جامعة الدول العربية في الميزان

د. طارق محمد حامد عبد المجيد | أكاديمي 

قبل أن نبدأ بوضع جامعة الدول العربية في الميزان و نقيم دورها التاريخي و الحالي يجب أن نوضح ثلاثة أمور تتعلق بالجامعة العربية ألا وهم: الأول هو إعطاء صورة مقتضبة و مركزة لنشأة جامعة الدول العربية والتحديات التي واجهتها و الثاني شرح الأدوار المختلفة التي قامت به و الثالث هو رسم خارطة طريق مستقبلية للجامعة انطلاقا من الموروث التاريخي و الفكري و الأيدولوجي للمنظمة و اتخاذ خطوات وثابة نحو الفاعلية و التغيير متماهية مع طموحات واعدة و متغيرات مستقبلية .

أما عن نشأة جامعة الدول العربية فهي معلومة للجميع و لكن ما أود الحديث عنه هو أبرز التحديات التي واجهت نشأة  الدول العربية و ربما ما زالت مستمرة حتي هذه اللحظات الراهنة لأنها تمثل إشكالية كبري و معضلة مثيرة للجدل و هي  التقاطع الحاد بين استقلالية الدول الأعضاء في الجامعة و مصالحها ربما التي لم تتفق في يوم من الأيام إلا بنسبة ضئيلة و كذلك الفصل ما بين ما هو قومي و ما هو قطري ,كذلك ما بين الإنحياز في حالة النزاع و ما بين الحياد و تغلب المصالح و الموازنات و النزعة القطرية علي المصلحة العامة للأمة و القومية العربية والتي قامت جامعة الدول العربية من أجلها من رعاية مصالح الأعضاء وتقوية  الرابطة القومية و الحضارية بين الدول الأعضاء و تحقيق الأمن و التعاون المشترك علي المستويات السياسية و الاقتصادية و الأمنية و مواجهة التحديات الخارجية و إيجاد حلول للقضايا المصيرية و العالقة منذ نشأة الجامعة مثل القضية الفلسطينية و وضع ميثاقها الذي يعتبر مثالي من الناحية النظرية و صعب و ربما مستحيل من الناحية التطبيقية في بعض الجوانب خاصة أننا نتعامل مع حكومات لا شعوب و من المعلوم من السياسة بالضرورة أن توجه الحكام نحو القضايا المصيرية للأمة غير توجه الشعوب لاختلاف مصالح الحكام عن الشعوب.

نأتي بعد ذلك لتقييم أداء جامعة الدول العربية بحسب الأدوار المنوطة بها و ممكن تقسيمها إلي قسمين:

القسم الأول: خارجي و هو إدارة الصراع العربي الإسرائيلي و ربما هو الدور الرئيسي و الهدف الأساسي الذي قامت من أجله الجامعة العربية و يبدو أنها أخفقت في هذا الدور بدرجة كبيرة وذلك من خلال إخفاقها في التنسيق بين الدول و الجيوش العربية في مواجهة العصابات اليهودية المنظمة و عصابات الهاغانا الصهيونية في حرب1948م مما أدي إلي عدوان هذه العصابت علي الأراضي العربية الفلسطينية و قرار التقسيم الذي منح اليهود ما يقرب من 51% من فلسطين ثم اعتراف معظم دول العالم بدولة الكيان في الأمم المتحدة بإيعاز وتحريك من اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية و عجزت عن إيقاف تفاقم الوضع الفلسطيني و إيقاف المذابح المتتالية للداخل الفلسطيني من قبل العصابات الصهيونية في خان يونس و صبرا وشاتيلا و قانا في لبنان و كذلك فشلت في إدارة أزمة حريق المسجد الأقصي عام 1969م و بناء عليه قامت منظمة التعاون الإسلامي لكي تعوض الإخفاق الحاد في هذا الملف علي وجه الخصوص و أتي هذا الإخفاق بعد الفشل في إدارة الصراع في نكسة الخامس من يونيه 1967م و ترتب علي ذلك احتلال الأراضي العربية إبان ذلك فكان احتلال الجولان في سوريا و حتي الآن و الضفة الشرقية في الأردن و شبه جزيرة سيناء في مصر و احتلال مضايق تيران وصنافير و حرب الساعات الست التي كانت وصمة عار في جبين الأمة العربية جمعاء ، غير أنها نجحت في التنسيق بين دولها عموما في النصر العظيم في العاشر من رمضان عام 1393 هجرية السادس من أكتوبر عام 1973م و كان من ذلك مساندة مصر و سوريا في هذه المواجهة وكان من الجزائر و دول المغرب العربي تقديم العون لمصر من خلال سلاح الطيران و من المملكة العربية السعودية وتحديدا من الملك فيصل رحمه الله تعالي أن أوقف تصدير البترول لأمريكا أو استخدام ما يسمي سلاح البترول في تلك الآونة و نجح هذا التنسيق نجاحا باهرا و انتصر العرب و المسلمون علي اليهود انتصارا ساحقا قبل أن تفسده السياسة بإحداث الثغرة و وقف اطلاق النار و لاحقا معاهدة السلام و بنودها السرية المقيدة للسيادة العربية و المصرية علي أراضيها و مضايقها البحرية حتي بعد تحريرها كاملة عام 1988م مع آخر جزء محرر من أرض سيناء و هي طابا و ترتب علي ذلك نقل مقر الجامعة العربية من مصر إلي تونس و مقاطعة الدول العربية لمصرو هذا ما سأسرده في القسم الثاني  .

القسم الثاني: إدارة الصراع العربي العربي من خلال ملف معاهدة السلام بين مصر و الكيان الصهيوني و الذي أدي إلي عدوان معظم الدول العربية الأعضاء في الجامعة في مقاطعة مصر و سياسيا و علي مستوي التمثيل الدبلوماسي و من ثم نقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة إلي تونس حتي عودتها في بداية التسعينيات بعد حرب الخليج الثانية و ما أدي هذا إلي تعميق الشقاق و الجراح بين الأشقاء ، فكان لابد من إدارة هذه الأزمة و كذلك حرب اليمن بين مصر و اليمن من ناحية و المملكة العربية السعودية من ناحية أخري ، كان لابد من لم الشمل العربي و إدارتها بشكل أكثر حرفية لأن هذه الخطوة أدت إلي تأخر الدول العربية كثيرا علي جميع الأصعدة السياسية و الأمنية و الإجتماعية و الإقتصادية و الفشل في التعاون العسكري ضد المخاطر الخارجية علي الأمة العربية و الفشل في التعاون الإقتصادي و إهدار هدف و حلم السوق العربية المشتركة و كذلك الإتحاد الكونفيدرالي بل وتقوقع بعض الدول الأعضاء علي أنفسها و تكوين جيوب في صورة منظمات داخلية مصغرة وتحالفات داخل منظمة جامعة الدول ذاتها مما أدي إلي تقاطع المصالح القطرية و بدوره أدي إلي التباعد و الشقاق و مزيد من التفسخ العربي و من هذه المنظمات و التحالفات المصغرة مجلس التعاون العربي بين مصر و العراق و الأردن و اليمن و مجلس التعاون الخليجي بين المملكة العربية السعودية و الكويت و البحرين و قطر و الإمارات العربية المتحدة و سلطنة عمان و الشقاق بين دول المغرب العربي بسبب الصحراء الغربية.

و القشة التي قصمت ظهر البعير كانت غزو العراق للكويت و كيفية إدارة هذه الأزمة الداخلية و تأييد بعض الدول الأعضاء لهذا الاعتداء السافر من دولة علي دولة أخري شقيقة و هذه هي الإشكالية في جامعة الدول العربية أنها تتعامل مع ضدين دول ذات سيادة و حكومات لها رغبات و نزعات و أطماع و انحياز مع أو ضد مع الامتثال التام لميثاق الجامعة من فض المنازعات بالوسائل السلمية و ليس عن طريق التدخل العسكري إلا بموافقة الدولة المعتدي عليها  و بناء عليه تم استدعاء التدخل العسكري الخارجي مع مشاركة داخلية عربية من قوات مصر و سوريا مع قوات التحالف الدولي و كانت هذه بمثابة أول قدم يضعها النظام العالمي الجديد أو قطب الولايات المتحدة الأمريكية مع ترنح روسيا الإتحادية بعد تفكك الإتحاد السوفيتي و لما تتعافي بعد من هذا الحدث المهول في تاريخها و تاريخ البشرية الحديث ، كانت أول قدم تضعها الولايات المتحدة في الخليج و السيطرة علي مقدرات البلاد من النفط و هذا ما قاله كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية قبل أقل من عشرين عاما أنه لا يجب أن يبقي البترول في أيدي العرب تعليقا علي منع البترول من قبل الملك فيصل ،و خططوا لذلك علي مدار عشرين عاما بدأوها بتأجيج حرب الخليج  الأولي ما بين إيران و العراق عقب الثورة الإيرانية بعام واحد ولمدة ثماني سنوات ولما لم تؤتي هذه الحرب ثمارها لديهم أوعزوا إلي صدام حسين الرئيس العراقي آنذاك باحتلال الكويت ثم كونوا التحالف الدولي ضد العراق لتحرير الكويت و تم لهم الأمر بقواعد عسكرية في قطر و حفر الباطن بالمملكة العربية السعودية و دمروا العراق بالحصار ثم بادعاء وجود سلاح نووي ثم بحرب العراق و دخولها عام 2003م و بذلك سيطروا علي مقدرات البلاد والعباد و ذلك كله في غيبة من جامعة الدول العربية التي لم تحرك ساكنا غير عقد المؤتمرات و الشجب و الإعراب عن القلق و التعامل بشكل سلبي مع هذه الأزمة الطاحنة التي أدت إالي ما نحن فيه من تردي الأوضاع و الهيمنة الأمريكية علينا نحن العرب سياسيا و اقتصاديا و أدت إلي انفجار الشعوب و الثورات العربية و حالة الفوضي الخلاقة التي أحدثوها لإحكام السيطرة و الهيمنة أكثر و أكثر علينا نحن العرب و المسلمين.

الحالة الثالثة في الإخفاق في التعامل مع ثورات الربيع العربي و غض الطرف عن تدخلات دول عربية في شؤون دول عربية أخري بغرض السيطرة علي مقدراتها الاقتصادية و ترسيخ التبعية لها و حكمها بالوكالة لصالح الغرب الصهيوني و من ذلك محاولة سيطرة الإمارات علي مضيق باب المندب و التدخل الصارخ في شؤون اليمن و بيع جزر تيران و صنافير للمملكة العربية السعودية لتكون متنفسا للكيان الصهيوني و التلويح بصفقة القرن و عجزها عن السيطرة علي الأوضاع في سوريا و إبقاء مصر في حالة الطفو اقتصاديا و تنحية الإسلام السياسي من الحياة السياسية العربية و إن كان ذلك بالانقلاب الخشن الدموي في الجزائر العام 1992م و مصر عام 2013م و اليمن بعد هذا التاريخ بانقلاب جماعة الحوثي علي الشرعية و من المفارقات أنها أيدت الانقلاب علي الشرعية في مصر و شجبت و أنكرت الانقلاب علي الشرعية في اليمن مما ،فهذه فاتورة باهظة تدفعها الشعوب نتاج الفشل الذريع لجامعة الدول العربية في إدارة هذه الملفات الساخنة في العالم العربي بما فيها الفشل في الحيلولة دون انقسام السودان و تحالف جنوب السودان مع أعداء الأمة المهددة لها من خارجها و هذه الحصيلة من الإخفاقات مما أفقد الجامعة العربية مصداقيتها لدي الشارع العربي بل و العالمي وهذا ما يستدعي وقفة مع تقييم جامعة الدول العربية و حاجة ملحة لإصلاحها في هياكلها الداخلية و آليات و وسائل التنفيذ و استحداث هيئات داخلية لكي تكون الجامعة أكثر فاعلية و إيجابية و حيادية تجاه ما يعن للأمة العربية من تحديات و مستجدات ، وهذا ما سنتكلم عنه لاحقافي الخلاصة و التوصيات.

النتائج و التوصيات

غير أن الجامعة نجحت نجاحا جزئيا في التعاطي مع القضايا البعيدة عن السياسة نسبيا مثل قضايا الإغاثة الإنسانية في االبلاد العربية المنكوبة و قضايا الثقافة و العلوم و التعاون علي مستوي القانونيين العرب و لكنها فشلت في قضية اللاجئين و الهجرة غير الشرعية و التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني و صد كل محاولات الهيمنة و التغريب و السيطرة علي الثروات العربية في الداخل العربي لذلك أظهرت الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية المتردية و التي أسفرت عنها و كانت سببا في تفجرها ثورات الربيع العربي أظهرت مدي العجز و الخلل الواضح اللذين تصدرا أهم ممارسات الجامعة العربية و مواقفها و بذلك نستطيع أن نقول بأن الجامعة العربية كانت متماهية إلي حد صارخ مع الأنظمة الحاكمة و لم تكن مطلقا علي مستوي طموح الشعوب العربية الغارقة في بحر الاستبداد حتي الثمالة و تعد بمثابة اسما علي ورق و لذلك الحاجة ملحة إلي الاصلاح و هناك ثمة مطلبان رئيسان :

الأول: هو البحث عن نظام بديل لهذه الجامعة المتهالكة من جهة هيكلها الداخلي و فعليا من جهة فاعليتها و تأثيرها في المحافل العربية و الدولية

الثاني : و هو عمل اتحاد عربي علي غرار الاتحاد الأوروبي و توحيد العملة و الدفاع العربي المشترك و السوق العربية المشتركة و الاندماج التام مع احتفاظ كل دولة بخصوصيتها الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية حتي مع التعامل مع المجتمع الدولي و يكون هناك رئيسا للاتحاد العربي يكون بالتناوب و بالانتخاب بين الدول الأعضاء في الاتحاد العربي و انشاء كافة الهيئات و المنظمات الداخلية تحت مظلة الاتحاد العربي أو يبقي الوضع كما هو عليه و نغسل أيدينا من الجامعة العربية و نكبر عليها أربعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى