نزيف يومي صامت

 

مها دعاس | عضو الهيئة الاستشارية لجريدة عالم الثقافة –  كاتبة سورية تعيش في ألمانيا

من فرط الوجع، تُنقع الآلام بماء الوجود، فتعتقها الروح حتى اكتمال اختمارها، ثم تشرب حتى الثمالة.

للآلام مذاقات متفاوتة فيما بينها ،وكأن لبعضها سحر مذاق حبة شوكولا سوداء من الكاكاو الخالص شديدة المرار، لا تقاوم، ولا مفر من التهامها حتى آخر الوجع.

إنها ذلك الألم النقي من شائبة شفاء.

بعضها قد تكون على هيئة وخز إبرة مسمومة لا تقتل ولكنها تترك سمها في الأوردة المنهكة حتى الإنسجام معها ومع جريانها في الدم، فتخرج من الصدر مرة على شكل أنين لا يمل، ومرة على شكل صرخات مبحوحة، آهات وزفرات حارقة و خجولة، وأشدها إيلاما تلك التي تفشل مرارا في الخروج من القلب على شكل كلمات ،ولا تستطيع الحروف أن ترتقي لكتابتها في محاولة للبوح، فتنهمر دموعا حارة، أو نوبات بكاء هستيري تفشل كل المحاولات في إحتوائه..

إنها ومهما بدت غائبة، تتوارى خلف لحظة مناسبة لتعود إلى نزيفها اليومي الصامت بلا توقف ..

بقدرة فائقة، تستيقظ مهما غفت تلك الجراح التي لا تستطيع حكمة الأيام أن تداويها ،ولا صبر الوقت ،تعود لتلوح بيديها وتمد لسانها في كوابيس الأوقات الصفراء ..

لتذكر بأنها مازالت قادرة على البقاء، أنها لم تمت، وأن آثارها تحز الروح بسكين مثلمة تبعثرنا لنكمل حياتنا نازفين، ندور في دائرة مغلقة تضنينا محاولاتنا اليومية للملمة ما تبقى من أجزائنا المتناثرة على ضفاف الانتظار لفرح مؤجل ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى