” الصعود السلمي للصين ” وموقفها التقليدي من إرث الاستعمار 

محمـد علوش  

عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني  

سعت الصين دائماً باتجاه الصعود السلمي باعتباره المنهج الذي انتهجته في إدارتها لعملية الصعود من خلال العمل على تطوير الذات وفي المساهمة في نشر وتعزيز وحماية الأمن والسلم العالميين، والتطور الصيني بهذا الاتجاه، يعتمد بالأساس على القوة الذاتية والسوق المحلية الواسعة وموارد القوة العاملة المتوفرة واحتياطي رؤوس الأموال الضخمة.  

والصين في طريقها للصعود لم تتخلى عن العالم الخارجى ، إذ تمسكت بسياسة الانفتاح على الخارج وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية مع جميع الدول الصديقة على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة.  

وهذا الصعود الصيني لن يكون عقبة أمام أي من الدول الأخرى، ولن يشكل تهديداً لأحد، فالصين وعبر التاريخ، لم تكن دولة استعمارية، ولم يكن لها ميراث استعماري مع الدول الأخرى وهو نفس المنهج الذي تنتهجه في صعودها السلمي.  

وفي اطار مبادئها الأساسية ومنطلقاتها الفكرية والسياسية، فقد رفضت الصين فكرة هيمنة أي دولة على الشؤون العالمية ، ورفضت فكرة ” الأحادية القطبية ” والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، إذ ترى في النظام متعدد الأقطاب النظام الأمثل لتحقيق السلم والتنمية العالمية.  

وها هي الصين اليوم تؤكد دعوتها لإجراء تقييم شامل لكارثة الاستعمار وحماية الإنصاف والعدالة الدوليين، ودعت المجتمع الدولي لإجراء تقييم شامل ومشترك لكارثة الاستعمار للقضاء على إرثه الخبيث وبما يحمي الإنصاف والعدالة الدوليين، وبما يعزز نظاماً سياسياً واقتصادياً دولياً أكثر عدلاً وعقلانية . 

 إرث الاستعمار لا يزال يسمم العدد الهائل من المستعمرات السابقة، ويعرقل ويحد تنميتها، وهذا الاستعمار ، لا يزال قائماً ويتخذ أشكالاً جديدة ، مثل سياسات القوة وممارسات التنمر مع الثأر، وممارسة الوصاية وفرض التبعية ونهب مقدرات الشعوب والمس بسلامة واستقلال العديد من البلدان . 

اننا نحيي سياسات ومواقف الصين التي تدعم الجهود المستمرة لتعزيز عملية إنهاء الاستعمار في المناطق الـ17 غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وجهود شعوب هذه المناطق من أجل حق تقرير المصير، وعلى الحكومات التي تدير هذه المناطق أن تعمل من اجل اتخاذ إجراءات فعالة لتعزيز التنمية وحماية حقوق الإنسان وحماية البيئة في هذه المناطق. 

وبهذا الاتجاه أيضا تأتي مواقف الصين القوية والتي تقوم على مبادئ صينية بتسوية القضية الفلسطينية، والصراع العربي – الاسرائيلي، حيث اقترح المبعوث الصيني في الأمم المتحدة  أنه: ” يتعين أن تفتح إسرائيل موانئ غزة لتسهيل دخول الإمدادات الإنسانية ومواد إعادة الإعمار، توسيع المستوطنات وهدم منازل الفلسطينيين يجب أن يتوقف ، ويجب ضمان سلامة الأشخاص في الأراضي المحتلة، ويجب الحفاظ على الوضع التاريخي للأماكن المقدسة في القدس ” . 

ان الصين تدعم القضية الفلسطينية العادلة الخاصة بالحقوق الوطنية ، وتؤيد تأسيس دولة فلسطينية كاملة السيادة والاستقلال بناء على حدود عام 1967، تكون القدس الشرقية عاصمة لها، وستواصل الصين العمل مع جميع الأطراف لدعم تحقيق تسوية مبكرة وشاملة ومعقولة وعادلة للقضية الفلسطينية، وسلام مبكر ودائم بين فلسطين وإسرائيل وفي المنطقة. 

إن التنمية والتقدم اللذين تشهدهما الصين منذ انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية جاءا نتيجة الكثير من العمل الجاد والمثابرة الكبيرة للشعب الصيني في ظل القيادة القوية للحزب الشيوعي الصيني والخطوات الاستباقية للبلاد لتعزيز التعاون الدولي والعمل من أجل تحقيق نتائج مربحة للأطراف كافة ، هذا ما أكده الرئيس الصيني في كلمته قبل يومين، وكل هذه التصريحات مرتبطة بمواقف الصين المعلنة القائمة على بناء المصير المشترك للبشرية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد، ورفض الاستعمار بكافة أشكاله القديمة والحديثة، فقد صرح الرئيس شي جين بينغ بكل ثقة: ” بالنسبة للصين، لن نحيد عن عزمنا على الانفتاح على نطاق أوسع وبمعايير عالية، ولن نحيد عن عزمنا على تقاسم فرص التنمية مع بقية العالم، ولن نحيد عن التزامنا بعولمة اقتصادية أكثر انفتاحاً وشمولاً وتوازناً ونفعاً للجميع “. 

سياسة الصعود السلمي هي السياسة الرسمية المعتمدة في الصين والتي يشدد القادة الصينيون دوماً على أنها الخيار الاستراتيجي لبلادهم ، وعملياً ، المسألة أكثر تعقيداً من ذلك ولا سيما مع مرور الوقت في ظل التقدم الصيني والتراجع الأميركي. 

هناك احتمال أن تغري القوة الصين لكسر حلقة الصعود السلمي ، وبالتالي فرض مواجهة على النفط مع الولايات المتحدة أو القوى الأخرى في مناطق التماس ، كشرق آسيا ، وهي الدول الحليفة لأميركا ، أو في وسط آسيا وجنوبها أو في الشرق الأوسط ، وهناك احتمال أيضا بأن تجاري الصين النظام العالمي القائم فلا تحاول أن تغير فيه من موقع القوي ، وإنما محاولة أن تتأقلم مع القوى الأخرى للتعامل معه بما يتناسب مع انتقال القوة من الشرق إلى الغرب دون صدام ، وتطور الصعود السلمي للصين، يرتبط بالطريقة التي سيتعامل بها العالم ، ولا سيما الأميركيون مع هذا الصعود الصيني، وهو ما قد يدفع إلى الاحتواء والاستيعاب أو إلى المواجهة والصدام ، إذ يبدو جلياً أن هناك تيارات داخل واشنطن لا تزال تفضل أن تتعامل مع الصين على أساس أنها ” العدو القادم ” أو ” المنافس الخصم الذي ينتظر اللحظة المناسبة للانقلاب ” على أفضل تقدير ، فيما يدعو آخرون إلى التعامل معها شريكاً من الممكن أن يساعد بشكل فاعل على حل المشاكل في النظام الدولي بشكل أفضل مستقبلاً. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى