فـي المِرآةِ أُشبِهُني
سليمان دغش | فلسطين
كأنّي داخِلَ المرآةِ أُشبِهُني
رأيتُ ملامِحي فيها،سألتُ النَّفسَ مُرتَبِكاً بِها وَلَها :
أأنـا أنــا ؟!
أم أنّني ظِلٌ لِوهمٍ كِدتُ أَحسَبُهُ أنـا
وَنَسيتُ في زَبَدِ الحَياةِ بأنَّها كَفُقاعَةٍ تَطفو قليلاً
فَوقَ سَطحِ الماءِ قَبلَ زَوالِها
وَكَأنَّها لا يَومَ طافَتْ في حِسابِ الدَّهرِ
والبَحرِ الكَبيرِ السّرمَدِيِّ حَقيقَةٌ وَمَتاهَةً
للعابِرينَ شواطِئِ الأبَدِيَّةِ البَيضاءِ،
خاتِمَةِ الشَّرائعِ والنِّزاعِ ِ عَلى السَّماءِ
بِما يُسَوّي الأرضَ فِردَوسَ المَحَبَّةِ،لمْ يَعِدْ أحَداً بِهِ أبَداً
أرى هُنا جَسَدَينِ مُنفَصِلَينِ في المِرآةِ،يَبتَعِدانِ يَقتَرِبانِ
حَدَّ الصِّفرِ أو أدنى ولا يَتَقابَلانِ
فَكَيفَ يُمكِنُ للظِّلالِ لِقاءَ هَيئَتِها على وَهمِ المَرايا ؟!
رُبَّما كُنا هُنا وَهماً يُحاولُ فهمَ أسرارِ الوُجودِ
عَلى مَرايا الماءِ،إنَّ الماءَ أصدَقُ أو أشَفُّ
وَنَحنُ مِنهُ وَفيهِ نَلهَثُ خَلفَ ماءِ سرابِنا العَبَثِيِّ
هَلْ كانَ السَّرابُ دَليلَ وَهمِ الماءِ في الصَّحراءِ
لا أَحَدٌ يَدُلَّكَ فالدَّلالةُ والدَّليلُ لَدَيكَ فيكَ وَكُلُّ شيءٍ
خارِجٌ عَنْ عِلَّةِ الإدراكِ في مَغزى المَجازِ الدُّنْيَوِيِّ،
كَثيفِهِ وَلَطيفِهِ، مَرئِيِّهِ مَخفِيِّهِ في عِلّةِ التَّكوينِ والخَلقِ الإلهيِّ
البَهِيِّ الظّاهِرِيِّ فلا وُجودَ لَهُ كأنَّهُ بَعضُ وَهمٍ
لا حَقيقَةَ فيهِ لَوْ لَمْ نُعطِهِ بِمَدارِكِ الإدراكِ حَقَّ وُجودِهِ
الزّمَنِيِّ والأبَدِيِّ كَيْ يَحيا وَنَحيا فيهِ كَيْفَ نشاءُ أو شاءَ الإلهُ
حُضورَنا الزَّمَنِيَّ في الأبَدِيِّ،
قالَ البَحرُ للنَّجَماتِ لا تَتَكَبَّري
مهما عَلَوْتِ أوِ ابتَعَدتِ على السَّماءِ فأنتِ فِيَّ
وأنتِ تَحتي في مرايا الماءِ،يُطْفِئُكِ النّهارُ بِشَمسِهِ
فَجراً فلا أحَدٌ يَراكِ وَلو أرَدتُ حَجَبتُ نورَكِ بالغَمامِ
نَشَرْتُهُ في الرّيحِ مِنْ أُفُقٍ إلى أُفُقٍ وأَبرَقَتِ السَّماءُ
عَلى جَناحِ الغَيمِ بعضاً مِن رسائِلِها لَنا :
لا بُدَّ منْ غَضَبٍ سماوِيٍّ لِتَنتَصِرَ الحياةُ على حَياةِ اللاحَياةِ
وتَستَقيمَ على مَشيئَتِهِ مشيئَتُنا وما المَلكوتُ إلا فيكَ
إنْ أدرَكتَهُ امتَلَكَتكَ نَرجِسَةُ الضُّحى ورأيتَ نَفسَكَ
فيكَ/فيها في تَجَلّي النورِ نَرجِسكَ البَهيِّ
إذ اكتَشَفتَ بِعِلَّةِ الإدراكِ نورَكَ فيكَ قِنديلاً دَلالِياً
وأنَّكَ واحِدٌ في اثنَينِ يَكتَملانِ عِشقاً سَرمَدِيّاً
ثُمَّ أمطَرَتِ السَّماءُ على أديمِ الأرضِ في عَطَشِ الثّرى
وَإليَّ عادَ الماءُ،مِني المُبتدى وأنا البِدايَةُ والنِّهايَةُ،
لا نِهايَةَ للوُجودِ وَللحَياةِ ولمْ يَكُنْ عَدَمٌ هُنا،
لا شيَْ مِنْ عَدَمٍ يكونُ وكُلُّ شيءٍ عائدٌ للَطيفِهِ بسَماحَةِ الأرواحِ
تَخلعُ عَنهُ ثوبَ كَثيفِهِ الجَدَلِيِّ،كم ثَوباً سَنَخلَعُ
في تداوُلنا القَميصَ الآدَمِيَّ لتَهدَأَ الأرواحُ فينا
مِنْ مَعارِجِها البَعيدَةِ نحوَ خاتِمَةِ الخَلاصِ،تَصالُح
الرّوحَينِ والجَسَدَينِ بَينَهُما انعِتاقاً واكتِمالاً بينَ
هَفْهَفَةِ الفَراشَةِ في تَناغُمِ جانِحَيها مع لَظى القنديلِ
لا القِنديلُ تُطفِئُهُ الفَراشَةُ شَهوةً قُصوى
ولا تَفنى الفَراشَةُ لذَّةً في حالَةِ “الكوما” على وَهَجِِ السّنــا
وأعودُ للمرآةِ أسأَلُها وَتَسأَلُني
أرى ظِلّي فأَحسَبهُ ويَحسَبني أنا
أأنـا أنـا أمْ أنَّني ظِلٌ لِوَهمٍ كِدتُ
أحسَبهُ وَيَحسبني أنـــا؟