مرثية الواقع الحزين
يونس العموري | فلسطين
أقف على ناصية الحقيقة هناك عند أزقة البلدة العتيقة لعاصمة الله على الأرض، والإهمال سيد الموقف، وكأنها المعزولة عن العالم، لا راعي لها ولا متحدثا باسمها، إلا عشاقها ومجانينها وقاطنيها، هم من كان لهم فصل الكلام والمقال، وفي المحاولة للعودة لممارسة الصراخ بعد أن كان الصمت أو السكون والسكوت، وما بين السكوت طوعا والإسكات قهرا تكمن حقيقة الأشياء وواقعية اللحظة، والرجوع إلى مساحة التعبير عن الذات هو اصل الحكاية… وقضية التعبير عن المكنونات الراهنة له علاقة باستشراف الأمور ومحاولة تفكيك طلاسم الواقع وقراءة المستقبل القريب…. ونحن نحيا قهرا ورغما مرغمين في ظل عبثية اللحظة… وما كان يكون المستقبل إلا في ظل قراءة التاريخ لربما القريب ومعايشة اللحظة الراهنة بعناوينها العاجزة والمستعصية على الفهم والإدراك حتى يكون المستقبل ممكنا، كانت القراءات المؤلمة لنقش الكلمات على المساحات البيضاء ، (باب الليل، والموت عمل شاق، وأولاد الغيتو، والأكثر قهرا وألما أرض السافلين …) لنكتشف حقيقة الذات البعيدة عن رؤية المستقبل في ظل العجز البارز بكل الأزقة… كان القرار بأن أغوص في بطون الإبداع للحكاية من جديد ليكون الاكتشاف بتواصل العجز حتى اللحظة والصراخ سيد الموقف لمن لا موقف لهم، وهو ضجيج العشاق، وإرادة اللحظة بعد أن كان الإهمال، والارتهان لسنوات لعلها تسهم في نسيان الواقع والوقائع، وهو المؤمن بالحق بقبلة على جبين عجوزه، التي ما فتأت تقهر القهر منذ أن صار الولد كهلا وربما سيصبح هو الأخر عجوزا حفرت السنون نقشها على الوجه الجميل، وهو تمرد أشعة الشمس المشتاقة لأن تلوح جباه عشاقها… وهو من يحاول أن يكون تعويذة للحظة الفارقة ما بين الانهيار وإعادة رسم خارطة إرادة الوجود في ظل انعدام التأثير في صراع أبجديات ابن كنعان … وهو التعبير الصارخ عن تناقضات فعل التناحر ما بين فلاسفة العصر الجديد ومدارس التيه وتفسير المُفسر وجدلية الكلام غير الموزون وغير المعبر عن بسطاء الحواري … إذن هو إعادة ترسيم أرقام المعادلة التي لابد من أن تفرض ذاتها رغما وإرغاما .. وهو إعادة أيقونة صلاة الأنبياء بإمامة العربي العدناني بالمسجد القبلي بالحارة العتيقة، وهو السجود والركوع لألالم ابن البتول المعتلي للجلجلة….
كان إن جاب الطرقات بحثا عن عنوانه المنسجم مع كينونته الإنسانية وهو القابع هنا في حواري الاحلام الضيقة، وكان أن حاول أن يتمنطق بمنطق الحق واحقيته، واعتلي صهوة الريح وأدرك حسابات الكبار… في ظل حضرة النسيان …
في غياهب التيه نبحث عن الشمس الأصيلة الأنيقة من الالف الى الياء، وبالأمس كانت القصيدة مقموعة ممنوعة من النشر والموسيقى رجس من عمل الشيطان، والحائرات متحصنات خلف كواليس الحياة خلسة، والقاعدون على ارصفة الشوارع ينتظرون القادم لعله يأخذهم الى حيث ممارسة الصراخ دون وجل او خوف في ظل امتداد اليد السوداء الى ذواتهم للعبث بالمحرمات حيث القداسة لأصحاب المقامات الرفيعة في ظل دهاليز صناعة العروش الكرتونية المتوارية عن الأنظار لقباحة المشهد عن قرب …. بالأمس كان المشهد أكثر فهما وعصيا عن الإرباك والارتباك حيث البرق العربي النابت من صدر الشهداء والقسم بالسيف المرفوع بوجه غضب الصحراء … والجلاد يتربص بكل الأمكنة … كان الوضوح بهيا ولا يختلف عليه اثنان … واللون الأبيض يتضح وضوحا بحلكة اللون الأسود ….
بالأمس كان العاشق يصرخ بوجه العتمة على باب الغياب ليؤنسه كالوطن المستحيل حيث الغربة في الأوطان عندما يصبح قوت اليوم جزءًا من صراع لدقائق الفعل الإنساني والكل يصرخ من وجع اللحظة … وبالأمس كان المُباح قاعدة مقيدة بقوانين اهواء الحاكم وزبانية العسس الذين يتقنون فنون التلصص على خصوصية التفكير والابداع وممارسة الحرية الفكرية ونصوص الأدب وكتابة النثر والقصيدة المسافرة بأجنحة الأمل لترسم وقائع المستقبل الذي ما كان له أن يكون ولن يكون دون النظرة الحالمة الثاقبة لجدران المنع والقمع، تلك القصيدة التي ظلت حبيسة التأوهات بزاويا المدائن التي تأن تحت وطأة الخراب، الذي يعيث فسادا بأمر منه، صاحب العطايا لمن يشاء السارق بامتياز لكسرة خبز الطفل المحروم المؤمن بأحقيته بها، ولسيدة آمنت أن لها ما لها وعليها ما عليها ولها الحق بممارسة الحياة إن استطاعت إلى ذلك سبيلا وكانت أن انقهرت وتوجعت عندما شاهدت بأم عينها رجلها وسيدها الشريك لها بحلم الغد مكسورا يتلظى بنار عشقه وحيدا عندما هجرته الفراشات على متن اليأس القادم المتسلل بوضح النهار إلى حيث الركون والركوع والاستسلام لإرادة من كان يوما عصيا على الأسوار ملك الرذيلة وصانعها، فقد كان ممنوع عليه السقوط لطالما أن تلك الرذيلة تحمل لقب أصحاب الفخامة والسيادة ….
هو الخراب الذي طال كل أركان البناء، وهو الانهيار لمعادلة التمرد وإصحاح الثوار ومعول الهدم بات يطال حتى التاريخ المُسلم به والثابت والثوابت، وحوار الطرشان وتناحر سواري الرايات التي تطاولت على حساب راية الأوطان، وهو تضارب المصالح والتمركز خلف متاريس التكفير والتخوين والتحريم، وليلة بحضن دهاليز تصارع الأضداد في صياغة نظريات المؤامرة خدمة للأسياد في ظل تدافع العبيد …
والقابع في العلب الإسمنتية صار جزءًا من صراع وتناقض السادة القادة وأولي أمر النظرية، فمنهم من أضحى مجرد رقم من أرقام حسبة الأشرار أو الأخيار لا فرق فقد ضاعت حقيقة انبلاج الفجر وسط الظلمة الحالكة السواد…
كان قائدا وللحق هو القائد الذي فهم ويفهم نبض الشارع ويدرك حقيقة متطلبات الصرخة… يعلم خبايا منطق المواجهة ويعرف كيف من الممكن أن يوظف قدرات تلال التين والزيتون… وابن عاره بالمثلث جار الجليل ابن يونس قد صار العميد وللعمداء حكايا وقصص يبحثون عن الحرية في كهوف أجسادهم … فحينما يتحول الجسد إلى معركة من خلالها يكون الصراخ بعتمة الليل اشتياقا للشمس يكون الإدراك أن ثمة خلل في صناعة وصياغة نظرية التمرد والثورة وأن من يحمل اللواء بات عاجزا على تحرير اشعة الشمس من قبضة الجلاد … وأضحى الحوار والتفاوض متعدد الاتجاهات والأشكال والأغراض سمة المرحلة ومن يتحدث بلغة أخرى غير ذلك يسمى بمختلف مسميات الزنادقة وقد يصبح بأعراف وقوانين الحاكمية هنا والإمارة هناك خارج عن الإجماع والرأي والجماعة ومخرب للأوطان … ولابد من ممارسة سياسة العصا والجزرة والعصا أولا والتجويع ثانيا والتخويف والمطاردة ومن ثم قد تأتي الجزرة.