يوم قرر الجنرال ماكسويل تشكيل ” كتيبة البغال الصهيونية “

حسام عبد الكريم | كاتب وباحث من الأردن

هذا المقال لا يدخل في باب الكوميديا ولا مقالات السخرية والهزل, كما قد يوحي عنوانه. بل هو يتناول حقيقة تاريخية مؤكدة لا ريب فيها ويستعرضها كما هي وبموضوعية, بل ومن المصادر اليهودية – الصهيونية ذاتها!

في العام 1915, أثناء الحرب العالمية الأولى, ارتاب الوالي العثماني في بلاد الشام, جمال باشا, في الصهاينة ونشاطاتهم في فلسطين وشكّ بأن اليهود يميلون باتجاه بريطانيا فقرر اتخاذ سلسلة من الإجراءات بحقهم والتضييق عليهم مثل تجريد المستوطنات من السلاح ومنع استخدام اللغة العبرية في كتابة اللافتات وغير ذلك مما أدى الى خروج او إخراج عدد كبير منهم من فلسطين, زاد عن عشرة الاف, توجهوا الى مصر حيث رحبت بهم حكومة حسين رشدي باشا بعد التنسيق مع السلطات البريطانية, واستقروا في الاسكندرية حيث اقيمت لهم معسكرات ايواء. كان اغلبهم من اليهود الاشكناز القادمين من روسيا (وكان من بينهم دافيد بن غوريون). وهناك في الاسكندرية اختلطوا مع المجتمع اليهودي الكبير الموجود اصلا في المدينة فزاد النشاط الصهيوني كثيرا في مصر.

بدأ اثنان من الصهاينة الروس المتشددين, فلاديمير جابوتنسكي وجوزيف ترامبلدور, بتنظيم اليهود في مجموعات والقيام بتدريبات بدنية وشبه عسكرية وتشكيل ما يشبه الشرطة لحفظ النظام في معسكراتهم عرفت باسم “نوطريم” وذلك بموافقة السلطات البريطانية. تطورت الفكرة الى حد أن جابوتنسكي وترامبلدور صاروا يأملون بتشكيل كتيبة يهودية أو جيش يهودي صغير يلتحق ببريطانيا العظمى ويقاتل معها في حربها ضد الدولة العثمانية على أمل العودة الى فلسطين بشكل مسلح وقوي. وبالفعل فإن القيادات اليهودية في الاسكندرية, وبعد ان تحمّست للفكرة, طلبت مقابلة القائد العسكري البريطاني في مصر لكي تطرح عليه الفكرة وتنال موافقته. استقبلهم الجنرال السير جون ماكسويل واستمع منهم الى اقتراحهم ورغبتهم أن يكونوا في خدمة بريطانيا العظمى وجيشها. ولكن الجنرال الانجليزي رفض ان يوافق على انضمامهم للجيش البريطاني كجنود محاربين, ويبدو انه استصغر شأنهم وخصوصاً ان اليهود لم يكن لهم اي تراث في العسكرية او القتال. ولكنّ الجنرال عرض عليهم شيئا آخر : ان يشكلوا كتيبة دعم لوجستي يكون اسمها “فرقة البغال الصهيونية” (بالانجليزية  Zion Mule Corps) تكون مهمتها العناية بالحمير والبغال التي يحتاجها الجيش البريطاني لايصال المؤن والماء والملابس والذخائر لجنوده المقاتلين في الجبهات البعيدة.

 حصل نقاش بين الصهاينة بشأن ما عرضه عليهم الجنرال ماكسويل, شعر جابوتنسكي بالاهانة بسبب تخصيص الجنرال لهم بشؤون الحمير والبغال فحسب, وكان رأيه الرفض ولكن ترامبلدور والاغلبية قرروا الموافقة على العرض البريطاني.

وبالفعل تم تشكيل كتيبة مكونة من حوالي 600 عنصر ,450 من يهود فلسطين و 150 من يهود الاسكندرية, وقام الجنرال ماكسويل بتعيين العقيد البريطاني باترسونكقائد لها. ولكن , ولخيبة أمل اليهود, لم يرسلهم باتجاه فلسطين بل الى جبهة تركيا ذاتها! ركب عناصر “كتيبة البغال الصهيونية”, ومعهم 750 بغلاً, سفن البحرية البريطانية التي انطلقت بهم الى مضيق الدردنيل (شبه جزيرة غاليبولي) حيث الجيش البريطاني المهاجم لاسطنبول. أدّى اليهود الدور المطلوب منهم بشكل عام أرضى رؤساءهم الانجليز (قتل منهم 14 بنيران القصف التركي) .

انتهت مهام كتيبة البغال الصهيونية عام 1916 وتم حلها. وعند انتصار الانجليز في الحرب ودخولهم للقدس سنة 1917 سمحوا لليهود الذين كانوا في الاسكندرية بالعودة الى فلسطين, وفي عام 1918 شكلوا ما عُرف بـ “الفيلق اليهودي” ( Jewish Legion ) ليكون تحت إمرتهم , وضم هذا الفيلق بقايا كتيبة البغال الصهيونية العائدة من تركيا. وقد تحول الفيلق اليهودي هذا الى “قوات الهاغاناه” الصهيونية في العشرينات, وفي نهاية المطاف صار “جيش الدفاع الاسرائيلي” بعد 1948.

Notes:

مجلة ( The Jewish Chronicle ) التي هي اقدم مجلة يهودية في العالم نشرت على موقعها على الانترنت مقالاعام 2014 للباحث كولن شندلر شرحت فيه ظروف تشكيل كتيبة البغال الصهيونية وما قامت به, وقالت ان جابوتينسكي فيما بعد غيّر رأيه وأقر انه كان مخطئا في موقفه . الرابط:

https://www.thejc.com/news/all/the-birth-of-the-zion-mule-corps-1.60232

ولمزيد من التفاصيل انظر ايضا موقع ( Jewish Virtual Library ) الرابط:

https://www.jewishvirtuallibrary.org/the-zion-muleteers-of-gallipoli

وقد وثق العقيد باترسون ذكرياته مع “كتيبة البغال الصهيونية” والحرب في الدردنيل ونشر كتاباً (يمكن تحميله من الانترنت) بعنوان :

“With the Zionists in Gallipali”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى