أمراض اجتماعية: رهاب اللودوكسافوبيا (3)

د. فيصل رضوان | الولايات المتحدة الأمريكية

الحكمة تقول “إذا دعوت شخصًا إلى الدخول بمنزلك ، فلا ينبغي أن تسمح له بالدخول فى رأسك”.  لكن قول ذلك أسهل من فعله.  لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي رؤوسنا بحيث يمكن لأي متسلل أن يتجول فيها حيث يشاء. إذا قمت بكتابة أي شيء يخطر ببالك فى شأن عام أو خاص ، فكما تصل رسالتك الى رفقائك وأحبابك، فمن المحتمل جدًا أن تصل رسالتك فى نفس التوقيت إلى المتربصين والصامتين القابعين بالفضاء الافتراضى فى قائمة طويلة نطلق عليها قائمة أصدقاء أو متابعين.

 المشكلة الحقيقية ليست فى استخدام التكنولوجيا – إنها الطبيعة البشرية.  نحن حريصون على الإهتمام بما يعتقده الآخرون عنا، وعن آرائنا وطريقة تفكيرنا— وربما تفاصيل أُخرى كثيرة فى— حياتنا لا داعى لاحد الاطلاع عليها.  وهذه الملاحظة ليست جديدة، بل صاغها  الفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس منذ ما يقرب من 2000 عام ، حيث قال “نحن جميعًا نحب أنفسنا أكثر من الآخرين، لكننا فى ذات الوقت نهتم بآرائهم أكثر من آرائنا” ، سواء كانوا أصدقاء أو غرباء أو أعداء.

إن الاهتمام بآراء الآخرين أمر مفهوم ، وإلى حد ما ، عقلاني. هذا  الإحساس طبيعي جدا ، لكنه يمكن أن يقودنا إلى الجنون، ويترتب عليه آثار نفسية وجسدية خطيرة، إذا سمحنا له بالسيطرة والتمكن منا.  لابد أن نفهم أن مخاوفنا بشأن ما يعتقده الآخرون عنا شئ مبالغ فيه ونادرًا ما يستحق القلق.  لكن للأسف الكثير منا ينغمس في هذه العادة السيئة لأطول فترة ممكنة، ولذلك نحن بحاجة إلى إتخاذ خطوات مدروسة لتغيير عقولنا وطريقة تفكيرنا فى هذا الأمر .

ربما المخاوف من الرفض مرتبطة بتاريخ تطور غرائز الشعور  بالدماغ البشري. حيث اعتمد “بقاء” البشر فى سالف العصور على تواجدهم في عشائر وقبائل متماسكة. قبل الرفاهية الحديثة للحضارة ، وتواجد الشرطة وتوفر الغذاء فى محلات السوبر ماركت، كان طردك من القبيلة نتيجة إختلافك معها فى الشكل أو الرأي؛ معناه الموت المؤكد من البرد أو الجوع أو التشرد.  لذا يمكن أن نفسر السبب فى إحساسنا بالأمان النفسى عند إستحسان الآخرين لنا داخل مجموعة ما ، والذى ينبع من ذات الغريزة البشرية التى تطورت بالدماغ البشري لتنشيط الشعور بالفرح، أو بالألم عندما نواجه الرفض الاجتماعي.

 لسوء الحظ ، فإن غريزة الرغبة في الحصول الحصرى على موافقة وقبول الآخرين غير ملائمة للحياة العصرية؛ حيث توجد المجموعات والتطبيقات غير المتناهية— فى عالم الانترنت.

 ومن الناحية الطبية فإن أسوأ حالات القلق والخوف بشأن قبول الآخرين،  قد تؤدى إلى حالة نفسية تشخيصها يسمى “رهاب اللودوكسافوبيا Allodoxaphobia”؛ أو الخوف اللامنطقي من آراء الآخرين. وإن لم يتحول الأمر إلى مرض عقلي،  فإن القلق بشأن آراء الآخرين يمكن أن يقلل من كفاءتك الأساسيىة في المهام  اليومية العادية ، وكذلك القدرة على اتخاذ القرارات. حالة فوبيا الرأى هى “الرعب الحقيقي”، كما يصفها كمال المصرى،  محقق الفلسفة الحديثة والتنمية البشرية المصرى، “الذى يفقد الإنسان، وربما المجتمع كثير من الاراء النافعة.

 لمجرد أن اهتمامنا المفرط بآراء الآخرين فينا هو أمر طبيعي، لا يعني انه لا يمكننا السيطرة عليه.  فالهدف الصحيح للحياة السعيدة ليس التجاهل التام لآراء الآخرين.  التجاهل غير طبيعي وخطير ؛  وقد يؤدي إلى “متلازمة الغطرسة hubris syndrome ” أو حتى أن يكون دليلًا على اضطراب الشخصية ومعاداة المجتمع.  ويمكن أن نصبح أفضل حالًا إذا تعلمنا الاهتمام بآراء الآخرين فينا، ولكن بقدر أقل مما نفعل.  وهناك ثلاث ثلاث خطوات يمكن لنا إتباعها:

أولًا : تذكر بأن لا أحد يهتم Nobody cares

 الناس تفكر فيك أقل بكثير مما نتخيل.  تشير الدراسات إلى أننا نبالغ باستمرار في تقدير مقدار تفكير الناس فينا وبإخفاقاتنا ، مما يؤدي بنا إلى تثبيط لا داعي له ونوعية حياة أسوأ.  في المرة القادمة التي تشعر فيها بالخجل من نفسك، ،يمكنك أن تفترض بأمان أن كل من حولك يفعل نفس الشيء تقريبًا.

 ثانيًا:  تمرد ضد الاحساس الدائم بالذنب والخجل.

 أحيانًا يكون القليل من الخجل صحيًا ، بسبب الخطىء أو نفاد الصبر مع الآخرين.  لكن غالبًا ما يكون الأمر سخيفًا بصراحة ، مثل الشعور بالخجل وجلد النفس، على سبيل المثال ، فى اشياء بسيطة للغاية وغير هامة.

 ثالثًا: توقف عن الحكم على الآخرين. Stop judging

حرر نفسك من الحكم على الآخرين ، وعندما تفعل ذلك عن طريق الخطأ ، تذكر أنك ربما تكون مخطئًا.

جميع الرسالات والملل نهت عن التنقيب عما في قلوب الناس وإساءة الظن بهم.  إحسان الظن بالغير خلق إسلامي، حث عليه الدين حيث قال الله تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”

وفى التوراة “لا تحكم على رفيقك حتى تقوم في مكانه”.

وفى الانجيل يقول عيسى عليه السلام  “لا تحكموا لئلا تدينوا”.  ومن تعاليم بوذا: “من يحكم على الآخرين يحفر لنفسه حفرة.”

وأخيرًا، عليك أن تعلم ايها القارىء العزيز إن تسرعك فى الحكم على الآخرين، يعني الاعتراف بأن الناس يمكنهم ، في الواقع ، أن يحكموا على بعضهم البعض ؛  وبالتالي ، فهو قبول ضمني منك — لحكم الآخرين عليك.

أرجو قراءة مقالاتي السابقة ضمن سلسلة أمراض اجتماعية، المتاحة فى الروابط التالية:

‎أمراض اجتماعية: الحسد وآلامه (1)

http://79j.713.mywebsitetransfer.com/?p=59111

‎أمراض اجتماعية: الكذب وأنواعه (2)

http://79j.713.mywebsitetransfer.com/?p=61191

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى