ادعموا التسامح بالرَّدع
سهيل كيوان | فلسطين
“خذوا أسرارهم من صغارهم”، هذا المثل، ينطبق في كل مجالات الحياة.
الأطفال هم مرآة لمجتمعهم ولأسرهم، ولا نستطيع إدخالهم في دفيئة تعزلهم عن واقع البلدة والشَّعب والحارة والبيت، حتى ذائقتهم الفنية تتأثر بما يسمعونه ويشاهدونه في البيت.
يعيش الأطفال تحت تأثير ما يشاهدونه من أفلام وبرامج وألعاب على الهواتف فيها الكثير من العنف، إضافة إلى أنه لا تكاد تخلو نشرة أخبار من العنف بشتى وجوهه وأشكاله.
بعض الأولاد يرون العنف ويعيشونه في بيوتهم، وهم ينقلونه معهم إلى المدرسة ويمارسونه.
إنهم مثل الكبار، يسمعون أغاني الأفراح على اختلاف ألوانها، ثم يشاركون فيها، ويسمعون أزير الرصاص وانفجار مفرقعات، ثم يقلّدونها، ويدركون أن إنسانًا قد أصيب أو جُرح أو قُتل، وقد يعرفونه، لأنه قد يكون في حارتهم أو شارعهم أو على شاشة الهاتف في أيديهم.
يعيش الأطفال اهتمامات الكبار، ففريق كرة القدم الذي يحبُّه الأهل يحبُّه أولادهم، كذلك الأمر في السِّياسة، فالبيت عادة ما يكون متجانسًا في القضايا والمواقف السياسية، والموقف من شخصيات ومؤسسات اجتماعية مثل المجالس المحلية وغيرها، وكذلك الأمر من القضايا الدينية والفكرية الأساسية، فمرجعية الأطفال الأخلاقية والفنية وحتى الرياضية والسلوكية هي البيت.
بمناسبة أحداث عنف جرت في بعض المدارس، وبقرار من وزارة التربية والتعليم، أقيمت في المدارس فعاليات تربوية ضد العنف، وللابتعاد عنه، واحتل الصدارة موضوع التسامح والعفو، وهذا عمل مبارك، ويجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من منهاجٍ تعليميٍ متواصل، وليس في المناسبات فقط.
إلا أن التسامح لوحده لا يكفي. ومن واجب الأطر المسؤولة في وزارة التربية والتعليم وضع برنامج عقوبات واضح ورادع معروف سلفًا، ليطبَّق على الجميع وقت الحاجة، وهذه العقوبة الرادعة تكون بمشاركة وعِلم ذوي الطلاب الذين يمارسون العنف وضحاياهم، فلا يمكن تربية الأطفال على نبذ العنف من خلال الدعوة إلى التسامح لوحده، بل يجب أن تكون هناك عقوبات معروفة، وعلى درجات مختلفة تلائم درجة التجاوزات الممارَسة، هذا ينطبق على الصغار كما ينطبق على الكبار، ويطبَّق على الجميع.
يحتاج الطالب إلى رادع، وإلا فإنه سوف يتسيَّب، ويزداد في تنمُّره، لأنه يعتبر إضحاك الطلاب مكافأة وتشجيعًا لما يقوم به، ويفتح شهيِّته إلى أكثر من هذا ليصل إلى المعلمين، فهو يرى في تصرُّفاته مصدرًا لإثارة إعجاب الآخرين، خصوصًا كلّما كانت أكثر غرابة وجرأة.
العقوبة الرادعة وليس الانتقام، وهذه تحتاج إلى اختصاصيّين نفسيين لإقرارها بعد درس وبحث، لتكون عملاً علاجيًا وتربويًا رادعًا على أسسٍ علمية.
كثيرًا ما نسمع عن طالب كان عنيفًا وتحوّل فجأة إلى إنسان هادئ ووديع بسبب موقف ما في البيت أو المدرسة، أو بسبب حكمة مُعلِّم. والعكس صحيح، فقد يكون رائعًا ووديعًا، وفجأة يحدث انقلاب في سلوكه، قد يكون بسبب تعرُّضه إلى وجبة كبيرة من العنف وفقدان الحماية.
في إحدى المدارس التي كنت أزورها ضمن دورة نشاط لا منهجي، منَحت المعلمة أحد الطلاب المثيرين للشغب فرصة لإبراز مواهبه في التمثيل، وبالفعل أبدع هذا الطالب الإعدادي، وشعر بقيمته وقدراته، وبأنّه مهمٌ وقادر، ولديه ما يقدّمه وما يثير إعجاب الآخرين به في طرق إبداعية، وكانت فرحته كبيرة جدًا، وخصوصًا أن المعلمين والطلاب عبّروا عن إعجابهم بما قدّمه، واشترك في احتفال اختتام السَّنة الدراسية أمام الأهالي، وكانت هذه انطلاقة لانعطافة قوية في سلوكه الإيجابي، بعدما كان يمارس كل ألوان الشَّغب والاستهتار.
طبيعة الإنسان أن يتمادى حيث لا يجد رادعًا، ولهذا فإن التربية على التسامح مهمة، ولكن التَّسامح يحتاج إلى دعم كي يكون فعّالًا، ألا وهي العقوبة والرادع للمعتدي العنيف، كي لا يعود إلى مثلها.
المتسامح كريم، وهو صاحب الشخصية القوية، وهو الأفضل من الجميع، ولكنه سوف يندم على تسامحه إذا ما شعر بأن المعتدي لم يتعلم الدرس وواصل عدوانه، حينئذ قد يتحوّل المتسامح نفسه إلى مبادر للعنف، كي يثبت أنه قادر على حماية نفسه.
سوف يتراجع العنف كثيرًا عندما يدرك مرتكبه بأنه سيعاقب، وبأنه لم يجلب له سوى الخسارة والنَّدم.