” سماء الفينق “يؤكد: علاقات الأردن وفلسطين علاقة روح وقلب
هدى عثمان أبو غوش
في “سماء الفينيق”يبوح ويوثق الكاتب الأردني مفلح العدوان بضمير المتكلّم وبسرد ذاتي بواسطة عدّة نصوص مختلفة مشاهداته على أرض فلسطين،وتعتبر هذه النصوص التّي أمامنا هي من أدب الرّحلات،ينتقل الكاتب في رحلته عبر جناحي طائر الفينيق الأسطوري من وطنه الأردن ثمّ إلى فلسطين،يتجول الكاتب مفلح العدوان في بعض المدن والقرى الفلسطينية.مثل أريحا ،رام الله،وبيت لحم ونابلس والخليل،يغيب الفينيق عن الكاتب لأنه بين أهله،بينما يسانده ويوصله إلى القدس من خلال تقمص العدوان لروح الفينيق،الّذي يرمز إلى الخلود والقوة والتجدد،ونلاحظ مدى قوة الفينيق في التحدي وتحقيق الأمل ودخول روح الكاتب القدس.
في سماء الفينق”أشواق وحنين إلى فلسطين وروح هائمة بالمدن وتفاصيل المكان والتّاريخ والذاكرة والأصدقاء .في سماء الفينيق صور الاعتداءات من قبل المحتل على المكان ودور العبادة وعين الكاتب شاهدة على المعاناة أمام الحواجز.
من الأساليب التّي استخدمها الكاتب لتوثيق رحلته إلى فلسطين ،هي استحضار شخصيات مختلفة تؤكد بداية على عمق الصلة والترابط بين الشعبين الأردني والفلسطيني منها شخصية الأردني “حنا السرياني” صاحب المقهى في الشونة في جسر الملك حسين يقول حنا:”أيام البركةوالخير كانت المدن مفتوحة على بعضها وكانت السلط مثلها مثل نابلس، الخليل، كما الكرك وإربد كأنّها بيسان….وترتبط كلّها بالعروة الوثقى”.استحضار وذكر شخصيات أدبية وسياسية مثل محمود درويش خليل السكاكيني،ياسر عرفات وغيرهم.
استحضار الشعر والأغاني التراثية التي تعبر عن الشوق للوطن وروحه.استحضار التّاريخ ومعالم المدن وبعض القرى،ووصف الحارات والطرق وبعض المعالم الدينية والمقامات بإسهاب ،ويدلي بالمعلومات بشكل دقيق ويوثقها بالتواريخ، ومن خلال تلك المعلومات تبرز ثقافة الكاتب،وحبه للقراءة. ولا ينسى ذكر شجر الزيتون حين مرّ في رام الله. لأنّ هناك علاقة حميمية بين الشجر والإنسان الفلسطيني على وجه الخصوص في ظلّ الاحتلال.
يذكر معلومات حول (تماثيل الأسود في دوار المنارة، قرية أرطاس،الخضر والمقام،حارات نابلس،المقهى في رام الله والشونة ومتحف محمود درويش الخ).جاء الإسهاب ليؤكد فلسطينية الأرض وعروبتها.
استحضار الخيال المتمثل بالطائر الفينيق الّذي يرافقه في رحلته وتقمص الكاتب لروح الفينيق وخلق صورة شاعرية خاصة عندما منحت للفينيق صفة الكلام( التشخيص)عندما تكلّم خلف نافذة الحافلة مع الكاتب وأشار إليه بزيارة افتراضية فيها تحلّق روح مفلح العدوان في القدس بواسطة جناحي الفينق بينما جسده يظلّ في الحافلة.،وأيضا غناء روح الكاتب البيت لنا.هذا الخيال الجميل جاء ليؤكد على أنّه لا بدّ لقيود وحواجز الاحتلال أن تنكسر،هو رمز للأمل والصمود والإصرار على شرعية المكان للفلسطيني.استخدام المقارنة للمكان ما قبل الاحتلال وما بعده.
تمّ وصف صور الاشتياق لدى الكاتب مفلح العدوان لحبيبته فلسطين،فتبدو أولى الصور حين لوّح بيده من إحدى المدن الأردنية قبالة فلسطين. ولهفته بالغناء “جفرا وهي يا الربع”وصور عناقه لأصدقائه حين وصل فلسطين،وتبدو صور الاشتياق في محاولة الكاتب للدخول إلى القدس والأمل في دخولها في المستقبل،وأحسن الكاتب في وصفه الطبيعة ونهر الأردن،وقد أعجبني التشبيه المذهل كتشبيهه الذّباب في الشونة وعلاقته مع المحتلّ، “وكأنّ الذباب في تحالف مع جند الاحتلال،ذباب أريحا هو حالة أُخرى لتأمل المحتل”.
استخدم السرد السلس الإنسيابي وفيه يعبر عن عاطفته تجاه ما يراه على أرض فلسطين،استخدم بعض الحوارات إمّا هاتفيا أو وجها لوجه.
حسب رأيي،إنّ الكاتب استرسل كثيرا في اقتباس القصائد وكان بالإمكان الاكتفاء ببضعة سطور.أمّا بالنسبة للمقدمات قبل بداية السّرد فحبذا لو امتنع عنها،فمن الأفضل أن يكتشف القارئ وحده الأحداث أو إلى أين يسير الكاتب بمفرده دون معرفة مسبقة.
أنهى الكاتب رحلته بالأمل والحنين بتكرار الرحلة “سنعود إلى تلك البلاد بلادنا فلسطين”. بذلك هو يؤكد على هوية البلاد وعمق المحبة بين البلدين وبالتالي يمكننا أن نقرأ من بين مسارات الرحلة وتوجهها في “سماء الفينق”،رسائل الكاتب للقارئ وهي أنّ العلاقات الأردنية الفلسطينة هي علاقة الروح والقلب معا. وأنّ الفلسطيني له حضارته وتاريخه،وعاداته،ويجب عدم الاستسلام أمام من يحاول طمس هوية المدن وتزييف التّاريخ والحقيقة.بل لنكتب عشقنا لفلسطين،ونسمع صوت الأماكن من خلال أقلامنا.