ثورة 21 سبتمبر… التاريخ والبناء والنهضة الشاملة
إبراهيم محمد الهمداني | اليمن
اللوحة للفنان المصري محمد رضوان
لم تتوقف إنجازات ثورة ال 21 من سبتمبر 2014م، عند مستوى دلالات صمودها في وجه أعلى تحالف عالمي، سخر كل إمكاناته العسكرية والمالية واللوجستية وغيرها، لوأد عظمة تلك الثورة الشعبية السلمية، وخلق شبيه لها مزيف كعادته، يتماشى مع معطيات السردية التاريخية الإمبريالية، التي يتم إعدادها وتوجيه أحداثها وتحولاتها، لتسير في إيقاعها الزمني، ومبرراتها المنطقية، بما يخدم مصالح القوى الاستعمارية، ويعزز نفوذها وهيمنتها، ولم يكن انتصار هذه الثورة للنص التاريخي اليمني، في طابعه الشعبي الثوري التحرري، إلا بداية مشوار الانتصارات المتلاحقة، التي أذهلت العالم، على مختلف المستويات والأصعدة، واستطاعت من خلال تبنيها نظرية الحرية والاستقلال والسيادة، بناء نص تاريخي يمني خالص، يمتلك من القوة والمغايرة والتفرد، ما يؤهله لإعادة صياغة السردية التاريخية العربية والعالمية، ليفضح بذلك حقيقة اليد الإمبريالية الخفية، التي كانت تدير الأحداث، وتسوق تداعياتها، بما يخدم مصالحها وأهدافها، لتعلن – بعد ذلك – مباركتها للثورات العربية الشعبية، وقد قامت باحتوائها وتجييرها سلفا، وما إن ظهرت ثورة ال 21 من سبتمبر الشعبية السلمية، حتى تذكرت لها تلك القوى الاستعمارية، وتكالبت عليها، وحشدت ضدها كل قوى العالم، وأصبح ما باركته الأمم المتحدة بالأمس، من إرادة الشعب وثورته، انقلابا على شرعية مزعومة، وخطرا يهدد أمن واستقرار المنطقة، حسب زعمهم.
انقلبت الأمم المتحدة (الاستعمارية) على نفسها، وسقطت سقوطا مخزيا، ما كان له أن يكون، لولا هذه الثورة المباركة، التي لم تكن على مقاس مصالح القوى الاستعمارية، ولم تنطبق عليها شروط الارتهان والعمالة والاستلاب، ولأنها كانت شعبية خالصة، سلمية صادقة، وطنية مخلصة، مشبعة بروح التسامح، وأخلاق الإسلام، فقد أقلقت القوى الاستعمارية، وأقضت مضجعها، بما تحمله من تهديد مباشر لهيمنتها ومصالحها، ليش فقط على المستوى المحلي اليمني، أو المستوى الإقليمي، وإنما – أيضا – على المستوى العالمي في شموليته.
نجحت ثورة ال 21 من سبتمبر – بفضل الله وقيادتها الربانية الحكيمة- من اجتياز وتخطي كل العقبات، وإفشال كل المؤامرات، وفضح سياسة الكيل بمكيالين، وهزيمة تحالف العدوان العالمي، والانتقال -وفق خطط مدروسة- من مستويات الدفاع وامتصاص الضربات، إلى مستويات الرد الموجع، ثم إلى مستويات الردع القوي، وامتلاك زمام المبادرة، وقد ترافقت هذه الإنجازات العسكرية في ميادين المواجهة، بإنجازات نهضوية، وفق خطط بنيوية تنموية شاملة، مدروسة ومعدَّة بعناية وخبرة ومنهجية علمية، مكللة بالتوفيق الإلهي العظيم.
وقد كان لمشروع الشهيد الرئيس صالح الصماد – رضوان الله عليه – “يدٌ تبني ويدٌ تحمي”، الأثر الكبير، في وضع الأسس المتينة، والمداميك القوية، لعملية البناء والتنمية والنهضة الشاملة، وقد تلقف المخلصون من أبناء الوطن، هذا المشروع النهضوي الرائد، سواء على المستوى الرسمي، والمؤسسات الحكومية، أو على المستوى المجتمعي الشعبي، أو على مستوى المنظمات والمؤسسات الأهلية، ذات الصلة والاختصاص، وإنصافا للحقيقة والتاريخ، يمكن القول إن مؤسسة بنيان التنموية، كان لها شرف السبق، إلى تبني هذا المشروع الوطني، قبل أن يتبلور في طابعه الرسمي، فقد حملت على عاتقها منذ تأسيسها، هذا المشروع النهضوي العظيم، فكانت مؤسسة بحجم وطن، بكل ما تعنيه الكلمة، ورغم الوضع العام المحبط، والاستجابة الضئيلة والمترددة – غالبا – من معظم المؤسسات الخاصة، ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة، إلا أن قيادة مؤسسة بنيان التنموية، استطاعت إقناع أولئك الشركاء المحليون – من منطلق التوجيهات القرآنية، والأعراف والتقاليد المجتمعية، والحجج العقلية المنطقية، بتجاوز وضعية التلقي السلبي، والاكتفاء بلعب دور الوسيط بين المنظمات الإغاثية الدولية – ذات الأهداف الاستعمارية – والمواطن اليمني، المهدد بشبح المجاعة، والموت الجماعي المحقق، والانتقال إلى وضعية الفاعل الإيجابي، ولعب دور القائد التنموي، الموجه والمشارك في عملية التنمية المجتمعية، كونها الحل الأمثل، لدفع خطر المجاعة والموت جوعا.
من البديهي أن أي مشروع نهضوي، لابد أن يمر بثلاث مراحل متعاقبة، ضمن المسار الزمني والتنفيذي، وهي:- مرحلة البناء، بدءاً من لناء الإنسان معرفيا وفكريا ودينيا، وتأهيله التأهيل الصحيح، وصولا إلى بناء الأوطان، ثم تليها مرحلة التنمية، التي تشمل مشاريع وخطط متعددة، لتنفيذ عملية البناء، في جميع المجالات، مع مراعاة الاحتياجات الأولوية، ثم تأتي مرحلة النهضة الشاملة – المشروع النهضوي الشامل – الذي يعني امتلاك رؤية تنموية نهضوية شاملة متكاملة، بما يحقق إحداث تنمية متوازنة، بين مختلف جوانب الحياة، ولا تصل المسيرة التنموية إلى هذه المرحلة المتقدمة، من التكامل والاكتمال والنجاح، إلا بعد خضوعها للكثير من عمليات المراجعة والتقويم والتعديل المستمر، وهذا المعيار هو ما استخدمته مؤسسة بنيان التنموية، في مراجعة وتقويم أدائها، غير انها حققت مفارقة صادمة، ومعجزة لم يسبقها إليها أحد، حين تجاوزت المخطط الزمني التعاقبي، المرسوم لسير العملية التنموية، واتخذت مسارا زمنيا واحدا، للمراحل الثلاث بالتوازي التزامني الإجرائي/ التنفيذي، لتحقق نجاحا كبيرا، ونضجا متزامنا موحدا في جميع المراحل، واستطاعت بثقتها العالية بالله تعالى، والتزامها المطلق بتوجيهات السيد القائد حفظه الله ورعاه، وتسلحها بروح الثقافة القرآنية، تحويل الميدان التنموي، إلى جبهة مواجهة، وجهاد في سبيل الله، لا يقل شأنا عن الجهاد بالبندقية في جبهات القتال، وتمكنت من تجاوز الكثير من العوائق والصعوبات، ومكامن الفشل والإخفاق المتوقع حتما، وبذلك جسدت شعارها “معا نحول التحديات إلى فرص”، حالة متحققة، على أرض الواقع العملي، وحوَّلت التحديات إلى فرص، وانتزعت انتصارها الكبير، في معركتها التنموية، بكل استحقاق وجدارة.
وإذا كان الإنسان هو وسيلة التنمية وغايتها، فإن ذلك هو ما كانت تعيه قيادة مؤسسة بنيان التنموية جيدا، وقد تجلى ذلك الوعي، من خلال تركيزها في إعداد خططها وبرامجها ومشاريعها، على مقومات بناء وتأهيل وتمكين الإنسان، وإعادة بناء وعيه وفكره وثقافته، وانتشاله من حالات الضياع والفشل والاستلاب، وفق موجهات قرآنية، ومعطيات علمية وحضارية، ومن تلك المشاريع، على سبيل المثال لا الحصر، مشروع أحفاد بلال، ومشروع تأهيل وتمكين ودمج الجرحى، اجتماعيا واقتصاديا، ومشروع تأهيل وتمكين نزلاء ونزيلات الإصلاحية المركزية، ومشروع رعاية وتنمية المبدعين والمبتكرين، وغيرها كثير.
بالإضافة إلى مشاريع التنمية الزراعية، التي تبدأ من برامج توعية وتأهيل المزارعين خاصة، وجميع أبناء المجتمع عامة، وانتهاءا ببرامج الإنتاج الزراعي، والاهتمام بجودة المدخلات، وصولا إلى التسويق، وهي برامج ومشاريع أكثر من أن تحصى في هذه العجالة، لأن كل مشروع يحتاج إلى كتابات مستفيضة، من أجل الإحاطة بأكبر قدر من جوانبه، وكذلك الحال فيما يتصل بتنمية الجانب الاقتصادي والصناعي، بدءاً من إحياء الموروث الشعبي، الخاص بإحياء الحرف والمهن والصناعات التقليدية، واستعادة دور ووظيفة الأسواق الشعبية المحلية، ووصولا إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، من المواد الخام المحلية، واستغلال كافة الموارد، للوصول بالصناعات المحلية، إلى الجودة المنافسة.
ولا ننسى في هذا المقام، دور هذه المؤسسة الرائدة، في استعادة مكانة وحضور المرأة اليمنية، التي طالما تعرضت للتغييب، واستهدفت بمشاريع الانحلال والفساد، وإعادة دورها الإيجابي، الذي يحفظ كرامتها وحريتها ومكانتها، ويمنحها حق المشاركة الفاعلة، في مهمة الاستخلاف الإلهي، والقيام بمسئولياتها وواجباتها، في إطار ما نص عليه القرآن الكريم، وكفلته الأعراف القبلية، والعادات والتقاليد المجتمعية، من الحقوق والواجبات، فبلغت المرأة اليمنية، ما تستحقه، من المكانة العالية، والدور العظيم والمشرف، فاستحقت ببذلها وعطائها، وصبرها وصدق إيمانها، أن تُمنح لقب زهراء العصر، وزينب الثبات واليقين.
كثيرة هي المشاريع والإنحازات والنجاحات، التي حققتها هذه المؤسسة الرائدة في مجالات البناء والتنمية والنهضة الشاملة، وأسهمت من خلالها في تعزيز حالة الصمود الوطني، وكسر قيود العدوان، والحرب الاقتصادية والحصار المطبق، ضد شعب بأكمله، جاعلة من التنمية ثقافة مجتمعية عامة، تخاطب الفكر، لتجسدها طرائق التفكير والاعتقاد، والسلوك والتصرفات والمواقف الجمعية والفردية، وبذلك أصبح بناء الوطن مسئولية جمعية، والدفاع عنه التزاما دينيا، واجبا على كل فرد، كلٌّ من موقعه، ومجال عمله، وأصبحت جميع الأنشطة الزراعية والاقتصادية، أبوابا مشرعة للجهاد في سبيل الله، وساحات مواجهة مفتوحة أمام الجميع، للفوز برضوان الله وتوفيقه.
وتجدر الإشارة هنا الى ضرورة الإشادة بنسبة الاستجابة التنموية الشعبية الكبيرة، التي ارتفعت مؤخرا، مبشرة بانتصار الوعي المجتمعي، وكذلك لا ننسى نظيرتها على المستوى الرسمي الحكومي، وعلى مستوى المؤسسات الأهلية، ومنظمات المجتمع المدني، وأمام هذا الوعي المتزايد، والتكاتف والمساندة بين الجهات ذات العلاقة – رغم صعوبة الأوضاع وحساسية الفترة الراهنة – يمكن القول إن شعار “معاً نحوُّل التحديات إلى فرص”، قد أصبح نهجا عاما، يرسم مسار المواجهة الوطنية، علاوة على كونه قد أصبح فلسفة حياة، أنتجت تحولات عظيمة، وحالات صمود منقطعة النظير، وحملت للأجيال القادمة حكايات، عن بطولات وتضحيات فاقت كل الأساطير، واجترحت أعظم المعجزات، معبرة عن انتصار الإرادة، المتوسلة بالممكن والمتوفر والمتاح، على أعتى مواضعات القوة الاستكبارية، وهزيمتها هزيمة نكراء، في عمق تكوينها الوجودي، وهيمنتها الحضارية الزائفة، وتسلطها الاستبدادي، الذي سادت به قرونا من الزمن.