يزيدون على أصابع اليد.

أجداد السويديين غزوا روسيا !
وكشف الجعفر أنَّ أجداد السويديين (الفايكنغ ) أو (بدو البحار) عاثوا فساداَ في أوربا في القرون التاسع والعاشر والحادي عشر، وأسسوا ممالك، وغزوا روسيا ويحاول المؤرخون الروس لي عنق الحقائق، فيغضون النظر عن ذلك، بل حتى أنَّ لفظة (روسيا) سويدية !
وأضاف : كان سكان الخلجان يأتون إلى بغداد بالشقراوات، ويأخذون التوابل!

لماذا يهتم السويديون بالشرق ؟
يجيب الجعفر بالقول :
أولاً : إنَّ السويد دولة عظمى خاصةً في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر وبمستوى مقارب إلى ألمانيا وفرنسا، وكانت معاديةً لروسيا، وتواصلت مع الدولة العثمانية لمقاومة التوسع الروسي.
ثانياً : دراسة اللغات السامية : البحث عن الهوية، فهم يبحثون عن الكتاب المقدس المكتوب باللغة العبرية والآرامية والسريانية المرتبطة بالعهد القديم ثمَّ قادهم ذلك إلى دراسة اللغة العربية التي كانت الأداة الوسيطة لنقل الفكر الديني، وقد سادت لمدة سبعة قرون،بل كانت الكتب المقررة في القرن الثامن عشر في فرنسا هي كتب ابن سينا.
ثالثاً : الرحلات البحثية :
قام المستكشف الألماني كارستن نيبور برحلة إلى الهند وقد ترجم كتابه قبل ١٥٠ سنة.
رابعاً : الرحلات الثقافية :
تقوم العائلات الارستقراطية برحلات يتعرفون من خلالها على الشرق.
خامساً : السياحة المبكرة وكتب الرحلات.
سادساً : الهجرة.

المداخلات
وفي المداخلات تساءلت المترجمة إشراق عبد العادل عن سبب تناوله الاستشراق السويدي دون سواه ، فأوضح الجعفر أنَّ عدم معرفتنا بوجود استشراق سويدي كان السبب الرئيس في إقدامه على ترجمة هذا الكتاب، مضيفاً أنَّ الأجواء العامة في السويد تسهل من مهمة المبدع والمترجم إذ أنَّ الدولة السويدية تقدّم التسهيلات اللازمة في هذا الصدد كما أنَّ الكتّاب والباحثين السويديين متعاونون للغاية مما يزيح العديد من العقبات والمصاعب.
وتمحورت مداخلة كاتب السطور بشأن أيهما أوسع دلالةً : الاستشراق أم الاستعراب،لأنَّ اهتمام المستشرقين منصبٌ على الثقافة العربية، وكان جواب الجعفر هو أنَّ الاستعراب يقع داخل الاستشراق بمعنى أنَّ مفهوم الاستشراق أوسع وأكبر من الاستعراب ، مشيداً بجهود علماء ورحالة قدموا تضحيات كبيرة وصلت إلى التضحية بحياتهم من أجل الوصول إلى المعرفة، وتتبعوا المخطوطات ودرسوها حتى وصل عدد المخطوطات العربية التي لم تحقق لحد الآن نحو ٢٤٣ مليون مخطوطة.
وتساءلت المترجمة ضمياء صبحي عن مدى أمانة المدرسة الاستشراقية السويدية، وأجاب الجعفر بأنَّها منصفة بدرجة عالية نسبةً لباقي مدارس الاستشراق، فالاستشراق السويدي محايد، وهناك مَنْ يتهم بعض المستشرقين السويديين بمعاداة السامية؛ لكثرة دفاعهم عن القضية الفلسطينية، مضيفاً : أنَّ شأن عدد من المفكرين والمستشرقين السويديين أكبر من شأن المدرسة الاستشراقية الألمانية.
ومن الطريف تعليق أحد علماء الانثروبولوجيا على ازدياد أعداد الشرقيين في السويد بالقول : (لا نحتاج إلى الذهاب إلى الشرق، فالشرق كله موجود في السويد) !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى